ما أن يحضر عيسى مجلس أصدقائه حتى يتفرقوا الواحد تلو الآخر، هاربين بصورة غريبة، فهروبهم ليس بسبب رائحة كريهة أو منظر مقزز، إنما بسبب لسان لا يتوقف عن الكلام أبداً. ويقول أحمد نوح:"نعرف عيسى منذ أكثر من عشر سنوات، إلا أنه لم يتغير منذ ذلك الحين ولن يتغير، فهو ثرثار إلى حد المرض". صديقه الآخر عادل محمد يصفه"بالآلة الكاتبة التي لا تتوقف عن الطرق ونثر الحروف"، مضيفاً"لم أشهد حالة مشابهة لعيسى، فحتى في يوم مرضه نجده يتحدث بنشاط، وإن كان جسده منهكاً ولا يقدر على الحركة". ويؤكد صديقه سمير حبيب أنه"يشعر بالخجل حين يخرج مع صاحبه الثرثار إلى التجمعات العامة أو العائلية". ويعلّل السبب"بأنه يخطف الأبصار نحوه وأبدأ أشعر بالحرج، وكأن الناس يلقون باللائمة عليّ بسبب هذا الموقف المزعج الذي أوقعتهم فيه". وعلى رغم ثرثرته المزعجة التي تتخطى حدود المعقول، إلا أن عيسى تميّز بطرافته وإصداره للكثير من الملاحظات الدقيقة. ويشعر بعض أصدقائه بأنه يمثلهم في جميع الأماكن والمواقف، إذ يصادر آراءهم ويحجّم شخصياتهم بحسب قولهم. ويقول سمير"في الحقيقة إنه لا يمثلنا، هو يمثل نفسه المعزولة عن عالمنا، وهو دائم البحث عن جمهور يشبع رغبته في الحديث، وكلما زادت وحدته زادت جرأته في البحث عمّن يستمع إليه، حتى لو كان الجمهور صغير العدد". وأمثال عيسى غالباً ما يجنح بهم حديثهم للوقوع في أخطاء قد تفقدهم وظيفتهم أو مكانتهم الاجتماعية من دون قصد، إلا أنهم اعتادوا الثرثرة، ليصدق عليهم القول القديم"رب كلمة قالت لصاحبها دعني". وتجدهم في أماكن العزاء يكثرون من التساؤلات عن الأشياء الدقيقة جداً التي أدت إلى وفاة المرحوم، من دون التفكير في مشاعر الآخرين، ولا يرضون بأي معلومة موجزة، بل يفضلون أن يبدأوا بيوم ولادته وحتى يوم وفاته، وإن استدعى الأمر إلى يوم حسابه.