ينفي البعض قول الأئمة أبي حنيفة والطبري وابن حزم جواز تولي المرأة القضاء، وعدم اشتراط الذكورة فيه، ولستُ أدري لمَ يحاول البعض نفي أي قول لأي عالم فيه صلاح للمرأة، فهناك من اجتهد لإثبات عدم صحة قول الأئمة الثلاثة بجواز تولي المرأة القضاء؟ مع أنَّ الإمام ابن جرير الطَّبري يرى أنِّ الذكورة ليست شرطاً لتولي القضاء، لأنَّ القضاء كالإفتاء، والإفتاء لا يشترط فيه الذكورة، فهكذا كان القضاء. وعلى هذا يجوز للمرأة أن تكون قاضية في الأموال وغيرها، كما جاز لها أن تكون مفتية في جميع الأمور، وجاء في الجزء السابع ص4 من"بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي الملقب بملك العلماء المتوفى سنة 587ه، وفي الصفحة 454 من الجزء الخامس من كتاب"فتح القدير"للشيخ كمال الدين المعروف بابن الهمام الحنفي المتوفي سنة 861ه، والصفحة 53 من الجزء الأول من كتاب"روضة القضاة وطريق النجاة"للعلامة أبي القاسم علي بن محمد بن أحمد السمناني المتوفى سنة 499ه، جاء في هذه الكتب لهؤلاء الفقهاء الأحناف أنَّه يجوز أن تكون المرأة قاضية في غير الحدود والقصاص لأنَّه لا شهادة لها في هذه الجنايات، ولها شهادة في غيرها، وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة، وجاء في الجزء التاسع"المحلى"لابن حزم ص 429-430 وجاز أن تلي المرأة الحكم، وهو قول أبي حنيفة، وقد روى أنَّ عمر بن الخطَّاب ولى الشفاء امرأة من قومه السوق، فإن قيل قد قال صلى الله عليه وسلم:"لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة"لنا إنَّما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر العام الذي هو الخلافة، ولم يأت نص في منعها أن تلي بعض الأمور. ويؤكد فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي قولهم هذا فيقول:"إنَّ ابن حزم يرى من حق المرأة أن تتولى القضاء، والظاهرية هم أناس حرفيون يتمسكون بظواهر النصوص، ويقاتلون دونها، ولو كان عند الظاهرية أو عند ابن حزم نص يمنع المرأة لتمسَّكَ به وحارب من أجله، وإنَّما لم يوجد، ولذلك هناك من أجاز للمرأة أن تتولى القضاء في ما تشهد فيه، والإمام أبو جعفر الطبري، وهو الفقيه المحدث والمفسر والمؤرخ الشهير، كان له مذهب وله أتباع يُسمون الطبرية، وظل مدة من الزمن وانقرض. أبو جعفر الطبري يرى أنَّ من حق المرأة أن تتولى القضاء في كل شيء حتى في الجنايات، فالمسألة خلافية، ولا أرى في نظري نصاً شرعياً يمنع المرأة من تولي القضاء، وهناك فقهاء كثيرون يوافقونني الرأي، وكان الشيخ الغزالي رحمة الله عليه يوافق على هذا"راجع موقع الجزيرة نت، برنامج بلا حدود حلقة"المرأة والقضاء"، التي أذيعت في يوم 20/9/1998م"، هذا ويضيف فضيلة الدكتور علي القرة داغي الأستاذ بكلية الشريعة في جامعة قطر حول ما يثار عن تولي المرأة القضاء:"أنَّ الطبري يستدل بالأدلة العامة، يقول سبحانه وتعالى: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل [سورة النساء : آية 58.] أقول هنا الأصل الإباحة في ما لم يرد فيه نص، فهل يوجد نص من القرآن أو السنة يُحرم على المرأة تولي القضاء؟ إنَّ اشتراط الذكورة في تولي القضاء هو اجتهاد من بعض الفقهاء، ولا يعني أنَّهم قد أصابوا في اجتهادهم، فمادام للمرأة حق الولاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنص قرآني، ومادامت قد مارست الفتوى، فكانت السيدة عائشة تُفتي في زمني أبي بكر وعمر، والفتوى لا تقل عن القضاء، وتولي الشفاء رضي الله عنها الحسبة، والحسبة كما قرَّر الفقهاء أنَّها نوع من أنواع القضاء، فما الذي يمنع من توليها القضاء. وهناك اجتهادات للفقهاء أخطأوا فيها كقول الأئمة الأربعة بعدم إلزام الزوج بعلاج زوجه المريضة، وقد جاء هذا النص في الصفحة 794 من الجزء السابع من كتاب الدكتور وهبة الزحيلي:"قرر فقهاء المذاهب الأربعة أنَّ الزوج لا يجب عليه أجور التداوي للمرأة المريضة من أجرة طبيب وحاجم وفاصد، وثمن دواء، وإنَّما تكون النفقة في مالها إن كان لها مال، وإن لم يكن لها مال وجبت النفقة على من تلزمه نفقتها لأنّ التداوي لحفظ أصل الجسم، فلا يجب على مستحق المنفعة، كعمارة الدار المستأجرة تجب على المالك لا على المستأجر، وكما لا تجب الفاكهة لغير الأدم". هل هذا يتفق مع أسس الزواج في الإسلام القائم على السكن والمودة والرحمة؟ وهل هذا يتفق مع روح الإسلام دين الرحمة الذي يحث على الرفق بالحيوان فما بالك بالإنسان؟ وتلك المرأة التي دخلت النار بسبب هرة حبستها، وأخرى دخلت الجنة بسبب هرة أطعمتها وسقتها، وهنا الأئمة الأربعة جعلوا الزوجة كالعمارة المستأجرة؟ وهناك خطأ آخر وقع فيه الفقهاء، وهو تقريرهم دية المرأة نصف دية الرجل مع أنَّ الآية الكريمة لا تنص على ذلك ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله وقياسهم في ذلك على حظ الذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث، وهذا ليس ثابتاً في كل الأحوال، فالرجل يأخذ ضعف المرأة في أربع حالات فقط، وفي أضعافها تأخذ مثله، وفي عشر حالات تأخذ أكثر منه، وفي حالات هي ترث، وهو لا يرث، وهناك خطأ آخر وقع فيه الفقهاء، وهو القول بعدم قبول شهادة المرأة في الجنايات، ولستُ أدري على أي أساس قالوا بهذا؟ وهل يعني هذا إباحة جرائم القتل في المجتمعات النسائية لأنّ لا تقبل شهادة النساء، فمن أين يأتي النساء بشهود رجال على الجناة إن ارتكبت جريمة قتل في مدرسة أو جامعة بنات أو إدارة حكومية نسائية، أو بنك نسائي؟ للأسف الشديد أنَّ الأحكام الفقهية بيد الرجال، فهم الذين يقررون المنح والمنع، فإنهم كانوا ينظرون إلى المرأة نظرة دونية، ويعتبرون الرجال لهم القدسية وهم المفضلون، وأنّهم يمثلون الكمال البشري الممكن، فيحكمون على المرأة بالنقص والدونية. ومن أخطاء الفقهاء قصر بعضهم الخلافة في قريش، واعتبار"من تسمى بالأمر والخلافة من غير قريش فليس خليفة، ولا إماماً، ولا من أولي الأمر، فهو فاسق عاص لله تعالى، هو وكل من ساعده، أو رضي أمره لتعديهم حدود الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم"، هذا النص موجود في"المحلى"لابن حزم ، في كتاب الإمامة، الجزء الثامن، صفحة 421. فما قول هؤلاء في هذا القول لبعض الفقهاء، وفي أخطائهم الأخرى التي أشرت إليها؟ * كاتبة سعودية suhaila- [email protected]