أنشيلوتي: لونين سيكون حارس ريال مدريد في مباراة الإياب ضد بايرن ميونخ    الإطاحة بثلاثة مروجين للمخدرات    تنظيم لهيئة الصحة العامة وتحويل مؤسسة تحلية المياه إلى هيئة    «سعود الطبية»: زيادة إصابات «الكفة المدورة» مع تقدم العمر    في الشباك    آل شلبي يتلقون التعازي في فقيدهم    مروة محمد: نحن مقبلون على مجد سينمائي    علي عبدالكريم: عبقرية «البدر» في تكوين مشروع الثقافة والفنون    الفوائد الخمس لقول لا    أمطار الشتاء تحوّل حائل إلى واحة خضراء    14.4 مليار ريال إنفاق نقاط البيع بأسبوع    10 آلاف ريال عقوبة الحج دون تصريح    استعراض الأمن السيبراني السعودي أمام العالم    القادسية يستهدف التعاقد مع جيسوس وريتشارلسون    "ذهبية" لطالب سعودي لاختراع تبريد بطاريات الليثيوم    الاحتلال يتجاهل التحذيرات ويسيطر على معبر رفح    البحث عن المفقودين في ركام مبنى مميت جنوب أفريقيا    بدء التسجيل ب"زمالة الأطباء" في 4 دول أوروبية    ملك المغرب يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    الخارجية: المملكة تدين اعتداء مستوطنين إسرائيليين على قافلة مساعدات متوجهة لغزة    الحوار الإستراتيجي الثاني للتنمية والمساعدات الإنسانية بين المملكة وبريطانيا يختتم أعماله    بوتين يؤدي اليمين الدستورية لقيادة روسيا لمدة خامسة في مراسم بموسكو    «سلمان للإغاثة» يوزع 6.500 سلة غذائية للمتضررين في قطاع غزة    29 ألف م3 مخلفات بناء برفحاء    السعودية ترأس اجتماع المجلس التنفيذي للألكسو في جدة    مدرب الهلال: الجانب البدني حسم مواجهة الأهلي    إمهال المدن الترفيهية حتى 31 يوليو لتصحيح أوضاعها    أمير تبوك يستقبل مدير الخدمات الصحية بوزارة الدفاع    الآسيوي يوقف لابورت ويحيى وكانتي وحمدالله    انطلاق أعمال مؤتمر المنظمة الدولية للدفاع المدني 2024 بالرياض    ديميرال: لعبنا 60 دقيقة فقط أمام الهلال    أمير الرياض يقلد مدير جوازات المنطقة رتبته الجديدة    4.7 ألف طالب ينضمون ل"فصول موهبة"    مطار الملك خالد الدولي يدشّن مسارا جويا مباشرا إلى بكين بواقع 3 رحلات أسبوعية    إطلاق خدمة "أجير الحج" للعمل الموسمي    العُلا تنعش سوق السفر العربي بشراكات وإعلانات    أمير الشرقية يستقبل ضيوف الاثنينية و يدشن مقر الجمعية التعاونية الاستهلاكية    تطوير المدينة تستعرض مواقع التاريخ الإسلامي في معرض سوق السفر 2024    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المصلى المتنقل خلال مهرجان الحريد    ولي العهد يعزي رئيس الامارات بوفاة الشيخ طحنون    "تيم لاب بلا حدود" بجدة التاريخية للمرة الأولى    وزير الدفاع يرعى تخريج طلبة الدفاع الجوي    أول حكم في الدوري الإنجليزي يدير مباراة رسمية بكاميرا على أذنه!    لصان يسرقان مجوهرات امرأة بالتنويم المغناطيسي    مؤتمر لمجمع الملك سلمان في كوريا حول «العربية وآدابها»    استقبل أمين عام مجلس جازان.. أمير تبوك: المرأة السعودية شاركت في دفع عجلة التنمية    هل تتلاشى فعالية لقاح الحصبة ؟    وزير الحرس الوطني يستقبل قائد القطاع الأوسط بالوزارة    اختتام "ميدياثون الحج والعمرة" وتكريم المشروعات الفائزة والجهات الشريكة    أبو الغيط يحذّر من «نوايا إسرائيل السيئة» تجاه قطاع غزة    استمرار الإنفاق الحكومي    اكتشاف الرابط بين النظام الغذائي والسرطان    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم السيامي الفلبيني «أكيزا وعائشة» إلى الرياض    الحرب على غزة.. محدودية الاحتواء واحتمالات الاتساع    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين والهوية ... إشكاليات الصدام والحوار والسلطة
نشر في الحياة يوم 18 - 08 - 2012

أصبحت مسألة علاقة الدين بالهوية موضوع دراسات وأبحاث عدة في مختلف بلدان العالم، وباتت موضوعات هذه العلاقة والظواهر المتصلة بها تحتل مكاناً بارزاً في صفحات عشرات الكتب والمؤلفات، التي حاولت تحليل أسبابها وبواعثها، وتحاول تفسير صعود الهويات الدينية وبروز الحركات الأصولية، مقابل خفوت وهج النظريات الكبرى أو السرديات الكبرى، حسب لغة الفيلسوف الفرنسي"جون فرنسوا ليوتار".
ويتناول السيد ولد أباه، في كتابه"الدين والهوية"جداول، 2010، إشكالية الدين والهوية من زوايا مختلفة، يدخل ضمنها المسألة الدينية السياسية، وأثرها في تشكيل الهوية الثقافية، وما يتصل بقضايا الشرعية والأيديولوجيا، ويدخل ضمنها كذلك أسئلة الكونية والاختلاف والإسلاموفوبيا وسوى ذلك. ويميّز بين اتجاهات ثلاثة متمايزة، داخل الفكر الإسلامي المعاصر، في النظر إلى المسألة الدينية السياسية، أولها يحصر نموذج الدولة الإسلامية في أشكالها التاريخية، أي دولة الخلافة والدولة السلطانية بالاستناد إلى المرجعية الفقهية الوسيطة. وثانيها يسعى إلى أسلمة الدولة الوطنية الحديثة، من خلال إضفاء الشرعية الدينية على هياكلها المؤسسية البيروقراطية، مع تصويب منظومتها القيمية التشريعية. وثالثها يتبنى الدولة الحديثة ونمط العقلنة السياسية، التي تنهض عليها من منطلق تصورها الإجرائي الأداتي، الذي لا يتناقض جوهرياً مع المرجعية الإسلامية، بل يقبل شتى المقاربات القيمية.
ولا شك في أن الفرق كبير وشاسع بين هذه الاتجاهات الثلاثة، ولا ينحصر فقط في تصورها للهوية وللدولة وعلاقتها بالشريعة، بل يمتد إلى مسائل عدة، لكن ولد أباه يعتبر أن محاولة أسلمة الدولة الوطنية من دون دراية بأنها تستبطن الوظائف العمومية للدين هو خطأ وقعت فيه أغلب اتجاهات الفكر الإسلامي. ويلاحظ أن الإسلاميين بشكل عام يتفقون مع أعتى خصوم الإسلام من الغربيين في اعتبار الإسلام الدين الوحيد الذي لا يقبل الفصل بين الدين والدولة، وبالتالي فهو يتمنع على العلمانية، التي هي المسلك الذي اعتمدته المجتمعات الديموقراطية الغربية الحديثة لحسم المسألة الدينية- السياسية.
والواقع هو أن المؤسستين الدينية والسياسية لم تندمجا في الإسلام، خلال مجمل مراحل الدولة الإسلامية في مختلف مراحلها التاريخية، بل حافظت كل واحدة منهما على استقلاليتهما ضمن حدود صلاحياتها الضمنية الدقيقة، التي بقيت محصورة في الإفتاء والتأويل للفقهاء، وتسيير شؤون الدولة والحكم للخلفاء والسلاطين. وفي هذا الصدد قدم رضوان السيد دراسات هامة في الفكر السياسي الإسلامي الوسيط، واعتبر أن التصادم بين المؤسستين، كان يحدث في لحظات الأزمة، أي عندما تضعف إحداهما فتطمع في الاحتواء على مهمات الأخرى، لكن الأمر ينتهي إلى وضعه الطبيعي في نهاية المطاف.
وفي الفكر الإسلامي المعاصر لم تظهر أطروحات تتبنى صراحة حكم العلماء والفقهاء قبل نظرية ولاية الفقيه، التي أخرجها الإمام الخميني من أدراج التراث الشيعي لحل معضلة الشرعية الدينية للدولة في عصر الغيبة، أي غيبة الإمام المهدي المنتظر، وذلك بعد أن سيطرت على الفكر الإيراني مسائل تتصل بعلاقة الدولة الدينية بالدولة المدنية، ومصدر مشروعية السلطة، وتاريخية المعرفة الدينية والتعددية الدينية، وتحليل اللغة الدينية، الأمر الذي يشير إلى أن أكثر الخطابات تحديثاً في إيران غالباً ما يتبلور ضمن السياق الديني. بينما الصورة مغايرة في الفكر العربي، إذ غالباً ما كانت الاتجاهات التحديثية في الساحة العربية تتشكل خارج الهم الديني وسياقه الفكري.
وكان الفقه السياسي السني والشيعي قد انتهيا على رغم اختلاف مرجعيتيهما إلى النتيجة، التي تقول بالفصل بين النظام الشرعي والسلطة السياسية. وعليه اتسمت كتابات الحكام السلطانية والسياسة الشرعية بالبراغماتية والواقعية الشديدة، وخلصت إلى اعتبار السياسة من شأن الغلبة والقوة، وانتهت إلى حصر شرعية الحكم في صون البيضة وحراسة الدين، بوصفه مقوم الهوية الجماعية.
أما علاقة الدين بالدولة في المجتمعات الأوروبية المعاصرة، فيراها ولد أباه تتخذ مسلكين مرتبطين بشكل عضوي، أولهما يتمثل في اضطلاع الدولة الوطنية الحديثة ببعض الأدوار التاريخية للدين، خصوصاً ما يتصل منها بالأبعاد الرمزية المشتركة، أي دائرة المقدس الجماعي، الذي تحول منذ العصور الحديثة من المؤسسة الدينية، التي كانت تؤطر النسق الاجتماعي، إلى الدولة التي أصبحت تؤدي الدور ذاته. وثانيهما ينحصر في اضطلاع الأيديولوجيات بدور الدين العقدي والطقوسي، وذلك في سعيها لمنافسة الديانات في معتقداتها التأويلية التفسيرية وفي ضبطها لوعي الناس ومخيلتهم.
غير أن الدولة الوطنية في بلداننا العربية، التي حاولت تعويض الدين الإدماجي الاجتماعي، أضحت نموذجاً متآكلاً عاجزاً عن أداء هذا الدور في سياق معادلة العولمة الجديدة. إضافة إلى أن الأيديولوجيات التعبوية، الغائية والنسقية انهارت، وفقدت نجاعتها التصورية والإجرائية، الأمر الذي أفسح المجال أمام عودة الديانات لاسترجاع هذا الدور الذي كانت تحتكره سابقاً.
ويكشف واقع المجتمعات العربية والإسلامية أن تناول المسألة الدينية موضوعياً، يقتضي تقديم قراءة تحليلية وأركولوجية للظاهرة، بغية التعرّف إلى أسبابها ومفاعيلها وأدوارها في الحراك السياسي والاجتماعي في عصرنا الراهن، وذلك لأنها مسألة شديدة التعقيد. ويمكن القول بأننا لا نشهد عودة الدين إلى الساحة العالمية بقدر ما نشهد استخدام الدين من طرف جماعات مختلفة لأغراض سياسية واقتصادية لا علاقة لها بالدين وأركانه. وإذا نظرنا إلى مسألة الهوية بوصفها ظاهرة اجتماعية مبنية على الاختلاف مع هوية أخرى، يمكن القول بأنها ليست جامدة أو متصلبة، بل تتطور وتتبدل تبعاً للمتغيرات والظروف، التي تعصف بمنظومات القوة والسلطة ومعايير الزمن الحاضر. لكن ليس دقيقاً القول بأن الهوية الدينية تحكم في أيامنا هذه كل شيء وفي كل مكان من العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.