لن نأتي بجديد هنا إن قلنا ان الأنجح بين البرامج التلفزيونية في لبنان، هو برنامج"واحد"يقدم على ما لا يقل عن ثلاث محطات تلفزيونية كبرى، وربما يثير في طريقه غيرة وحسد بقية المحطات التي تبدو، وكل لأسبابها، عاجزة عن مجاراته. أما مقياس النجاح في عرفنا فهو ان كل حلقة من حلقات هذا البرنامج ما ان تبث على كل من محطاته الثلاث، حتى تصبح منذ صباح اليوم التالي، حديثاً يتناقله الناس في البلد. بكلمات أخرى تمكّن البرنامج، حتى وان كان اسمه يتبدل بين محطة وأخرى، من أن يخلق حديثاً حقيقياً للبلد. كذلك فإن مقياس النجاح الثاني هنا، هو ان هذه البرامج الثلاثة، ونرجو ألا تكون قد أصبحت أربعة بين أول كلمة كتبناها أعلاه وهذا السطر، انما ولدت من بعضها البعض... تماماً كما تولد دكاكين بيع الفراريج المشوية الى جانب بعضها البعض ما ان ينجح أولها في استقطاب زبائنه! ففي البداية كان البرنامج واحداً على محطة كان لها شرف"ابتكاره"... بسرعة"استعارت"الفكرة محطة ثانية منافسة ثم محطة ثالثة... وطبعاً راحت كل من المحطات تبدع في ابتكار اسم، فإذا كانت الأولى اطلقت عليه اسماً عبثياً، لا معنى له على الإطلاق "لول"، عادت الثانية الى العصر العثماني - على غرار المطاعم البيروتية المبتكرة - لتسمي برنامجها"الكلمنجي"أما الثالثة فوفقت أكثر، إذ نهلت من تاريخها الخاص، محولة اسم برنامج قديم لها، هو"اسأل - أي أثقل - شي"، الى"أهضم شي"... وهكذا صار للبنانيين"ثلاثة بواحد"بحسب الإعلان الشهير وبطله أبو فؤاد... وربما يصح ان نقول هنا ان ثلاث طوائف، عبر تلفزيوناتها، صار لها برنامج... في انتظار ان تنهض بقية الطوائف - أعني التلفزيونات - لتطالب بحقها، بحسب المعادلة اللبنانية الشهيرة. وفي انتظار ذلك، لا شك في ان قارئنا العربي، الذي لا يعرف شيئاً عن هذا"الثالوث"ولا عن محطاته، يتساءل عن ماهية هذا العمل وسر نجاحه... جوابنا له: لا شيء على الإطلاق: مجرد أشخاص يجتمعون في كل محطة، وكل منهم يعتقد ان لديه من خفة الدم والظرف ما يؤهله لإلقاء الفكاهات... المعروفة سلفاً في معظمها. والباقون يضحكون بصخب وكأنهم اكتشفوا المريخ، وكأن اسماعيل ياسين وبورفيل وشابلن ووودي آلن، حضروا فجأة بينهم. ولسنا ندري هنا ما إذا كان هذا الضحك المبالغ فيه، والمائع الى حدود لا تطاق يتم بإمرة مساعد المخرج كما يحدث في برامج الحكي أو المنوعات"الجماهيرية"، حيث الجمهور كورس مدفوع الأجر كل ما عليه هو أن يطيع أوامر المخرج فيضحك ويصرخ ويصفق بحسب الأوامر... وفي الحقيقة يصعب القول ان كل ما يروى في البرامج مضحك أو ذكي فعلاً... بل كثيراً ما تكون النكتة رويت في برنامج سابق. ذلك ان الشيء الأساس الذي تفتقر اليه فروع البرنامج الثلاثة هو المخيلة والابتكار. أما ما يقف خلف تحول كل حلقة الى حديث للبلد في اليوم التالي فهو غالباً اباحية النكات، أو جرأتها أو سخرية بعضها من شعوب معينة في شكل عنصري... ونعرف ان جمهور هذه المحطات يميل الى هذا في شكل أو في آخر. أما أخيراً، إذا أردنا المفاضلة بين"الأخوة - الأعداء"هؤلاء فلا بد من ان نقول ان شرف الريادة والتميز يبقى من نصيب لول - ولا فخر -... ترى ألم يقل شاعرنا العربي القديم: وما الحب إلا للحبيب الأول؟ نشر في العدد: 17185 ت.م: 23-04-2010 ص: 26 ط: الرياض