ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    في الأحساء تنفيذ 10 مشاريع في اختتام "أساطيل المستقبل"    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    خبير سيبراني: تفعيل الدفاع الإلكتروني المتقدم يقي من مخاطر الهجوم    «هيئة العقار»: 18 تشريعاً لمستقبل العقار وتحقيق مستهدفات الرؤية    الأهلي يضمن الثالث.. الحزم يحرج الرياض.. التعاون رابع الكبار    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    السفارة السعودية في تشيلي تنظم حلقات نقاش بعنوان "تمكين المرأة السعودية في ظل رؤية المملكة 2030"    مقتل 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    تنظيم جديد لتخصيص الطاقة للمستهلكين    «التعليم».. تكشف شروط نجاح الطلاب والطالبات بجميع المراحل    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    سلة الهلال تُتوّج بلقب المربع الذهبي    اطلع على مشاريع التطوير لراحة الحجاج.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    زيارات الخير    محتالة تحصل على إعانات بآلاف الدولارات    طبخ ومسرح    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    مواقف مشرّفة    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    الماء (2)    جدول الضرب    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    «باب القصر»    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    الهلال يحبط النصر..    الخبز على طاولة باخ وجياني    جماهير المدينة (مبروك البقاء)!    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    نيابة عن ولي العهد.. وزير البيئة يرأس وفد المملكة في المنتدى العالمي للمياه    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    قائد فذٌ و وطن عظيم    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصاد علمي وتكنولوجي من العام . الإنسان ما زال يكتشف الكون من الأرض والعالم العربي مجال رحب ل "زراعة الرياح"
نشر في الحياة يوم 11 - 01 - 2009

قبل عشرة أيام، انقضى عام من عمر البشرية صاحبته إنجازات علمية وتكنولوجية متميزة. وواصل الإنسان رحلته الطويلة لإعمار الأرض وفهم الكون. فتوالت الإكتشافات العلمية والتطورات التكنولوجية لتمهد لحقبة جديدة من فهم أعمق لحياة الإنسان على كوكبه وتوافقه مع البيئة الحياتية عليه. وعلى رغم التقدّم الكبير في العلوم والتكنولوجيا، لم يكن التقدم في المفاهيم والاعتبارات الإنسانية العامة بالمقدار ذاته. ومن هنا الاستخدام الملتبس لأدوات العلم والتكنولوجيا للتفرقة بين الأجناس والأعراق ولتعميق الهوة بين الأمم، ولزرع الفتن والأحقاد وادعاءات العصمة والتفوق، فيما هو معروف بالمعايير المزدوجة.
كان حصاد العام من الإنجازات العلمية والتكنولوجبة متنوعاً. وأثناء زيارتي مركز بحوث يوليش في ألمانيا أوائل العام، أتيحت لي فرصة الإطلاع على توجهات البحوث العلمية التطبيقية في دولة متقدمة من دول الصف الأول. كان الاهتمام منصباً على دراسة خواص المكونات الميكرووية بالغة الصغر للمادة لجهة أخذ الظواهر الكمومية في الاعتبار. وهي الظواهر المرتبطة بالتصرفات الإحتمالية للمادة على المستوى الجزيئي والذري والنووي.
وهذه الدراسات ذات أهمية بالغة في تصنيع المكونات العالية الدقة وتطويرها للأجيال المقبلة من الكومبيوترات الفائقة السرعة ونظم الإتصالات المتطورة. وبرز اهتمام خاص بدراسة خصائص المادة اللينة - في مقابل المادة الصلبة - وما يؤدي إليه من تطوير مبرمج لخصائص اللدائن والبلورات السائلة واستخداماتها الصناعية المختلفة.
في ما يأتي بعض المسائل العلمية التي طرحت ذاتها بقوة خلال العام 2008.
المصادم الهادروني الكبير
من الأحداث الكبيرة خلال العام 2008 والتي يجب التوقف عندها، بدء التشغيل في 10 أيلول سبتمبر للمصادم الهادروني الكبير م ه ك، Large Hadronic Collider LHC، التابع ل"المنظمة الأوروبية للبحوث النووية - سيرن"CERN، في مدينة جنيف في سويسرا. ومقر هذه المنظمة العملاقة هو في منطقة الحدود الفرنسية - السويسرية وقد تأسست عام 1954 كمنظمة أوروبية لبحوث الطاقات العالية. ويرجع العهد بمشروع م ه ك إلى عام 1994، عندما بدأ التفكير في محاولة مضاهاة ظروف الإنفجار العظيم Big Bang الذي يعتقد أنه كان لحظة البداية للكون منذ نحو 14 بليون سنة. وتطلب ذلك بناء مسرعات عملاقة ذات طاقات عالية تسمح بمضاهاة وضع الكون في أزمنة قريبة من لحظة الإنفجار.
م ه ك هو أكبر مسرع للجسيمات النووية المشحونة في العالم، شارك في تشييده ألفان من علماء الفيزياء من 34 دولة بالإضاغة إلى أساتذة ومتخصصين من مئات الجامعات والمختبرات. وأذكر أنه أثناء زيارة لي عام 1997 للمعهد المتحد للبحوث النووية من دوبنا في روسيا الإتحادية - وهو المعهد المناظر لسيرن لدول الكتلة الإشتراكية سابقاً - حضرت ورشة عمل للإعداد لمشروع م ه ك وناقشت أبعاد المشروع وأهميته العلمية ومتطلبات التجارب عليه.
الإنفجار العظيم
وفقاً لنظرية الإنفجار العظيم يعتقد أن مصير الكون الوليد تحدد بالدقائق الثلاث الأولى التي تلت الإنفجار. ففي لحظة التكوين وبدء سريان الزمكان وهو الفضاء الرباعي الأبعاد المكون من المكان والزمن يعتقد أن حجم الكون كان بالغ الصغر، فيما يعرف باسم البيضة الأولية. في هذه اللحظة المتفردة كانت الطاقات والضغوط ودرجات الحرارة تقترب من قيم لانهائية. مباشرة بعد التكوين بدأ الكون سريعاً في التمدد والبرودة.
في ذلك الزمن السحيق عندما كان عمر الكون نحو 10-35 ثانية دخل الكون مرحلة الإنتفاخ السريع التي توقفت عند الزمن 10-12 ثانية. بتوقف الإنتفاخ دخل الكون مرحلة الحساء الأولى حيث توالى توليد وفناء الجسيمات المكونة للمادة والمادة الضديدة بنسب متساوية. واصل الكون بعد ذلك في التمدد وانخفاض درجة الحرارة حتى الزمن 10-6 ثانية عندما انكسر، لسبب غير معروف، تماثل المادة بحيث تلاشت المادة الضديدة لمصلحة المادة العادية. وبمرور الوقت، وعندما كان عمر الكون ثلاث دقائق كانت درجة الحرارة انخفضت حتى أصبحت مليون درجة، والكثافة حتى قاربت كثافة الهواء، هنا بدأ تكون الأنوية الخفيفة. وبتوالي مرور الوقت، وعند الزمن 379 ألف سنة بدأ تكون الذرات، ومن ثم مرحلة الفصل بين المادة والإشعاع وغمر الإشعاع الكون في ما يعرف الآن بالخلفية الإشعاعية الميكرووية للكون. بعد ذلك بدأ الكون مرحلة التشكل البطيء حيث بدأ تكوّن المجرات عند الزمن بليون سنة، ثم الكون الحديث منذ نحو 12 بليون سنة.
الثقوب السود
الثقوب السود هي أجرام عملاقة في الفضاء بلغت كتلها حداً من الضخامة وحجمها حداً من الصغر، حتى بلغت قوى جاذبيتها حداً لا يسمح لأي شيء يدخل مجالها بالخروج منه مرة أخرى. وهي سود لكون الضوء الداخل إليها لا يخرج منها أبداً.
وتمثل الثقوب السود مرحلة متقدمة في حياة النجوم الثقيلة، حيث ينفجر النجم إلى نجم جديد فائق بعرف ب"سوبرنوفا"، وإذا تبقت منه كتلة جوفية أكبر من نحو ثلاثة أضعاف كتلة شمسنا، انهار هذا النجم تحت تأثير جاذبيته الذاتية متحولاً إلى ثقب أسود. ويتم الإستدلال على هذه الثقوب من قياس الأشعة السينية الصادرة عن الغاز الكوني المحيط أثناء انجذابه وتسارعه إلى الثقب الذي"يلتهمه".
مجموعة لي E8
مجموعة لي المتفردة E8 هي مجموعة تماثل عديدة التمثيلات في العلوم الرياضية. ويرجع الإهتمام بها إلى إرتباطها بمسائل فيزيائية مهمة، مثل نظرية الأوتار ذات الأهمية في الفيزياء الكونية وفيزياء الجُسيمات الأولية. من العلماء العرب الذين يعملون في هذا المجال الدكتور محمد النشائي وله إضافات جيدة في أطار نظرية المجموعات.
نظرية الأوتار
وهي نظرية تم اقتراحها عام 1984، وفيها يتم النظر إلى الجسيمات الأولية ليس لكونها جسيمات نقطية من دون إمتداد مكاني، بل لكونها إهتزازات لأوتار أحادية البعد ذات أطوال بين 10 و34 متراً. ويفترض أن الإهتزازات المختلفة للأوتار تنتج جميع الجسيمات دون الذرية بدءاً من الكوارك وحتى الجلويون من صلب مكونات الذرة. فضاء العمل لهذه الأوتار ذو 10-11 بعداً مقارنة بالفضاء الرباعي الأبعاد في حياتنا العادية ثلاثة أبعاد للمكان وبعد واحد للزمن، ومن هنا أهمية العمل مع مجموعة لي E8. والنظر إلى هذه الأوتار في بعدين ينتج الصفائح المهتزة، وهناك الصفائح المتعددة الأبعاد أيضاً. وتلعب نظرية الصفائح دوراً مهماً في التصور عن الكون، فوفقاً لهذه النظرية يمكن النظر إلى الكون كونه صفيحة في فضاء فائق الأبعاد.
ولحالة الكون المتردد بدأ الإنفجار العظيم بالتصادم بين صفيحتين متوازيتين، تلاه تكوين المادة والإشعاع والتباعد بين الصفيحتين، ثم انتفاخ الصفيحتين وتبريدهما وتشوههما ومن ثم تكون المجرات، ثم غلبة الطاقة المعتمة وتخفيف المادة والإشعاع، ثم استواء الصفيحتين ونعومتهما بفضل الطاقة المعتمة، ثم اتجاه الصفيحتين للتلاقى من جديد تحت تأثير القوى المتبادلة بينهما، ثم إلى تصادم جديد. وتشرح النظرية بعضاً من تخميناتنا عن المراحل الأولية لتكوين الكون ونشأته، كما أنها لا تنفى إمكان تواجد أكوان أخرى، إلا أنها تظل فرضاً ما لم تخضع للتوكيد التجريبي.
المادة المعتمة
المادة المعتمة هي نوع من المادة أدخل لشرح ظواهر فلكية في المجرات وعناقيدها، بما في ذلك مجرتنا"درب التبانة". وقد لوحظ أن المجرات في عنقود تتجه إلى مركز العنقود بسرعات لا يمكن تفسيرها اعتماداً على الكتل المادة المرئية لهذه المجرات. من هنا تبين أن نحو 95 في المئة من الكتلة في العنقود غير مرئية، أي معتمة.
كما أن قياس قياس سرعة الدوران في المجرات اللولبية أظهر ثبات هذه السرعة كدالة في البعد عن مركزالمجرة لأنصاف الأقطار الكبيرة، الأمر الذي تطلب إفتراض وجود كتلة غير مرئية معتمة تغمر أطراف المجرات. هذه المادة المعتمة لا يمكن الكشف عنها كونها لا تصدر أشعة كهرومغناطيسية البتة، بل يجرى تقديرها اعتماداً على تأثيراتها التثاقلية، كسرعة الإنجذاب نحو المركز أو الدوران. والسؤال المطروح الآن عن كنه هذه المادة المعتمة: هل هي من نوع المادة العادية المعروفة لدينا المادة الباريونية، أم أنها من نوع مادة نجهله؟
الطاقة المعتمة
الطاقة المعتمة نوع من الطاقة غير المرئية تطلبها شرح ظاهرة ما يعتقد أنه توسع للكون وفقاً لنظرية الإنفجار العظيم. وتعتمد التقديرات عن توسع الكون على قياس ظاهرة الإنزياح الأحمر في خطوط الطيف للمجرات البعيدة وهي الظاهرة ذاتها التي تُستخدم لقياس سرعات السيارات على الطرق السريعة. لقد تبين من قياس هذه الإنزياحات كدالة في البعد عن مجرتنا وهي مركز القياس بطبيعة الحال ومن ثم الزمن، أن هذه الإنزياحات تعود إلى نقطة افتراضية في الزمن تعود إلى نحو 14 بليون سنة خلت.
وهو أمر بينته لاحقاً نظرية"الإنفجار العظيم"وبدء مفهوم"الزمكان"الزمان/المكان، وفقاً لنظرية النسبية العامة لأينشتاين. قياس أطياف النجوم الجديدة الفائقة السوبرنوفا أظهر أن، بخلاف المتوقع، ثمة تسارعاً جارياً في توسع الكون. شرح هذا التسارع - إضافة إلى أمور أخرى، مثل استقرار النجوم في مجراتها وعدم انجذاب بعضها إلى بعض تحت تأثيرالجاذبية، يفترض وجود نوع من الطاقة غير المرئية المعتمة ذات تأثيرات تثاقلية طاردة، عكساً للتأثيرات التثاقلية الجاذبة المعروفة لدينا.
كنه ونوع الطاقة المعتمة غير معروف، ومقدارها يحدد نوع الكون الذي فيه نعيش: هل هو كون مفتوح أي يستمر في التمدد إلى ما لانهاية، أم منبسط أي ساكن من دون توسع أو إنكماش، أم مغلق أي يتجه إلى نقطة تصادم جديدة بعد حين، ومن ثم يكرر نفسه؟ السؤال قائم ولكل من هذه الرؤى الثلاث مريدوها. ووفقاً لأحدث التصورات عن الكون تشكل الطاقة المعتمة نحو 75 في المئة من الكون والمادة المعتمة نحو 21 في المئة منه، بينما تمثل المادة المرئية نحو 4 في المئة فقط من كتلة الكون.
دور المسرعات العملاقة
لما كانت الرؤى عن نشأة الكون ومصيره متباعدة، والتصورات عن الطاقة والمادة ولبناتها مختلفة والاختيارات محكها التجربة والقياس، بدأ التفكير في السير في طريقين متوازيين. الأول هو دراسة مكونات المادة الضديدة أو ضد المادة، anti-matter والقوانين الحاكمة لتفاعلاتها في ما بينها ومع مكونات المادة العادية، وذلك باستخدام ما هو متاح من مسرعات عملاقة في أوروبا وأميركا الشمالية واليابان، وبناء مشاريع دولية للتعاون العلمي في هذه المجالات. والثاني هو محاولة استرجاع ظروف الإنفحار العظيم إن أمكن، ومن هنا بناء المصادم الهادروني الكبير.
دراسة مكونات المادة الضديدة بدأت من أبسطها ألا وهو ذرة الهيدروحين الضديدة. ووفقاً للتصور تتكون هذه الذرة من جُسيمين أولين ضديدين هما: ضديد البروتون ويتم توليده بواسطة المسرعات العملاقة، وضديد الإلكترون البوزترون وهو جسيم ينتج من إنحلالات لنظائر مشعة متواجدة في الطبيعة. أثناء زيارتي معهد فيزياء الجسيمات دون الذرية التابع لأكاديمية البحث العلمي النمسوية في فيينا هذا العام، أتيحت لي فرصة الإطلاع على نشاطات فريق البحث في مشروع الهيدروجين الضديد في مركز بحوث دارمشتات الألماني، حيث تمكن الفريق من الحصول على عشرات من ضديد الهيدروجين معملياً. إلا أن الذرات المتكونة كانت بالغة السخونة بحيث أنها تنفرط فور تكوّنها نشوئها من دون إتاحة الوقت الكافي للدراسة. وقد تم تكوين مشروع تعاون دولي هو المشروع"ألفا"لتبريد ضديدات الهيدروجين إلى سرعات بطيئة تسمح بتكون ذرات مستقرة إلى حد ما لدراسة خواصها ومقارنتها بذرة الهيدروجين العادية. وستكون هذه أول لبنة تم تصنيعها معملياً لذرة من المادة الضديدة، ومن ثم دراسة خواصها معملياً.
الإنسان والطاقة
لا غنى عن الطاقة في حياة الإنسان، فهي عصب الحياة ووعاء التقدم. وفي عام 2007 بلغ الإحتياج العالمي للطاقة 420 إكسا جول لنحو 2.6 بليون نسمة. ويقدر الإحتياج للطاقة عام 2050 بنحو 800 إكسا جول لعالم فيه ما يقرب من 3.9 بليون نسمة. التكنولوجبات الأوفر حظاً للتوليد التجاري هي تلك المعتمدة على الوقود الأحفورى، الوقود النووي والتوليد المتجدد.
الوقود الأحفوري
الوقود الأحفوري يشمل النفط والغاز الطبيعي والفحم. فمن حيث النفط يتوقع أن يكون إنتاج الخامقد وصل إلى أقصاه عام 2008، وأن يستمر الإنتاج بالوتيرة المرتفعة حتى 2025-2030 يليها هبوط حاد في الإنتاج نتيجة لاستنزاف الحقول. ويجرى حالياً تقدير الحقول غير الإعتيادية الحاملة للزيت مثل الرمال الحاوية للقطران، الطبقات السطحية الطورف، البيتومين. ويعتقد أن القليل منها ذو جدوى اقتصادية في إطار التكنولوجيات الحالية للاستخلاص.
ومن حيث الغاز الطبيعي يُتوقع أن يصل أقصى إنتاج خلال الفترة 2010-2020. هناك مكامن أخرى للغاز الطبيعي وعلى وجه الخصوص هيدرات الميثان، التي يجرى الآن تطوير تقنيات الاستخلاص منها، ويتوقع الوصول إلى تقانة تجارية لها خلال الأعوام 2016 و2020.
أما من حيث الفحم فهناك إحتياطيات كبيرة له. إلا أن العامل الرئيس المقيد للاستخدام الواسع هو التبعات البيئية الوخيمة. ويجرى الآن تطوير تقنيات تغييز الفحم بهدف الوصول إلى انبعاثات قريبة من تلك الناتجة من حرق الغاز.
للوقود الأحفوري مضار بيئية كثيرة، فمنه تنبعث عند الإحتراق الغازات الدفيئة ومنها ثاني أكسيد الكربون والميثان، التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، كما أنه باعث لغازات التلوث البيئي مثل أكاسيد النتروجين والكبريت. ويجرى الآن تطوير تقنيات لخفض هذه الإنبعاثات الضارة، وهي ما زالت قيد الإختبار.
الطاقة الجديدة والمتجددة
قابلية المصادر الأحفورية للنضوب دفعت للتفكير في مصادر أخرى للطاقة ذات طبيعة متجددة غير ناضبة وتشمل طاقة المياه، الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، الطاقة الحيوية، الطاقة الحرارية الأرضية، طاقة المد والجذر. وسنتوقف على كل منها. وتستخدم الطاقة المتحصلة من مساقط المياه بكفاءة في توليد الكهرباء ويمكن زيادة القدرة المتولدة منها عالمياً حتى 12 ضعفاً. إلا أن التكلفة العالية لبناء سدود جديدة إضافة إلى الاعتبارات البيئية الأخرى تقف كمحدد للتوسع فيها، ولنا في تجربة بناء السد العالي في مصر المثل الواضح. أما من حيث الطاقة الشمسية، فعلى رغم أن العالم العربي"مزرعة"كبيرة لهذه الطاقة، لوقوع معظم دوله في إطار الحزام الشمسي، يغيب الإنتاج بالطاقة الشمسية لأنها ذات كفاءة منخفضة للتحويل إلى كهرباء، وقد تنخفض إلى 6 في المئة إضافة إلى محدودية الإستخدام المباشرة كحرارة.
وتُعتبر طاقة الرياح من بين الطاقات المتجددة الأدنى تكلفة ويمكنها توفير حتى 40 ضعف القدرة الكهربائية العالمية.
ولمصر تجربة فريدة في استغلال طاقة الرياح، وقد وضعت، بين 1981 و1995"أطلس"للرياح لتحديد الأماكن الأكثر صلاحية لإنشاء"مزارع"الرياح، وتقدير إجمالي القدرة التي يمكن توليدها من هذه المزارع.
وتبين أن مناطق خليج السويس ساحل البحر الأحمر شرق العوينات، هي الأكثر ملاءمة. ويمكن أن يصل إجمالي القدرة الكهربائية المركبة إلى 20 جيجاواط، أي ما يعادل إجمالي القدرة المركبة في مصر لعام 2008. وتعمل مزرعة رياح الزعفرانة في خليج السويس على توليد الكهرباء مند عام 2000. وبلغت قدرتها المركبة 220 ميجاواط عام 2008. ووقّعت مصر في نهاية 2008، اتفاقاً مع الإتحاد الأوروبي لإنشاء مزرعة ضخمة للرياح، في منطقة جبل الزيت في خليج السويس، وهي من أكثر المناطق ملاءمة لتوليد الكهرباء من حيث سرعة الرياح. أما المحددات الأساسية لمزارع الرياح هي سرعة الرياح ومتطلبات استخدام الأراضي 6 توربينات/كم2.
هناك ملاحظة عامة على الطاقات المتجددة كونها طاقات منتشرة، أي ذات كثافة توليد منخفضة، كما أنها تتطلب إنشاءات كبيرة لإنتاج كهرباء ذات جدوى إقتصادية. إلا أنها مفيدة لأغراض الاستخدام المحدود أو القريب مكانياً.
وخلال شباط فبراير العام الماضي، انعقد في أسوان"المؤتمرالثالث للفيزياء البيئية"، ونوقشت خلاله ورقة عمل عن طاقة الرياح في جمهورية مصر العربية، طالبت بألا يقل مكون هذه الطاقة عن 10 في المئة من القدرة المركبة الإجمالية عام 2020، أي نحو 5.3 جيجاواط.
الطاقة النووية
من المصادر الكثيفة لتوليد الطاقة مفاعلات الإنشطار النووي حيث يمثل الإحتياطي العالمي نحو 6 في المئة من الطاقة في العالم. وهناك 439 محطة نووية تعمل في 31 دولة وتوفر ما يزيد عن 361 جيجاواط، تمثل 16.7 في المئة من الكهرباء عالمياً. ووفقاً لإحصاءات 2007 فإن نصف القدرة النووية المنتجة عالمياً، تتركز في ثلاث دول هي الولايات المتحدة الأميركية حيث تعمل 103 وحدات نووية بقدرة إجمالية 98 جيجاواط، وفرنسا حيث 59 وحدة تنتج 63 جيجاواط، واليابان 54 وحدة تنتج 46 جيجاواط.
ومن حيث نسبة القدرة المتولدة نووياً، تنتج فرنسا 78 في المئة، بلجيكا 55 في المئة، ألمانيا 28 في المئة، اليابان 25 في المئة، والولايات المتحدة 20 في المئة، وروسيا 17 في المئة. بين الدول النامية، تنتج البرازيل 3.7 في المئة، الهند 3.3 في المئة والصين 2.2 في المئة.
المحافظة على نسبة توليد نووي للكهرباء حتى عام 2025 تتطلب إنشاء 136 وحدة جديدة، وهو ما يمثل تحدياً للصناعة القائمة وقدرتها على تلبية هذا الطلب في ضوء استيفاء متطلبات الأمان النووي المتزايدة. وخلال تشرين الثاني نوفمبر الماضي، انعقد في أبو ظبي المؤتمر السنوي الرابع عشر للطاقة، تحت عنوان"الطاقة النووية في الخليج". ودعا إلى اعتبار الطاقة النووية البديل الأفضل للنفط لتوليد الكهرباء. واستُعرضت أثناء الجلسات البرامج النووية المدنية في دول مثل الهند وباكستان وإسرائيل. وتوقع عبدالغني مليباري، رئيس قسم الهندسة النووية في جامعة الملك عبدالعزيز، الحاجة إلى بناء 55 مفاعلاً متقدماً، أو 80 مفاعلاً نووياً كبيراً لسد الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية في دول الخليج.
خلايا الهيدروجين
وتمثل خلايا الهيدروجين بديلاً نظيفاً للوقود الأحفوري. والهيدروجين عند احتراقه لا يصدر غازات دفيئة أو عازات ملوثة للبيئة، بل يتحول مباشرة إلى ماء. والهيدروجين هو الأبسط من بين العناصر، كما أنه الأكثر انتشاراً في الكون. وعلى رغم كونه أخف الغازات، إلا أنه يتميز بمحتواه العالي من الطاقة لوحدة الوزن مقارنة بالأنواع الأخرى للوقود. ولنشاطه الكيماوي العالي لا يتواجد الهيدروجين منفرداً على الأرض، وهو دائماً في اتحاد مع عناصر أخرى، مثل الأوكسجين ليكوّن الماء أو مع عناصر الكربون والنتروجين مكوناً التركيبة المعقدة للوقود الأحفوري، ومركبات أخرى متنوعة. ويُستخلص الهيدروجين من مركباته بطرق كيماوية حرارية، منها بمعالجة الوقود الأحفوري أو الحيوي، أو من الماء بطريقة التحليل الكهربائي.
وفي المحطات النووية يجري تطوير أجيال جديدة من مفاعلات الإنشطار النووي خصيصاً لهذا الغرض. والهيدروجين الناتج يُحمّل مبرداً كسائل على مقطورات خاصة أو يُضخ في أنابيب كمثل الغاز الطبيعى، أو يعبّأ في إسطوانات مضغوطة. ويمثل النقل بالأنابيب أرخص الوسائل، إلا أن الإستخدام الواسع لها يتطلب شبكة عامة للتوزيع. وتستخدم خلايا الهيدروجين لإدارة محركات الإحتراق الداخلي، كبديل عن البنزين والسولار، وفي حال الاستخدام الواسع له يمكن أن يوفر15 - 20 مليون برميل نفط يومياً بحلول العام 2040.
* أستاذ الفيزياء النووية، رئيس"الجمعية المصرية للفيزياء النووية"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.