بلغت أزمة السير والعقد المرورية التي تموج بها شوارع القاهرة، درجة جعلت المسؤولين يقرّرون ابتداع قوانين جديدة، على أمل اخراج شوارع المدن الكبرى من عنق الزجاجة. ففي الأول من الشهر الجاري خرج مجلس الشعب البرلمان المصري بحزمة جديدة من قوانين المرور التي تحاول إعادة ولو قدراً قليلاً من الانضباط إلى الشارع المصري. وأبرز ما لفت انتباه المواطن بطبيعته المائلة إلى الدعابة والسخرية من أعتى المشاكل وأصعبها، تركيب"صندوق أسود"في باصات النقل العام والحافلات الكبيرة، مثل باصات المدارس والسياحة والرحلات والنقل. مهمة"الصندوق"تسجيل المعلومات وتحركات الباص وتصرفات السائق، ومن ثم تخزينها أتوماتيكياً. وتحوي الحزمة الجديدة عدداً لا بأس به من الأجهزة التي يراد بها التقليل من نسبة الحوادث الناجمة عن أخطاء السائقين وتجاهلهم شبه التام لقواعد المرور وقواعد الطبيعة أحياناً، ومنها وضع جهاز محدد للسرعات وذلك للسيطرة على رغبة السائقين في تعدي السرعات المقررة. ومن أجل السائقين الذين يحترفون النوم أثناء القيادة، سيتم تركيب جهاز يثير أصواتاً عالية حال نوم السائق. هذا الكم من الأجهزة أثار ردود فعل متباينة بين المصريين. وأبدى بعضهم تخوفه من فرض رسوم أو ضرائب إضافية لتركيب هذه الأجهزة. ف"الصندوق الأسود"مثلاً سعره نحو ألفي جنيه، وهو ما يعد عبئاً كبيراً على المواطنين الذين يكتوون بنيران الضرائب والرسوم الجديدة. وبعد أشهر طويلة من النقاش والجدل والخلافات حول مصير"التوك توك"ووضعيته القانونية، دخل هذا"الاختراع"الغريب الذي يسير على ثلاث عجلات حيز الترخيص. إذ سيتحتم على كل قائد"توك توك"الحصول على رخصة لقيادته. وذلك بعدما انتشرت ظاهرة قيام الأطفال بقيادته في المناطق العشوائية والشعبية. وإذا كان بند ترخيص"التوك توك"وقيادته والاعتراف به قانوناً أمراً يثير هذه الأيام الكثير من الأحاديث والمناقشات في موطنه حيث يقطن الفقراء، فإن ملايين السيارات الأخرى المملوكة لكل الفئات والمستويات ستكون عرضة للمساءلة والتوقيف وتوقيع الغرامة وذلك بعدما تم حظر لصق ملصقات أو كتابات أو رموز عليها، وهي الظاهرة التي اجتاحت نسبة غير قليلة من السيارات التي يمعن أصحابها في الإعلان عن انتمائهم الديني أو الاجتماعي أو السياسي، فمنهم من يؤكد أن"لا إله إلا الله"أو"المسيح يحبك"أو"القدس لنا"أو"معاً لمكافحة الإدمان"أو"أنا أعزب وغني وأبحث عن عروس"أو"ما تبصليش بعين رضية بص للي اندفع فيا"وغيرها من العبارات الطويلة التي لم تسلم منها سيارات الشرطة نفسها. وضيقت القوانين الجديدة الخناق تماماً على معضلة وقوف السيارات في الأماكن الممنوعة، والسير عكس الاتجاه، وتعطيل حركة المرور، وغيرها من المظاهر التي باتت أشبه بالأمور العادية في شوارع المدن الكبرى وطرقها. وعلى رغم موجات المعارضة من داخل البرلمان نفسه وخارجه للعقوبات المالية الضخمة، إلا أن أعتى معارضة وانتقاد كانا من نصيب البند الذي ينص على استبدال سيارات الأجرة ونقل الركاب التي مضى على صنعها أكثر من 20 سنة، وذلك على رغم أن واقع الحال يشير إلى أن نسبة كبيرة من السيارات المستخدمة لنقل الركاب بين المدن المصرية مضى على صنعها ما يزيد على أربعة عقود، وأن عملية الاستبدال ستتكلف مبالغ طائلة لا يقوى على سدادها أصحاب هذه السيارات العتيقة. وتتراوح أعداد هذه السيارات بين ربع مليون ونصف مليون سيارة. الغريب أن الشعور العام السائد لدى غالبية المصريين هو أن الحال المرورية الكارثية في مصر سببها عدم تطبيق القوانين وليس قلتها أو عدم مواءمتها. ويشار إلى أن موقعاً إلكترونياً كان أجرى استطلاعاً للرأي حول أسباب هذه الأزمة في مصر، وجاءت الأسباب كالآتي: عدم تطبيق القوانين بصورة صارمة على الجميع هو السبب في هذه الظاهرة، عدم استيعاب الطرق لعدد السيارات المتزايد، عدم التزام السائقين بقواعد المرور، ويليه مواكب المسؤولين في الدولة التي تؤدي إلى إغلاق الطرق وحدوث الأزمة المرورية، وأخيراً الزيادة السكانية الهائلة ...