ليس خبراً ساراً لرئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت ولا للسفير الأميركي السابق لدى الأممالمتحدة أحد رموز الصقور، جون بولتون، أن يسمعا عن رغبة مَن يسميه المرشد خامنئي "الشيطان الأكبر"، في العودة الى طهران من نافذة شعبة المصالح. الرغبة الأميركية التي لن تصدّها إيران، ومهما بلغت حسرة بولتون الخائب بامتناع البنتاغون عن قصف المنشآت النووية في ناتانز وأصفهان، كشِفت بعد أيام قليلة على تسريب الصحافة الأميركية أنباء المناورات الجوية الاسرائيلية التي يفترض أنها تمرين على تلك الضربة. وكشِفت أيضاً بعد استخدام الأوروبيين مجدداً لغة عصا العقوبات المالية على طهران، بإيعاز من الرئيس جورج بوش. لكن المعادلة لا تستوي بالتوازي حتماً بين عصا صغيرة عقوبات على مصرف ومجموعة أشخاص وأكثر من جزرة، توافقَ الأوروبي والأميركي على تقديمها لإيران، في ربع الساعة الأخير من عهد بوش الذي يريد استبدال القناة السويسرية لرعاية المصالح بين واشنطنوطهران، بمكتب أميركي في عاصمة الجمهورية الإسلامية، سيفتح للمرة الأولى منذ 1979 حواراً مباشراً - ولو من باب الرعاية - بين الجمهورية و "الشيطان الأكبر". وإذا كان السؤال الأول هو عن مغزى كشف رغبة الإدارة الأميركية التي ستودع البيت الأبيض مطلع العام 2009، في طي حقبة القطيعة مع طهران، حتى قبل أن يعطي خامنئي الكلمة الفصل في قبول عرض الحوافز الغربي لوقف تخصيب اليورانيوم، أو رفضه، فالنتيجة الأكيدة أن الرغبة ذاتها مؤشر شبه حاسم الى استبعاد واشنطن الخيار العسكري ضد إيران. وهي بالتالي، رسالة غير مشجعة لإسرائيل، بافتراض تجاهلها التداعيات المباشرة لهذا الخيار، وبصرف النظر عن حجم المبالغات في وعيد "الحرس الثوري". لكن "الغزل" الأميركي لإيران من نافذة شعبة رعاية المصالح والتي باتت فجأة حاجة ملحّة للولايات المتحدة، بعد مرور نحو 29 سنة على احتجاز الرهائن في سفارتها في طهران، لن يكون خبراً ساراً أيضاً لبعض الأطراف في المنطقة، لسببين: الأول أن الحكم الإيراني لم يقدم بعد ضمانات كافية بتخليه عن أي طموح لامتلاك برنامج نووي عسكري، ولم يقبل حتى بوقف موقت لتخصيب اليورانيوم. الثاني أن خطوة انفتاح أميركية بقناة مباشرة مع طهران، قد تبدو "مكافأة" مسبقة متسرّعة، فيما الجمهورية الإسلامية لم تعطِ الكلمة النهائية لحدود الدور الإقليمي الذي تصر على أن تنتزع له اعترافاً أميركياً - أوروبياً... والذي يضخم قلق دول المنطقة، بعدما اعتادت تجاهل واشنطن لمصالحها في اللحظة الأخيرة، حين يحلّ موعد "بازار" الصفقات الكبرى. في "البازار" الإيراني، لا يجدي الاستدلال بتشدد الرئيس محمود أحمدي نجاد مع بوش، فحتى بعض الصحافة في طهران سخِر من تصريحات الأول عن مؤامرة لخطفه واغتياله، إذ "كان أسهل للأميركيين خطفه في أراضيهم"، حين شارك في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. للبازار قراءة إقليمية تستبعد الحرب الكبرى، فيما واشنطن وباريس تتسابقان في اقتسام الأدوار: مع طهران مرونة أميركية بأكثر من جزرة وتشدد فرنسي بذريعة كره نجاد لإسرائيل، ومع دمشق تصلب أميركي، ومسار انفتاح فرنسي يبدأ تحت سقف لبناني. وإن كان لا يرضي الفرنسيين ان إيران كلما انكمشت في العراق انفلشت في لبنان، فالرئيس بوش الذي سيمكنه تجيير ربح للجمهوريين في الولاياتالمتحدة قبل الانتخابات الرئاسية إذا وقّع معاهدة أمنية مع بغداد، سيدّعي انتصاراً ديبلوماسياً باهراً إذا وضع وخامنئي أزمة الملف النووي الإيراني على سكة الحل... بعد تجريب العصي الصغيرة، والجزَر الكثير. وإن بدأ كثيره بضمانات لإيران تمكّنها من إعلان انتصار آخر، بالفوز بالوقود النووي اللازم للطاقة المدنية، فهو لن ينتهي حتماً إلا بالتفاوض على الأمن الإقليمي، بدءاً من الخليج، مروراً بالشرق الأوسط، وضخ استثمارات غربية هائلة في الجمهورية الإسلامية، فيتسنى لها الجمع بين امتلاك قوة الدور الإقليمي والقوة الاقتصادية. إنه الطموح الذي يبرر رغبة طهران في معاودة سريعة للمفاوضات مع الدول الكبرى لئلا "تضيع الفرصة". الأميركي أيضاً يلتقط الفرصة، أما نصيب المنطقة فهو بالتأكيد ليس دور المتفرج، ولا مَن يحصي العصي.