ما الذي يجعل حياة المغنية فلّة الجزائرية، على مستوى النجومية، كأنما هي واقفة عند نقطة معينة لا تستطيع مغادرتها، وتالياً فإنها منذ سنوات عدة تدور في حلقة قد لا تكون مفرغة، لكنها محدودة؟ هل صوت فلّة هو السبب؟ هل حضورها؟ هل مقابلاتها الإعلامية التي لا تُحدث تواصلاً حقيقياً مع الجمهور؟ هل عدم قدرتها على"فرض"صوتها على المهرجانات الغنائية؟ هل أغانيها التي لا يُعرف لها وجه محدد يمكن أن يقود اليها مباشرة من دون تردد؟ ربما، لفلّة نصيب من كل ما سلف ذكره. نصيب قليل إلا أنه يغدو كثيراً وكبيراً بفعل التراكم. تتجمع بعض العناصر السلبية فوق بعضها بعضاً فتحجب قدرة صوتها، وأوتار حنجرتها الطيّعة والخبيرة، فتفقد فلّة ما يساعدها على أن تكون نجمة كغيرها من اللواتي يملأن الشاشات وخشبات المسارح العربية، وهي ممتلئة موهبة! لعل أخطر ما تعانيه فلّة هو أسلوبها في الغناء. انه الأسلوب الذي يعير انتباهاً شديداً وجامحاً للحركات الصوتية، أي للتلاعب بالنبرات الصوتية، أي للتحسين والتلوين حتى في ما ليس هناك ضرورة له. لقد غلب التطبُّع عندها على الطبع الغنائي في حالة نادرة تعاكس الحكمة الشهيرة"الطبع يغلب التطبع". ان خبرتها وكثرة الألوان الغنائية التي تتقنها، وحبّها للتفنُّن في الأداء، أمور سَلَبتها العفوية التي لا تزال، وستبقى، شرطاً كبيراً من شروط الأداء حتى في أبلغ حالات الاحتراف. وفلّة التي ترى في هذه الأمور والميزات الجمالية ما يمنحها أفضلية على غيرها، بل ما يعطيها إشارات التفوق على بعضهن، لا تدري انها بذلك تقيم حاجزاً لا لزوم له مطلقاً مع الجمهور، وخصوصاً أن ذلك"التلاعب"الغني وتلك"الحركات"الأدائية المبالغ فيها، يأتيان في غير مكانهما غالباً. وفي أغانٍ لا تحتمل كل ذلك الجهد، كأن تكون الأغنية خفيفة ومحدودة في تطلُّبها فتنفحها فلّة بآهات متموجة كدليل براعة مجاني يصب في خانة التساؤل لدى الجمهور عما استدعى ذلك طالما ان الأغنية من نوع بسيط. أما في الأغاني"الثقيلة"فذلك التموج حاجة لا مناص منها، لكن فلّة نادراً ما اختارت أغاني"ثقيلة"يمكن أن يستلزم الأسلوب الأدائي فيها"حركات"استعراضية أو بهلوانية باتت عندها مقتصرة على نوع الأغاني السهل غير الممتنع حتى... شيء من طبيعة صوت فلّة يقودها الى هذا التوجه الغنائي الذي يوحي بافتعال في وقت يريد هو أن يوحي بالاحتراف. وهي مسؤولة بقدر كبير عما قد يوحي صوتها من حيث لا تدري ربما. أما إذا كانت تدري ولا تقبل النقاش فتلك مصيبة. وبمثل ما في طريقتها"الخاصة"بالغناء من المبالغة، كذلك في ظهورها التلفزيوني خلال المقابلات مبالغة في التعبير. ربما هي المبالغة المعقولة أحياناً، والمقبولة، إلا انها أحياناً أخرى أو في الأغلب المبالغة التي تجعل المشاهد غير مصدِّق ما يسمع، ولا يُلام المُشاهد على ما ينطبع في ذهنه إذا كان التعبير غير مقنع. تعتقد فلة، او على الأقل هكذا تبدو، أن من ينتقدها يريد بها سوءاً. وقديماً قيل"رحم الله من أهدى اليّ عيوبي"... ذلك أن صوت فلة المتمكن مما غنى ومما قد يغني، تعوز صاحبته العفوية الذكية أولاً.