مع استقلال "الجبل الأسود" في 2006 ومع استقلال كوسوفو في 2008 انتهى مسلسل تفكك يوغوسلافيا الى بروز سبع جمهوريات كانت تجتمع آدابها تحت مظلة واسعة هي الفيديرالية اليوغوسلافية. ومع انه لم تكن لدينا في يوغوسلافيا الفيديرالية لغة يوغوسلافية أو أدب يوغوسلافي بل لغات وآداب قومية عدة صربية وكرواتية وسلوفينية وألبانية ومقدونية الخ، إلا أن العلاقات الوثيقة التي كانت ليوغوسلافيا التيتوية مع العالم العربي كانت تسمح بتواصل أكثر مع هذه الآداب اليوغوسلافية. وهكذا تُرجمت الى اللغة العربية خلال العقود السابقة روايات ومختارات شعرية من الآداب القومية المختلفة في يوغوسلافيا. وفي هذا السياق تُرجمت من الأدب الألباني"مختارات من الشعر الألباني المعاصر"، التي صدرت عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق 1981، ورواية"الريح والبلوط"لسنان حساني التي صدرت في بيروت 1983 عن"مؤسسة الأبحاث العربية"ضمن سلسلة"ذاكرة الشعوب"، ومسرحية"أبو الهول الحي"لرجب تشوسيا التي صدرت في الكويت 1983 في سلسلة"من المسرح العالمي". وفي إطار يوغوسلافيا السابقة، كانت كوسوفو تمثل حالاً فريدة، مع بعض التشابه مع حال مقدونيا. فالشعبان كانا يعتبران انهما تعرضا الى احتلال من القوات الصربية في 1912، التي أعلنت"تحرير صربيا الجنوبية"من الحكم العثماني وضمها إليها. وبناء على ذلك فقد مورست سياسة"التصريب"التي لم تكن تعترف بحق السكان الأصليين الغالبية في لغتهم وثقافتهم القومية. واستمرت هذه السياسة مع تشكيل"دولة الصرب والكروات والسلاف"يوغوسلافيا لاحقاً التي كانت عملياً تحت هيمنة بلغراد. ولذلك فقد كان على الألبان في كوسوفو والسلاف في مقدونيا انتظار ربع قرن حتى تنهار يوغوسلافيا الأولى في 1941 وتتشكل يوغوسلافيا الفيديرالية في 1945، التي اعترفت للألبان في كوسوفو وللسلاف في مقدونيا بحقوقهم القومية مع بعض التفاوت بين الحالين. والمهم هنا أن الألبان في كوسوفو عادوا بعد طول حرمان الى تواصلهم مع الثقافة القومية بعد ضم كوسوفو الى ألبانيا خلال سنوات 1941-1945. وهكذا عوّض الألبان في سنوات العقود التي منعوا فيها من تعلم لغتهم أو استخدامها في الأماكن العامة، ولم يعد بالتالي في الإمكان الرجوع الى الوراء بعد تشكل يوغوسلافيا الفيديرالية التي دخلت كوسوفو في إطارها. والمهم هنا أيضاً ان كوسوفو تحولت هذه المرة الى وحدة مؤسسة للفيديرالية اليوغوسلافية، وبقيت على هذه الحال الى أن قام سلوبودان ميلوشيفيتش بإلغاء هذا النظام في 1989 ووضع كوسوفو تحت الحكم الصربي المباشر. ولذلك، بعد سنوات الإقبال العارم على التعليم في اللغة الألبانية خلال 1941-1944، كان من الطبيعي أن يولد الأدب الألباني في كوسوفو متأخراً جداً عن بقية آداب يوغوسلافيا. ظهرت أولاً المجموعات الشعرية والقصصية مع تأسيس أولى الصحف والمجلات ودور النشر في الألبانية، بينما لم تصدر أول رواية في اللغة الألبانية"بدأ العنب ينضج"إلا في 1953 ! وكان مما ساعد على ولادة هذا الأدب شهر العسل بين الحزبين الشيوعيين الحاكمين في يوغوسلافيا وألبانيا خلال 1945-1948، وهو الذي كاد أن يؤدي الى اتحاد بين الدولتين. ولكن مع اندلاع النزاع الأيديولوجي بين تيتو وستالين، الذي انحازت فيه ألبانيا الى الاتحاد السوفياتي، تحولت يوغوسلافيا نحو العالم الثالث. ولذلك تطور الأدب الألباني في كوسوفو في ظروف مختلفة عما كان عليه الأدب في ألبانيا المجاورة. فمع تحرر يوغوسلافيا من الستالينية في السياسة تحررت أيضاً من الجدانوفية في الفن والأدب، ولذلك تجاوز الأدباء في يوغوسلافيا الالتزام الحرفي بالواقعية الاشتراكية التي بقيت سائدة بالقوة في ألبانيا المجاورة. ولا شك في أن هذه الظروف ساعدت الشعراء في كوسوفو على أن يتخلصوا في وقت مبكر من الشعارات والقوالب الأيديولوجية وأن يعبّروا بحرية أكثر عن مشاعرهم وأحلامهم. ومن ناحية أخرى وجد أدباء كوسوفو نفسهم في شبه قارة يوغوسلافيا مما كان يساعدهم على التعرف إلى التجارب الإبداعية للشعوب الأخرى الصرب والكروات والسلاف الخ. ويمكن في شكل خاص ملاحظة تواصل أكبر لشعراء كوسوفو مع شعراء كرواتيا والبوسنة. ومن ناحية ثالثة فقد سمحت الحرية النسبية للنظام الشيوعي في يوغوسلافيا، بالمقارنة مع الأنظمة الشيوعية المجاورة، بالتعرف الى الآداب الأوروبية الأخرى من خلال الترجمات التي كانت مزدهرة في يوغوسلافيا، في الوقت الذي كانت السلطات في ألبانيا المجاورة تفرز هذه الآداب الى"بورجوازية منحطة"وإلى"تقدمية"ولا تسمح سوى بترجمات محدودة لپ"الأدب التقدمي". ومن ناحية أخرى، ونتيجة للقطيعة بين تيتو وستالين والتوجه نحو العالم الثالث، حدث تواصل جديد مع شعوب أو ثقافات العالم الثالث، مما ترك أثره لدى بعض الشعراء. وأخيراً لا بد من إدراج الحال الخاصة لكوسوفو في الإطار اليوغوسلافي حيث بقيت الهوية القومية الألبانية قوية عند غالبية السكان، وهي ما كانت أحياناً تعبر عن نفسها في شكل مباشر، وتجعل صاحبها في صدام مع السلطة مثل الشاعر والروائي آدم ديماتشي ولد في 1936 وسجن 28 سنة والشاعر يوسف غرفالا ولد في 1948 واغتيل في 1982، أو تعبر عن نفسها أحياناً في شكل رمزي كان يصل الى القارئ. وإذا أخذنا كل هذه الظروف في الاعتبار لوجدنا ان التجربة الإبداعية عند شعراء كوسوفو تجمع ما بين الهموم والأحلام الفردية وما بين الهموم والأحلام الإنسانية، ما بين اللغة المباشرة وما بين اللغة الرمزية، ما بين الرموز الأوروبية المشتركة وما بين الرموز الاليرية والألبانية الخاصة، ما بين الموتيفات المحلية وما بين الموتيفات العالمثالثية التي كانت تغطي أفريقيا وفلسطين وغيرها. نشر في العدد: 16664 ت.م: 18-11-2008 ص: 30 ط: الرياض