كلفتُ إيمان، صديقتي، بشراء سروال أبيض، وانشغلت ببقية تحضيرات حفلة عيد ميلادي. كان يوماً حافلاً بالأحداث، بدأ بعدم تمكني من الحصول على إجازة من عملي بعد أن استنفدت أيامها الأربعة عشر. وبالتالي، كان علي الاتصال بمحل حلويات معتمد لدى العائلة لحجز قالب الحلوى، ومعاودة الاتصال بالمقهى الذي قررت وصديقاتي الذهاب إليه لقضاء أمسية عيدي للتأكيد. ومن دون أدنى شك علي إنجاز مهمات الوظيفة. بعد الدوام طرت إلى منزل إيمان، لأرتدي"السروال الأبيض الجديد"تحت فستاني الأحمر، قبل توجهي إلى حفلتي التي سأودع فيها عشرينات عمري. وكان علي ارتداء ملابسي في منزل إيمان فأنا لا أسكن في عمان بل في مدينة تبعد عنها نحو نصف ساعة. ارتديت السروال... إلا أنه قصير!! الواقع أنني معتادة على أن تكون السراويل والتنانير قصيرة. كما أعاني من قصر طول أكمام القمصان والمعاطف. فطولي الذي يصل إلى 177 سم يعد تغريداً خارج سرب المقاسات المعتمدة في الأسواق. المهم، الوقت يمضي وموعد الحفلة يقترب ولا مجال للاستسلام. اتصلت بالمحل الذي اشترت منه صديقتي، وسألته عن مقاس أكبر لكنه أحبطني عندما أجاب ب"لا". وجدت نفسي عاجزة عن التفكير، ماذا سأفعل؟ جهزت كل متعلقات المظهر للاحتفال، وليس بإمكاني تغيير ما أريد ارتداءه فأنا لست في بيتي فضلاً عن أن حجم إيمان يختلف كلياً عن حجمي. خرجت إلى السوق أبحث عن سروال أبيض طويل. دخلت محلين ولم أجد عندهما طلبي، غيرت اللون ولا فائدة! تعقد الموقف، وبدأت أتوتر أكثر فأكثر، عقارب الساعة باتت تسير بسرعة أكبر من المعتاد لم يبقَ من الموعد سوى 45 دقيقة. أوقفت السيارة إلى جانب الطريق لتبدأ دموعي بالانهمار من دون أن أشعر، لن أظهر بالشكل الذي رغبت فيه في يوم مهم في حياتي. يومها حقدت على طولي وأحسست بأنه يحرجني ويضعني في زاوية مع ذوي المتطلبات الخاصة في الملابس. بدأ الاستسلام يتسلل إلى نفسي، وقررت الذهاب إلى حفلتي بملابس العمل. في طريق العودة"خائبة"، لمحت محل خياطة. أسرعت إليه بهدف تنفيذ فكرة طارئة. في المحل خياط ستيني يدخن"الأرجيلة"، ويطرب إلى أم كلثوم تشدو"لسه فاكر"، في مشهد شتوي بامتياز. "مساء الخير، أريد مساعدة إذا سمحت"، وأنا أخرج السروال من الكيس. وأضفت:"أرجوك قص لي ساقي السروال، ثم خِط على كل واحدة منها مطاطا من الأعلى، كي أتمكن من ارتدائه كالجورب". وقف الخياط ينظر إلي مستغرباً، وقال:"ماذا؟ لا أعتقد أن الأمر سينفع، ثم لماذا تريدين فعل ذلك؟". رددت عليه بحزم:"كم تريد لقاء هذا الأمر، أرجوك أريده الآن الوقت يمضي وعلي أن أغادر في غضون أقل من نصف ساعة". أدرك الخياط أنني مصرة، حمل المقص وبدأ بقص السروال، متمتماً بصوت منخفض. ثم قال:"أريد 7 دنانير 10 دولارات ولا فصال". لم أعبأ بما قاله، على رغم أن المبلغ الذي طلبه كان باهظاً لقاء ما طلبتُه. ووافقت فكل ما يهمني أن أرتدي السروال الأبيض تحت الثوب الأحمر كما خططت. أخذت ساقي السروال ودفعت النقود وغادرت مسرعة إلى منزل إيمان، التي كانت اتصلت بي أكثر من عشر مرات تسأل عن سبب خروجي. دخلت إلى منزلها متوجهة إلى الغرفة وطلبت منها مغادرتها لكي لا ترى ما سأفعله، وضعت مساحيق التجميل، وارتديت الثوب، ووضعت حجاب الرأس، ثم جاءت اللحظة الحاسمة تجربة"السروال المجورب"!! ارتديته، ووقفت أمام المرآة لأتأكد من أن التعديل غير ملحوظ. قرعت إيمان الباب، ودخلت سألتها كيف أبدو؟ قالت"رائعة". هدأت دقات قلبي وأحسست بأن أحداً لن يلحظ الأمر، لا سيما أن إيمان دقيقة الملاحظة ولم تكشف ما فعلت. غادرنا إلى المقهى في الوقت المحدد. حضرت الصديقات. تعانقنا. تلقيت الهدايا. وأطفأت الشموع. كنت طيلة الوقت أتفحص ساق السروال وأرفعه، وأتأكد من أن طول الساقين متساو. انقضت الليلة بسلام. وهكذا اكتسبت تلك الليلة أهمية، في نهايتها، إذ أنها شهدت أولى مواجهاتي مع طولي الفارع. مواجهة خرجت منها واثقة بأنني تجاوزت طول ساقيّ... ولو بالحيلة!