مثل انطوان كرباج، تبدو مسرحية "زنوبيا" التي اشتغلها الرحابنة منصور ومروان وأسامة وغدي، أنيقة وقديرة وقادرة على إسماع صوتها حين يتعالى الصخب. كرباج، قيصر روما، يستمع أقل مما يتكلم. ولو فعل، ستكون كلمته هي الحاسمة، والمركزة: "المسرح هو الذي يبقي قيم الحب والفضيلة والجمال حية حين تتغير الموازين". نسأله عن بعلبك، وهو في دبي، يقف على أدراج مسرح أنفقت مئات آلاف الدولارات لتجهيزه."هل شمس بعلبك قد أفلت يا قيصر، وباتت تشرق من جهات أخرى". يصمت لثوان. تخاله لن يرد:"الشمس سوف تشرق من مكانها، ولو تلبد الضباب، نحملها ونشرق معها في أمكنة أخرى". زنوبيا، كارول سماحة، العائدة الى مسرح الرحابنة بعد"استراحة"ارادتها لتحقيق نجومية شعبية، عبر أغاني الفيديو كليب، لا تظهر رباطة جأش أقل في التعبير عن أفكارها بحسم:"كان عليّ أن أترك مسرح الرحابنة لفترة. للمسرح جمهوره، وان تجاوز نخبويته، يبقى حبيس المكان والزمان. تمنيت لو أن الرحابنة كانوا قادرين على تمديد فترات عروضهم لسنوات. أن تلف المتنبي على مسارح الدول. ومثلها سقراط وغيرها. لكن ذلك لم يحدث. ذهبت الى الفيديو كليب. من حقي أن أعبر عن امكاناتي في مشهد جماهيري. لكنني لن أتخلى عن المسرح. لماذا أفعل؟ المسرح يفضح. يتحدى الفنان. يكشفه. وأنا، منذ زمن طويل، قبلت التحدي ونجحت". مروان الرحباني، مخرج العرض الذي تقول تقديرات غير رسمية أن كلفته تجاوزت ثلاثة ملايين دولار، لا يريد التحدث في السياسة:"انها مسؤولية الجمهور أن يستخلص ما يراه من إسقاط سياسي". غدي، أكثر مباشرة:"روما هي روما ولسنا بحاجة لنحكّ رؤوسنا كي نعرف من المحتل ومن المقاوم". أسامة يشير الى أن"مسرح الرحابنة طوال عمره سياسي". لكن الثلاثة يرغبون بالتركيز على الجانب الفني. يبدون فرحين بالعمل الضخم الذي تبدأ عروضاته في صحراء دبي، في مدينة الاستوديوات، الاسبوع المقبل. 700 شخص، بين ممثلين ومنفذين، يتدربون يومياً لتسع ساعات على مسرح بني خصيصاً، غسان صليبا يقول أنه، على رغم تاريخه الطويل في الغناء الدرامي، اكتشف في دوره في المسرحية امكانات جديدة لصوته الصدّاح. يبدو عاتباً على الآلة الاعلامية الجماهيرية، في زمننا، التي"أعلت من شأن مغنيي هز الخصور". ربما يشعره السؤال عن الاحساس بغيابه، في الوقت الذي هو موجود فيه ومتألق في المسرح الغنائي منذ سنوات، بقليل من الحسرة، سرعان ما تبددها الحفاوة التي قابله بها الصحافيون، وسيقابله بها الجمهور، الذي يعرف قدراته الهائلة في الغناء أولاً، وتطوره الكبير في الأداء التمثيلي. الصحافيون، في المؤتمر الذي أعلن عن اطلاق المسرحية أمس في دبي، ارادوا الاسترسال في تبيان القيمة السياسية للمسرحية. فريقها لم يرغب. يغريه الحديث عن قيمتها الفنية أكثر:"هناك عروض خيل حية، وحرب بمنجنيق حقيقي، وقرية يتم احراقها في كل يوم من أيام العرض. هناك تأليف موسيقي ودرامي جديد". الجدل ينحدر أكثر الى السياسة. كرباج، كالقيصر الأنيق، يحسم الأمر:"يقولون ان التاريخ يعيد نفسه. نقدم هذه المسرحية لكي يتعظ من يريد. ولكي لا يعيد التاريخ نفسه".