في خضم الاهتمام العالمي بالمشروع النووي الايراني، وخصوصاً مسألة قدرة المفاعلات الذرية"بما تحتويه من مواد مُشعّة وأجهزة طرد مركزية ووقود نووي وسواها"على انتاج سلاح دمار شامل. في هذا السياق، يمكن استعادة قصة المفاعل الأول تاريخياً، الذي صنعته الولاياتالمتحدة قبل نهاية الحرب العالمية الثانية فأنتج تاريخاً بشعاً من القنابل المميتة التي أُلقيت على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانية. يعتبر برنامج"الجهود كلها"All Efforts الذي أطلقته الولاياتالمتحدة لصنع قنبلة ذريّة، أول نموذج من نوعه في التاريخ. وفي ذروته، ضمّ البرنامج 125 ألف شخص عمل معظمهم في تصنيع المواد الخام للقنبلة الذرية، في مصانع في مدينة"أوك ريدج"، في ولاية تينيسي. وفي وقت ما، استهلكت تلك المصانع وحدها سُبْعَ من الطاقة الكهربائية للبلاد بأسرها! مع انشاء تلك البنية الصناعية، تجمّعت كوكبة من أبرز علماء الفيزياء النووية، قادهم العالم الإيطالي انريكو فيرمي، لتكرّس جهودها من أجل تحقيق تفاعل ذري متسلسل مُسيطر عليه Controlled Atomic Chain Reaction. يجدر التأمل في مصطلح"مُسيطر عليه"الذي يعني انه"بطيء"، وانه يُغذي نفسه بنفسه فيتساوى عدد النيوترونات التي ينتجها مع تلك التي تخرج من المادة المُشعة. ومن المفيد تذكّر أن معظم العلماء في فريق فيرمي فروا من بلدان عدّة في أوروبا إلى أميركا هرباً من الاضطهاد النازي لليهود. وواجهت تلك الكوكبة من العلماء مشكلة سرعة النيوترونات، لان الفراغ الذري التي تسير فيه تلك الجسيمات يجعلها أكثر ميلاً للخروج من الذرة، بدل التوجه إلى الأنوية الذرية التي يُفترض انها تعمل على تفجيرها. إذاً، بات ضرورياً ايجاد"وسيط"، أي شيء ما في امكانه ان يُبطئ سرعة النيوترونات، فيزداد احتمال تصادمها مع الأنوية الذرية الاخرى. وتمثل"الوسيط"في الغرافيت الصافي. وصُنعت كومة من حجارة الغرافيت، جُمعت في ملعب للاسكواش في الطابق السفلي من استاد"ستاغفيلد"في جامعة شيكاغو. ثم برزت مشكلة اخرى. ماذا لو ثبت ان التفاعل غير قابل للضبط؟ ماذا لو خرج عن السيطرة؟ عندها لن تُباد أرواحهم وحدها، بل ستطير معها جامعة شيكاغو أيضاً. ومن الناحية النظرية، وُجدت فسحة من الوقت لزرع أعمدة من الغرافيت بهدف إبطاء التفاعل، إذا سارت الأمور في الاتجاه السيئ. ولم يكن هناك سوى هامش ضيق، وبالكاد وجدوا وقتاً كافياً لإعادة النظر في الحسابات قبل الضغط على زر الإطلاق. وفي الساعة 3 وعشرين دقيقة بعد ظهر الثاني من كانون الأول ديسمبر 1942، أعلن فيرمي ان العلماء نجحوا في تحقيق التفاعل المتسلسل المنضبط الأول في التاريخ. وهرع حائز جائزة نوبل، آرثر تومبسون، ليُهاتف الرئيس الأميركي، حينها، فرانكلين روزفلت:"سيدي الرئيس، ان الملاح الإيطالي وهو اللقب الذي اشتُهر به فيرمي وصل بنا إلى عالم جديد". لم يكن الملاح الإيطالي وحيداً، لقد سافر الجميع معه إلى ذلك العالم الجديد.