بلغت منظمة الأممالمتحدة مفترق طرق كونها لم ترق إلى مستوى التصدي للتهديدات والتحديات الجديدة التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليان، ما دعا الأمين العام كوفي أنان إلى تشكيل فريق عمل لوضع نظرة مشتركة وشاملة في ضوء طبيعة التهديد المتزايد للأمن الجماعي. وأوصى تقرير الفريق بإجراء تغييرات تطال سياسات وأجهزة الأممالمتحدة في شكل يمكنها من مواجهة التهديدات الجديدة التي يتعرض لها الأمن الجماعي بمفهومه الجديد ، فمن الناحية السياسية ، يقدم التقرير تعريفاً أوسع نطاقاً وأكثر شمولاً لمفهوم الأمن الجماعي ويطرح إمكان منح المشروعية للضربات العسكرية الوقائية، كما يقدّم تعريفاً محدداً للإرهاب يرتكز على التعريف الوارد في الاتفاقات القطاعية وفي القرار 1566 ، ويدعو إلى إيلاء اهتمام طارئ لحال نظام عدم الانتشار النووي وإلى تكريس الموارد اللازمة لبلوغ الأهداف الإنمائية للألفية، على أساس أن التنمية تهيئ البيئة السليمة لتحقيق الأمن الجماعي الجديد المنشود. ومن الناحية المؤسسية، فإن التوصية التي تضمنها التقرير والتي حازت أكبر قدر من الاهتمام هي تلك المتعلقة بتوسيع مجلس الأمن، بينما يوصي التقرير بإجراء سلسلة من الإصلاحات لا تقل أهمية تشمل أجهزة الأممالمتحدة كالجمعية العامة والأمانة العامة ولجنة حقوق الانسان، وتقضي بإنشاء مراكز وهيئات جديدة لزيادة فعالية الأممالمتحدة في القرن الحادي والعشرين. مفهوم الأمن الجماعي الجديد الذي يطرحه التقرير يتخطى مفهوم الأمن العسكري التقليدي الذي أنشئت على أساسه الأممالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ليشمل فكرة الأمن الإنساني، وذلك على قاعدة عدم إمكانية فصل الأمن عن التنمية الاقتصادية والحريات البشرية. ويعرف التقرير التهديد للأمن الجماعي على أنه"أي حادثة أو عملية تؤدي إلى وقوع خسائر في الأرواح على نطاق واسع أو الحد من فرص الحياة وتلحق الضرر بالدول، بوصفها الوحدات الأساسية للنظام الدولي، هي تهديد للأمن الدولي". ويحدد التقرير ست مجموعات من التهديدات التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من مفهوم الأمن الجماعي الجديد، وهي: - التهديدات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الفقر والأمراض المعدية وتدهور البيئة. - الصراع بين الدول. - الصراع الداخلي، بما في ذلك الحروب الأهلية والإبادة الجماعية والأعمال الوحشية الأخرى المرتكبة على نطاق واسع. - الأسلحة النووية والإشعاعية والكيماوية والبيولوجية. - الإرهاب. - الجريمة المنظمة عبر الوطنية. ومن أجل حماية الأمن الجماعي الجديد من هذه التهديدات، أوصى التقرير بوضع إطار للعمل الوقائي للتصدي لها فوق استراتيجية شاملة تتضافر في تنفيذها جميع أجهزة الأممالمتحدة. وضمن هذا المفهوم الجديد أقرّ التقرير بامكانية منح المشروعية للضربات العسكرية الاستباقية تهديد وشيك أو قريب أو الوقائية تهديد غير وشيك وغير قريب لكنه اشترط أن يأذن بها مجلس الأمن وأن تحكمها مجموعة من المبادئ التوجيهية القانونية والأخلاقية تتمثل في معايير عدة للشرعية خطورة التهديد، ، الملاذ الأخير، الوسائل المناسبة وتوازن النتائج ويشير التقرير إلى أن الدول القادرة والمسؤولة يجب أن تكون في خط المواجهة في مكافحة هذه التهديدات. وعن الأمن الجماعي جاءت التوصيات التالية: - ضرورة وضع مفهوم أوسع نطاقاً وأكثر شمولاً للأمن الجماعي قادر على مواجهة التهديدات الجديدة والقديمة ويتصدى لشواغل الأمن في الدول الغنية والفقيرة والقوية والضعيفة. ويشير التقرير إلى الترابط القائم بين التهديدات المعاصرة التي يتعرض لها الأمن كالإرهاب أو الحروب الأهلية أو الفقر المدقع والآثار المترتبة على هذا الترابط عميقة،"فيجب أن تكون استراتيجياتنا شاملة". - يجب أن تكون الدول القادرة والمسؤولة في خط المواجهة في مكافحة التهديدات في الوقت الحاضر. ودعوة الأممالمتحدة الى مساعدة الدول في شكل أفضل على تعزيز قدراتها في التعامل مع التهديدات المعاصرة. - التنمية هي الأساس الذي لا غنى عنه للأمن الجماعي الجديد. والفقر المدقع والأمراض المعدية تهديدات في حد ذاتها. أما إصلاح الأممالمتحدة، فيستدعي تفكيراً جديداً وإعادة النظر في المنطلقات الفلسفية للمنظمة الدولية فضلاً عن آليات ووسائل تحقيق أهدافه. وجرى طرح جوانب الإصلاح على النحو التالي: 1- إعادة صوغ ميثاق الأممالمتحدة، فمنذ نصف قرن لم يتم إدخال أي تعديلات جوهرية على نصوص هذا الميثاق على رغم التغيرات الهائلة التي طرأت على بيئة العلاقات الدولية التي تمارس الأممالمتحدة عملها في إطارها. والحقيقة أن واضعي الميثاق تنبّهوا إلى هذه المسألة. لذلك اعترفت المادة 109 منه صراحة بالحاجة إلى المراجعة الدورية له. 2- الحاجة إلى إعادة النظر في الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة على النحو الآتي: 1- ضرورة إلغاء بعض الأجهزة الرئيسة التي نص الميثاق على إنشائها بسبب انتهاء الوظيفة التي كانت تقوم بها، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك مجلس الوصاية الذي لم تعد هناك حاجة ماسة إليه. 2- إعادة تشكيل مجلس الأمن: فعدد مقاعد المجلس الآن 15 عضواً في وقت وصلت فيه العضوية في الأممالمتحدة إلى 184 دولة. أي أن النسبة بين الدول الأعضاء في المجلس إلى عدد أعضاء الأممالمتحدة تشير إلى اختلال شديد. وإذا كان الاتفاق العام بين الدول على أهمية تعديل المادتين 23 وپ27 في شأن توسيع عضوية مجلس الأمن فهناك آراء تدعو إلى عدم الاقتصار على تعديل هاتين المادتين وضرورة اجراء تعديل عام على الهيكل التنظيمي لمختلف أجهزة المنظمة الدولية حتى لا يقف ميثاق المنظمة عاجزاً عن مسايرة التطورات والمتغيرات وحتى يمكن موازنة دور مجلس الأمن مع جهاز الجمعية العامة التي تمثل كل الدول. وإذا كان الاتفاق يدور حول زيادة وتوسيع العضوية فمقترحات مختلفة حول طبيعة توسيع العضوية. إذ يرى بعض الدول زيادة العضوية بأعضاء دائمين وغير دائمين مع تمثيل جغرافي عادل ويعني هذا أن الدول المؤيدة لهذا الاقتراح تمثل القارات الخمس. في حين أن البعض الآخر يركز على زيادة العضوية بأعضاء غير دائمين فقط مع تمثيل جغرافي عادل. ج- إحداث توازن بين سلطات الأجهزة والفروع الرئيسة للأمم المتحدة، خصوصاً بين كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية. د- تطوير الجهاز الإداري للأمم المتحدة وإعادة مراجعة إنشاء الأجهزة الثانوية والفرعية للأمم المتحدة مع تطوير الجهاز الإداري للأمانة العامة من ناحية أخرى. ه- توسيع صلاحيات الأمين العام للأمم المتحدة، ودوره إذ يواجه عقبات، ومن ثم لا ينبغي أن يقتصر على الجوانب الإدارية والتنظيمية وإنما لا بد له من دور سياسي فعال. 3- الحاجة إلى نظام جديد لتمويل نشاطات الأممالمتحدة من خلال تعدد مصادر التمويل والمساهمات الإلزامية على الدول الأعضاء. 4- وضع قيود على استخدام حق"الفيتو"، مع ضرورة عدم قصر هذا الحق على الدول الخمس فقط، وإنما ضرورة أن يكون هذا الحق للدول أعضاء مجلس الأمن على قدم المساواة. والحقيقة أن أزمة الأممالمتحدة خرجت علناً بعد 11- أيلول سبتمبر إلا أنها بدأت قبل ذلك، خصوصاً عند احتلال كوسوفو من دون قرار من الأممالمتحدة. وما يحدث الآن هو مسألة مرحلية إما تحقيق العودة إلى التعددية مع رئيس أميركي جديد يؤمن بها على غرار ويلسون الذي أنشأ عصبة الأمم أو على غرار روزفلت الذي أنشأ الأممالمتحدة، أو ظهور قوة كبرى جديدة مثل الصين أو روسيا أو الاتحاد الأوروبي تستطيع أن توازن القوة الأميركية، وبذلك نعود إلى التعددية. ولكن، خارج هذين الاحتمالين لن يكون هناك تغيير. وبالتالي سيظل دور الأممالمتحدة هامشياً، ولكن إذا توافرت الإرادة السياسية لدى مجموعة من الدول تؤمن بالعمل المشترك فحينئذ يمكن إيجاد حد أدنى من العمل المستقل للأمم المتحدة. والسؤال: لماذا لم يعقد مؤتمر دولي لبحث تلك المسائل؟ فبعد حرب نابليون عقد مؤتمر فيينا لإعادة النظر في العلاقات الدولية، وبعد الحرب العالمية الأولى عقد مؤتمر فرساي، وبعد الحرب العالمية الثانية عقد مؤتمر سان فرانسيسكو لإعادة تشكيل العلاقات الدولية. ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة لم يعقد بعد مؤتمر دولي. * باحث لبناني.