يسأل كثيرون عما اذا كانت السوق التاريخية المعروفة بپ"سوق الغزل"ستبقى على عهدها بعد التفجيرات التي طاولتها قبل نحو أسبوعين، وأودت بحياة ما يقرب من عشرة أشخاص، وجرح عشرات من رواد هذه السوق ومن الباعة، أم ان"الخوف"و"الحذر"سيتمكنان من باعتها وروادها، فيذهبان بمعلم من معالم بغداد التاريخية ذات الطابع الشعبي. تقع"سوق الغزل"في شارع الجمهورية، مجاورة لجامع الخلفاء - الذي شيد في عهد الدولة العباسية على طراز معماري خاص... واختصت السوق على ايام العهد العثماني، ببيع الغزول، ومن هنا جاءت تسميتها. إلا انها لم تلبث ان تحولت الى سوق يقصدها كل يوم جمعة كثيرون ليس بالضرورة لشراء شيء بل للمتعة، بفعل فرادة ما يعرض فيها، حتى غدا من الأمكنة الأثيرة التي تحفل بها الذاكرة البغدادية. فهي سوق شعبية تعنى بعالم الطيور والحيوانات الأليفة، مع اهتمام خاص بالأنواع الغريبة منها، إذ يجد الزائر أنواع الكلاب والطيور والأسماك، والأفاعي والعقارب وما الى ذلك من"بضائع غريبة"لها مقتنوها. ويدمن حضور السوق، التي تقتصر إقامتها على صبيحة كل يوم الجمعة، الهواة والزبائن الدائمون وعدد من محبي تربية الحيوانات الأليفة والغريبة لا من بغداد وحدها، بل من عدد من محافظاتالعراق، كما انها اصبحت مقصداً لزائري بغداد، وللصحافيين في شكل خاص، فهي من بين المعالم البغدادية التي تشكل شخصية وهوية المدينة الى جانب المتحف البغدادي والمتحف العراقي وسوق الهرج، وغيرها من الأمكنة التي تعكس خصوصية بغداد وأجواءها الشعبية. في بدايات تحول هذه السوق من سوق بيع الغزول الى ما انتهت إليه في وضعها الحاضر، كانت ان اصبحت مكاناً يتجمع فيه صيادو الحيوانات والطيور النادرة مثل: الصقور، والقبج والدراج، وانواع نادرة اخرى من الطيور او ما يسمى طيور الحب والبلابل. ومن يتجول في السوق تنتابه الدهشة ويحتاج لساعات طويلة لكي يرى كل ما تضم زواياها، فهو مقسم بحسب البضاعة المعروضة فيه. وفي مرحلة ما بعد الحصار ازداد الإقبال على السوق، وبدأ بعض الباعة يتفنون في الحصول على النادر من الحيوانات، كما اصبح جانب منها مخصصاً لبيع الأسلحة الخاصة بصيد الطيور وبدأت أنواع الكلاب البوليسية تجتاح السوق ويزداد الطلب عليها، حتى تحول الأمر الى تجارة مربحة ودائمة. وفي الصيف عادة تكون السوق في أوج نشاطها، وتعرض خلالها النماذج والأنواع الأكثر غرابة. وقد تصل أسعار الطيور والحيوانات والنماذج النادرة من مختلف الحيوانات الى أسعار خيالية لا تتناسب والدخل المتدني للمواطن العراقي العادي، مما يشير الى ان اقتناء هذه النماذج اصبح"حالة خاصة"بالأسر والطبقات الميسورة وشيوخ القبائل والموظفين الكبار الذين يتبادلون النوادر الغالية الثمن كنوع من الهدايا الشخصية والرمزية. ونظراً لقرب سوق الشورجة التجارية الشهيرة من هذه السوق، فان قسماً من الباعة فيه اخذ يبيع مختلف أنواع الحبوب التي تستخدم طعاماً للطيور، وأغذية اخرى لمختلف أنواع الحيوانات. وكذلك راجت صناعة وتجارة الأقفاص الحديد الصغيرة والكبيرة لمختلف أنواع الحيوانات التي يتم عرضها فيها. ونظراً للازدحام الذي تسببه"سوق الغزل"فإن"أمانة بغداد"حاولت اكثر من مرة ان تنقل السوق الى مكان آخر بعيداً من الشارع العام، إلا ان الباعة والزبائن يصرون على ارتياد المكان والتجمع فيه غير مكترثين بالتعليمات المرورية. وغالباً ما تكون السوق مثاراً لمفارقات كثيرة منها ما يتفنن فيه الباعة الجدد من غش واحتيال. ويقول عبدالله الزوبعي، وهو أحد رواد السوق، حدث مرة ان هرب ذئب صحراوي من أحد الباعة ما أصاب الزبائن بالهلع وكادت السوق تفرغ من روادها وهي في ذروة زحامه بالزبائن. وقد تأثرت السوق في الآونة الأخيرة، حالها حال الأماكن الأخرى، بالانفلات الامني، إذ شهد شارع الرشيد والباب المعظم عمليات تفجير بسيارات مفخخة وممارسات ارهابية اخرى، وهي أماكن قريبة من السوق مما اثر على الإقبال عليها، حتى كان يوم الجمعة الذي استهدفت فيه عبوتان السوق. فهل سيكون ما حدث بداية النهاية لواحدة من اعرق واطرف أسواق بغداد؟ ام انه سيتجاوز ما حصل؟