نائب أمير الشرقية يستقبل منتسبي "طويق"    «الداخلية» تطلق خدمة الهوية الرقمية للقادمين بتأشيرة حج هذا العام    جميعة الدعوة نور تكرم المتطوعين والجهات بعد نجاح مخيم إفطار ودعوة 1445ه    أمير تبوك يدشن التمرين التعبوي "استجابة 14"    قمة البحرين ظروف استثنائية لحلحلة الأزمات    واشنطن مستمرة في دعم إسرائيل بالأسلحة    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء سنغافورة    أمير الرياض يطلع على تقرير السجون    خادم الحرمين يصدر أوامر ملكية    «الداخلية» تطلق ختمًا خاصًا للمستفيدين من «مبادرة طريق مكة»    فالفيردي: نلعب باسترخاء كبير في الوقت الحالي ونتطلع لنهائي دوري الأبطال    المدربات السعوديات يكتسبن الخبرة الإفريقية    الأهلي يتمسك بذهب السيدات    أمير منطقة تبوك يتفقد مبنى مجلس المنطقة وقاعة المؤتمرات    تحرك لضمان توفير السلع الأساسية واستقرار أسعارها    بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل يختتم دورة "تدقيق سلامة الطرق    ارتفاع أسعار النفط إثر انخفاض مخزونات الخام في أمريكا    انطلاق الملتقى العربي لهيئات مكافحة الفساد    حالة رئيس وزراء سلوفاكيا حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    4 أحزمة ملاكمة تنتظر من يحملها على أرض "المملكة أرينا"    القبض على مقيم لارتكابه أفعال خادشة للحياء    الأحزاب المصرية: تصريحات متطرفي إسرائيل محاولة يائسة لتضليل العالم    غوارديولا: لولا تصدي أورتيغا لكان أرسنال بطلا للبريميرليغ    محافظ القطيف: رؤية القيادة الرشيدة وضعت التعليم على سلم الأولويات    «البلسم» تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح و«قسطرة»    زيلينسكي يلغي جولة خارجية.. أوكرانيا تنسحب من خاركيف    زين السعودية تعلن عن استثمارات بقيمة 1.6 مليار ريال لتوسعة شبكتها للجيل الخامس 5G    تشغيل 4 رحلات أسبوعياً للخطوط الجوية البريطانية من هيثرو إلى جدة    الجامعة العربية تدعو مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات سريعة لوقف العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين    مدير تعليم الأحساء يكرم الطالبة الفائزة ببرونزية المعرض الدولي للاختراعات    رئيس جمهورية المالديف يُغادر جدة    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    ضبط 264 طن مأكولات بحرية منتهية الصلاحية    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا    «الصحة» تدعو الراغبين في الحج إلى أخذ واستكمال جرعات التطعيمات    فيغا يعود للتدريبات الجماعية للأهلي    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    أمير حائل يكرم عدداً من الطلاب الحاصلين على الجائزة الوطنية بمبادرة «منافس»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    شرف الخدمة    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    اطلع على تقرير« مطارات الدمام» واعتمد تشكيل «قياس».. أمير الشرقية يؤكد على تجويد الخدمات ورضا المستفيدين    طموحنا عنان السماء    أمير تبوك ينوه بالخدمات الراقية لضيوف الرحمن    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الملكة ليست من أنا بل ما أفعل ... وعلينا اعادة الطفولة السعيدة لأطفال العراق وفلسطين" . الملكة رانيا العبدالله : لا صراع أجيال بل توارث لقيم ... وللمرأة دور مهم في تغيير العالم فخورة بنسبة تعلم الأردنيات ... وأولادي مصدر إلهامي
نشر في الحياة يوم 11 - 12 - 2010

كلّما التقيت الملكة رانيا العبدالله، تجاذبتني صورتان للملكة الأردنية الشابة: الأولى، تطلّ فيها شخصيةً نسائية قياديةً عربية رائدة، تخطّت دورها الوطني والقومي، إلى دور عالمي أكثر شمولية في إنسانيته وعطاءاته، ممهّدة لدور تاريخي يكون له التأثير الأكبر في مستقبل الأجيال المقبلة، خصوصاً النساء. والثانية هي صورة الملكة المتواضعة، الودودة، صاحبة الاستقبال الحارّ، والشخصية الآسرة، سيدة التفاصيل والحوار الذكي والممتع... التي إن التقيتها مرة، لا تنساها. وما بين الصورتين، أمّ تحمل هموم عائلتها وأطفالها، وزوجة تتقاسم وزوجها الملك عبدالله، المسؤوليات والمهمات"فنحن كوالدين يكمل أحدنا الآخر".
لا أعرف من أين تأتي الملكة رانيا بكلّ تلك الطاقة المحرّكة التي تبثّها فينا نحن النساء، وفي كلّ من حولها، كما في المشاريع التي ترعاها وتطلقها. الغنيّة بالحماسة، تحوّلت مصدر إلهام لجيل من الشبان والشابات في منطقتنا وما حولها، تحضهم على الحوار وتَقبّل الآخر، وعلى رسم أحلامهم وطموحاتهم بأنفسهم، والعمل بجهد لتحقيقها. وهي المبادئ والتعاليم ذاتها التي تزرعها في نفوس أطفالها الأربعة، كأن التغيير والتطوير هما هاجسها الأكبر. مهمة ملقاة على عاتقها، هي التي لا ترى في لقب ملكة أكثر من مجرد لقبٍ لمهنة، مثل الطبيب أو المعلم أو المهندس، ولا تنفكّ تردّد:"الملكة ليست من أنا، ولكن ما أفعله وكيف أؤثر بمن حولي".
الطفولة والمرأة كانتا مناسبة هذا الحوار. فالملكة رانيا تستضيف اليوم في الأردن، مؤتمر الشبكة النسائية العالمية للطفولة، وعلى جدول أعماله تعليم الفتيات والحدّ من وفيات الأمهات الحوامل والأطفال الرّضَع. وربما يكون حوار واحد غير كافٍ للإضاءة على أسرار شخصية هذه الملكة الاستثنائية.
استضافة الأردن مؤتمر الشبكة النسائية العالمية للطفولة، تصبّ في خانة اهتمامكم الكبير بقضايا الطفولة. هل هذا الاهتمام نابع من كون الملكة رانيا أماً لأطفال أربعة؟
- قضايا الأطفال من أقرب المواضيع إلى قلبي. والأطفال هم شباب المستقبل وبناة الغد، لذا علينا أن نعطيهم كل الرعاية للتأكد من نشأتهم بالطريقة الصحيحة. في الواقع، أولادي هم مصدر إلهامي، شأني في ذلك شأن أيّ أم. فأنا عندما أنظر اليهم أرى فيهم أطفال الأردن والعالم.
أيّ قضية تخصّ الطفولة تهمّكم أكثر، بل تشكّل هاجسكم الشخصي؟
- القضايا المتعلقة بالطفولة كثيرة، بينها قضايا الصحة والتعليم وغيرها، وكلّها بالأهميّة ذاتها، لأنها تشكّل مع بعضها بعضاً، الأساس الصحيح لبيئة تربوية مناسبة وصحّية، ولا يمكننا التغاضي عن أي قضية تخصّ الأطفال. وتقع علينا جميعاً، أهلاً ومعلمين وقادة مجتمع مدني وسياسيين مسؤولية توفير الوسائل التعليمية والتربوية والصحية اللازمة لأطفالنا، إلى الأمان والحماية وضمان حقوقهم.
من مشاهداتكم الميدانية، أيّ واقع يمسّ الطفل العربي أكثر، تتمنون أن يتغيّر في مجتمعاتنا؟
- قطع العديد من الدول العربية أشواطاً كبيرة في تسليط الضوء على قضايا الطفولة وإيلائها اهتماماً كبيراً. لمسنا ذلك في تطوير مناهج التعليم في هذه الدول، ومكافحة عمالة الأطفال وسَنّ القوانين لمنع تعرّضهم لأيّ عنف أُسري واجتماعي يمارس في حقّهم. لكنني أعترف بأنه ما زال هناك الكثير لفعله. وأكثر ما يؤلمنا جميعاً، ويؤلمني شخصياً هو واقع الأطفال في دول عربية تعاني نزاعات دموية، وعلى رأسها فلسطين والعراق. فهؤلاء الأطفال لا يعيشون طفولتهم كما يجب، وهذا الواقع يجب أن يتغير، فنعيد إليهم طفولتهم السعيدة.
حقّقتم في الأردن خطوات مهمّة في مواضيع كثيرة متعلقة بالطفولة، كمكافحة العنف ضد الأطفال. وكان الأردن أول بلد عربي ينشئ داراً لحماية الأطفال المعنَّفين. ماذا عن دورك في حماية الأطفال؟
- العنف ضد الأطفال ظاهرة مؤلمة يعاني منها كلّ المجتمعات والدول. وأنا كأم، أتألّم كثيراً لرؤية أطفال حول العالم يعانون الخوف والعنف عموماً، والعنف المنزلي خصوصاً، إذ يفترض بالمنزل أن يكون المكان الذي يشعر فيه الطفل بالأمان والحماية. إن أثر العنف لا يقف عند الجروح والآلام الجسدية، بل يتخطاها إلى مشكلات نفسية تستمر، وتكون لها تداعيات على المجتمع بكامله. وأدركنا في الأردن أن بداية حل المشكلة هي في المواجهة، وعدم الخجل في طرح مواضيع حساسة كهذه تمسّ الأسرة. من هنا انطلقت جهود"مؤسسة نهر الأردن"ومؤسسات أخرى تعمل لحماية الأطفال المعنّفين وإعادة تأهيلهم. وأسسنا أول دار لحماية الأطفال من الإساءة، هي"دار الأمان"التابعة لپ"مؤسسة نهر الأردن". وأطلقت المؤسسة أخيراً، حملة توعية كبيرة حول هذه القضية، إضافة إلى الخط الساخن للدعم الأسري والذي يمكن الأهل الاتصال عبره لتلقّي الإرشاد اللازم من الاختصاصيين لحلّ مشاكلهم الأسرية وأولادهم من دون اللجوء الى العنف الكلامي أو الجسدي.
وهل كان سهلاً على الأهل أن يتقبّلوا تدخلاً في ما يعتبرونه حقّهم في اختيار أسلوبهم الخاص في تربية أطفالهم؟
- لم يكن أمراً سهلاً في البدايات الأولى، لكن ما فعلناه هو بناء علاقة ثقة بيننا وبين الأهل الذين باتوا يعرفون أن هدفنا الأول والأخير من هذه المساعدة، هو بناء علاقات أسرية سليمة قائمة على المحبة والتفاهم، وليس التدخّل من أجل التدخّل. فنحن نؤمن بأن المكان الأمثل للطفل هو أحضان عائلته، بين أمّه وأبيه، وكلّ ما نفعله نابع من إيماننا هذا. لكننا لن نرضى بأن يتحوّل المنزل مكاناً يهدّد حياة الطفل. في هذه الحالة، الأفضل أن يكون له ملجأ آخر هو دار الأمان التي أنشأناها لهذا الغرض.
هل تُنصف القوانين العربية أطفالنا؟ وكيف نرتقي بها إلى مستوى قوانين الدول المتقدّمة، لحماية الأطفال من العنف المنزلي والاعتداءات الجسدية والمعنوية وتشغيلهم في سنّ مبكرة وحرمانهم من حقّهم في التعليم؟
- شهدنا في السنوات الأخيرة، في العديد من الدول العربية، تحرّكاً يعتبر سابقة من أجل حماية الأطفال ورعايتهم. وحققنا الكثير في هذا المجال، ويبقى علينا الكثير لفعله، لأن دولاً عربية وضعت قوانين الحماية التي تتناسب مع أولوياتها، ويبقى الأهم تفعيل هذه القوانين، بالإضافة إلى الدور المهمّ الذي يجب أن نوليه للتوعية الاجتماعية، ليكون الأفراد أكثر إيماناً بقضايا الأطفال وحقوقهم، وتفعيل طرق الحوار مع أبنائهم.
هل هناك خطّة لتنمية وعي الأطفال والأهل معاً، بحقوق الطفل؟
- دعيني أتحدّث عن تجربتي الخاصة في هذا المجال: في عام 2003 ولمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، قمت، بمشاركة مجموعة من الفتيات، بمناقشة بنود الميثاق العالمي لحقوق الإنسان. وما يجعلني أذكر ذاك الحوار مع الطالبات دائماً، هو الوعي الذي لمسته من خلال مداخلاتهنّ عن حقّ المساواة والكرامة والتعليم والحماية القانونية والتكافل. لذلك أؤمن بأن الحوار هو الوسيلة لنشر الوعي والتفاهم المتبادل. وفي الأردن افتتحنا مركزاً للأسرة والطفل مهمّته تقديم التوعية والتدريب للأطفال والأهل، لحماية الأطفال من الإساءة وزيادة الوعي بطرق التعامل معهم.
عمالة الأطفال رائجة جداً في مجتمعاتنا بسبب العوز والفقر. كيف يمكن الحدّ منها من دون التأثير في المستوى المعيشي للعائلة؟ وماذا عن الحقّ في التعليم، إذ غالباً ما يعتقد الأهل أن على الأطفال واجبات تقضي بمساعدة العائلة مادياً من خلال العمل، وذلك يكون على حساب تعليمهم...
- يجب أن ننمّي الوعي بأن الاستثمار في التعليم هو استثمار في المستقبل، مستقبلنا ومستقبل أبنائنا والأجيال المقبلة، وأخصّ بالذكر تعليم الفتيات. في الأردن كما في دول عربية عدة، تقدّر الغالبية العظمى من الناس مشاركة المرأة في سوق العمل، وتؤمن بأن على المرأة امتلاك فرص متساوية في التعليم. وفي تقرير للبنك الدولي، ان منطقتي الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا، هما من أكثر المناطق إنفاقاً على التعليم في العالم. ونجد في العديد من دول الشرق الأوسط ان أكثرية الملتحقين بالدراسة الجامعية هم من الإناث. لكن المشكلة تكمن في ما يحدث بعد التخرّج، إذ نجد أن أقلّ نسبة مشاركة نسائية في سوق العمل هي في العالم العربي، وهذه خسارة كبيرة، لأننا إذ نستثمر في شكل كبير في المرأة، نعود ونحرم أنفسنا من عوائد هذه الاستثمارات.
في ما يتعلّق بمشكلة الفقر، هنالك طرق كثيرة للتعامل معها، أحدها المشاريع الصغيرة التي أؤمن بأنها من أهمّ السبل لتحقيق الاستقرار والنمو، ليس فقط في الأردن بل في الشرق الأوسط والعالم بأسره. وتقوم فكرتها على تقديم قروض للمشاريع الصغيرة"وهكذا يستطيع الرجل أو المرأة الحصول على قرض لتنفيذ مشروع يدرّ دخلاً على أسرته. وتصل مؤسسات المشاريع الصغيرة إلى حوالى 900 ألف شخص في الوطن العربي، 70 في المئة منهم نساء.
ما الذي يؤثر فيكم أكثر: سيدة متزوجة محرومة من نعمة الإنجاب، أم طفل محروم من نعمة الأمومة؟
- خيار صعب، ولا اعتقد أن احداً يستطيع الاختيار، ففي الحالتين الواقع مؤلم جداً.
كيف يمكن أن نقرأ في مجتمعاتنا المبنيّة على الروابط الأسرية، قول جبران خليل جبران: أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة، والحياة لا تقيم في مساكن الأمس؟ هل هناك صراع بين الأجيال المختلفة؟
- أنا لا اسمّيه صراعاً، ولكنه تغيّر أو تطور مراحل، لأن لكل جيل خصوصياته من حيث التحديات والصعوبات التي تواجهه، ولكل جيل آماله وطموحاته التي تختلف عن آمال الأجيال الأخرى وطموحاتها. لذلك اعتقد بأن كل جيل يكمّل الجيل السابق... وعلى الصغار الاستفادة من تجارب الكبار ومما يغرسونه فيهم، لأن أهم ما نتوارثه هو القيم والأخلاق الحميدة. وعندما نتحدث عن الأولاد، نتحدث عن الشباب، وأكرّر هنا ما قلته من أن الشباب لا تحدده فئة عمرية، بل هو روح العطاء والعمل والإنجاز.
يشكو التربويون من عدم اهتمام الطلاب بالقراءة، إذ ان شعوبنا العربية لا تهتمّ بالقراءة بمقدار ما تهتمّ بالتلفزيون، على سبيل المثال لا الحصر. كيف ننمّي حبّ الطفل للقراءة؟ وهل حبّ القراءة ينمو في البيت أم في المدرسة، في القرية أو المدينة؟
- القراءة أساس المعرفة، ومصادر المعرفة تنوّعت، لكنها تقدمها من دون أن تطلق خيال الطفل الذي يتحوّل الى متلقٍ، وهنا تكمن أهمية تنمية القراءة لدى أطفالنا. هذه التنمية تبدأ في المنزل أولاً، إذ تقع على الأهل مسؤولية زرع حبّ القراءة في أطفالهم، ومن ثم يأتي دور المدرسة فالمجتمع.
التمييز بين البنت والصبي معشّش في أصول تربيتنا العربية. كيف يمكن تربية أطفال متساوين، بعيداً من أيّ تمييز؟
- التمييز بين البنت والصبي موجود في كلّ الثقافات، لكن درجاته تختلف بين مجتمع وآخر، وهذا التفاوت يعود لأسباب مختلفة. وأعتقد بأن الثقافة العربية وأسلوب التربية في مجتمعاتنا يعزّزان الاستقلالية لدى الصبيان أكثر من الفتيات، وهذا يجعلنا نشعر بأن الفتاة بحاجة الى حماية أكثر. لكن هذا الوضع يتغيّر، وسيتغيّر أكثر مع الوقت. شخصياً أؤمن بأن تعليم الفتيات يعني تعليم العائلة بأسرها. فنحن عندما نعلّم الفتاة نمكّنها أكثر، ونعزّز قدرتها على العمل والاختيار، وهي تنقل هذه القدرة إلى أبنائها وبناتها. إن للفتيات الحق في امتلاك الأحلام مثلهنّ مثل الأولاد الصبيان.
يعيش أطفال فلسطين ظروفاً مأسوية، جنباً إلى جنب الفقر والموت والحرمان، فيما المجتمع الدولي يؤكد ضرورة تربية أطفال المنطقة على ثقافة السلام والتخلّي عن العنف. ألا تجدون في ذلك طلباً شبه مستحيل، انطلاقاً من أن الطفولة المشبعة بالعنف لا يمكن أن تولّد غير العنف مستقبلاً؟
- أن يعيش هؤلاء الأطفال في ظروف يحيط بها العنف، لا يعني أنهم يحبون هذا العنف أو يؤيدونه. ونحن، كدولة عربية وشعب عربي، نشعر معهم ونعيش معاناتهم وآلامهم. ونؤمن بأن قيم السلام والمحبة التي نغرسها في أبنائنا اليوم، هي التي ستثمر. وعهدي ان كل أم وأب يريدان الأفضل دائماً لأطفالهما، لذا علينا أن نربّي أبناءنا على المحبة والسلام، ونعلمهم الحوار. وأعتقد أن هناك دوراً كبيراً على القادة أن يقوموا به في هذا المجال، سواء كانوا قادة سياسيين أو رجال دين أو مسؤولين في المجتمع المدني. فالتوصّل الى حلّ سلمي للقضية الفلسطينية هو الطريق لتحقيق الأمن في المنطقة والعالم.
أنا وأطفالي
أيّ نوع من الأمهات هي الملكة رانيا؟
- يعتقد كثيرون بأن حياة الملكة غير مرتبطة بالواقع، لكن الحقيقة غير ذلك. فأنا اعتني بأطفالي بنفسي، شأني شأن أيّ أمّ أخرى، وأسعى إلى تحقيق التوازن بين العمل والواجبات الأسرية. أساعد أطفالي في دروسهم وأخصّص وقتاً أَمضيه في مشاركتهم ألعابهم وهواياتهم، كما في التحدّث إليهم. وأحرص دائماً على أن أكون إلى جانبهم في الأوقات التي يحتاجونني فيها، وهذا يجعلهم يشعرون بالأمان. وهذا يجعلني أنا أيضاً أشعر بالأمان.
ولكن كيف تجدون الوقت للقيام بذلك، في خضمّ انشغالاتكم الكثيرة وأعمالكم وأسفاركم؟
- عائلتي وأطفالي هم الأولوية في حياتي. لذلك أحاول دوماً أن تكون زيارات العمل التي أقوم بها خارج الأردن، قصيرة، وأختار توقيت نشاطاتي المحلية خلال ساعات وجودهم في المدرسة. أحرص دائماً على أن أكون مع أطفالي في الصباح، وأساعدهم في الاستعداد للذهاب إلى المدرسة، كما أحرص على أن أكون إلى جانبهم قبل النوم، حين نقرأ معاً آيات من القرآن الكريم، وأنتهز الفرصة لأحدثهم عن القيم التي يعلّمنا إياها ديننا الإسلامي، وكيف يجب أن يعاملوا بعضهم بعضاً، وفي بعض الأحيان اقرأ لهم قصصاً خاصة بالأطفال تحمل عِبَراً معيّنة.
ماذا عن الملك، هل يتسّع له الوقت للجلوس إلى أطفالكما؟
- برنامج عمل جلالة الملك مكثّف وطويل، لكنه رغم ذلك، يحرص على ترتيب أوقات خاصة يتواجد فيها في المنزل ويقضيها مع أطفالنا. وهذه هي أوقات الراحة الوحيدة التي يتمتّع بها. فترينه يلعب كرة القدم مع ابننا البكر حسين، ويقضي أوقاتاً للعب مع إيمان وسلمى ويداعب طفلنا الصغير هاشم. وهو يجد في ذلك الكثير من السعادة، بينما أنا التي تُذكِّر دوماً ب"تناولوا الطعام"أو"حان وقت النوم"... يناسبني تقسيم المهمات الوالدية هذا، فجلالة الملك وأنا يكمل أحدنا الآخر.
كيف تمضيان مع أطفالكما عطلة نهاية الأسبوع وعطلة الصيف، وأين؟
- مثل أيّ عائلة أخرى، نعمل دائماً للاستفادة من العطل للراحة ولقضاء وقت خاص مع بعضنا بعضاً. وفي هذه الأسابيع التي تتزامن وامتحانات نهاية العام الدراسي، نقضي عطلات نهاية الأسبوع في المنزل، ونمضيها في مراجعة الدروس مع الأطفال.
ما أبرز ما تشدّدون عليه في تربيتكم لأطفالكم؟ وهل هناك صفات معيّنة على الطفل من سلالة أميرية أن يتمتّع بها؟
- أعمل على غرس القيم والأخلاق الحميدة في أطفالي، وأعلّمهم أن يتفهموا الآخر. فمن المهم أن يشعروا بأنهم مثل بقية الناس وأنهم جزء من هذا العالم، وقتها فقط يصبحون قادرين على فهم الآخرين واحتياجاتهم، بالتالي قادرين على مساعدتهم. كما أحرص على ان أزرع فيهم التسامح واحترام الآخر على اختلافه، وتقدير هذه الاختلافات. وأردد دائماً على مسامعهم: كم سيكون مملاً لو عشنا حياتنا جميعاً بالطريقة ذاتها، ولو فكّر جميع الناس وحلموا وعملوا بالطريقة ذاتها!
كثيرون من الأطفال الذين هم في عمر الأمير حسين 12 سنة يحملون هاتفاً خليوياً. فهل يحمل ولدكم الأمير حسين هاتفاً خليوياً؟ وماذا عن الأميرة إيمان؟
- لا، لأنني لا اعتقد بأنهما في حاجة إليه.
ما أكبر همومكم كوالدة؟
- نشأت في أسرة بسيطة متماسكة، أفرادها قريبون من بعضهم بعضاً. وأقدّر هذا الشيء. لذلك أهم شيء بالنسبة الى جلالة الملك وإليّ أن نوفر لأطفالنا بيئة عائلية مشابهة للتي عشنا فيها وطفولة طبيعية سعيدة. وأريد لأطفالي، شأني شأن أيّ أمّ أخرى، أن يمتلكوا الثقة بأنفسهم، والقدرة على رسم آمالهم وأحلامهم وطموحاتهم، وأن يعملوا بجدّ من اجل تحقيق هذه الأحلام.
الملكة
يقولون دائماً: فلانة"تعيش كملكة"... هل حياة الملكة تعني الراحة والرفاهية؟ بصفتكم عشتم الوضع قبل وبعد، كيف وجدتم الحياة كملكة؟
- أحاول دائماً أن أكون واقعية. فبالنسبة إليّ لقب الملكة هو مجرّد لقب لمهنة مثل الطبيب أو المعلم أو المهندس. ودائماً أقول ان"الملكة"ليست من أنا، ولكن ما أفعله وكيف أؤثر في من حولي.
كانت هناك فترة وجيزة جداً بين كونك زوجة لوليّ العهد ثم ملكة. هل رسمتم خططاً مسبقة في تلك الفترة؟ كم تَحقّق من أحلام الملكة رانيا للأردن الذي تتمناه؟
- زوجي الملك عبدالله وأنا لم نتوقع في يوم من الأيام أن نكون ملكاً وملكة للأردن. أذكر انه يوم جاء زوجي لإخباري أننا قد نصبح ملكاً وملكة، شعرت بالرهبة، وراودتني تساؤلات حول كيف ستتأثر حياتي وحياة أبنائي.
أما في ما يتعلّق بالأردن، فأحلامنا طريق طويل نسلكه والشعب الأردني يداً بيد، حتى تحقيق الأردن الذي نحلم به جميعاً.
حوار الثقافات
رأيناكِ في باكستان وقبلها في بام إيران، وسمعناك توجهين رسالة الى المجتمع العالمي لتقديم المساعدة للأطفال في باكستان، بصفتك عضو مبادرة"اليونيسيف"العالمية للطفولة. ما الذي يدفع الملكة رانيا الى القيام بهذا الدور الإنساني العالمي؟
- المشاعر الإنسانية ليست لها حدود، ولا تقتصر على جنس أو شعب دون غيره. وانسانيتنا المشتركة تدفعنا الى مساعدة الآخرين. وفي عالمنا اليوم الذي أصبح أكثر ترابطاً من قبل، علينا أن نتساعد، لأن ما يحدث في أي مكان على الأرض، يؤثر في العالم بكامله.
إنّ المعاناة والحزن اللذين رأيتهما على وجوه الأطفال والرجال والنساء في باكستان، وقبلها في بام، والدمار الذي كنت شاهدة عليه، أثرت فيّ كثيراً. رأيتُ مدناً بكاملها دُمّرت وناساً فقدوا أهلهم ومنازلهم ومصادر رزقهم، الأمر الذي جعلني أرغب في أن افعل شيئاً لمساعدتهم، ورأينا كثيراً من الدول العربية والمواطنين العرب يقدمون مساعدات.
قمت بزيارة لتركيا والهند، وقمت في الولايات المتحدة بقراءة رسالة حمّلتكِ إياها مجموعة من الشباب العربي إلى الشباب الأميركي. أيّ دور للملكة رانيا في حوار الحضارات؟
- يعتقد البعض بأن هناك صراعاً بين الثقافات المختلفة، لكن الصراع في رأيي هو صراع بين فكرين متناقضين: الأول يؤمن بعقيدة الحياة والأمل، والثاني يؤمن بعقيدة القتل. إنه صراع بين مجموعة صغيرة من المتطرفين والغالبية المعتدلة في العالم. لذلك، على المجتمع العالمي أن يتضامن ويتعاون من اجل الوقوف في وجه هذا التفكير وهذه الايديولوجيا التي تقوم على أساس العنف والكراهية، ومواجهتها. وهذا ما علينا زرعه في الشباب والأطفال. خلال لقاءاتي مع الشباب في أنحاء العالم، ألاحظ مدى التشابه بيننا. لذلك نؤكد أهمية الحوار على أساس التشابه، وإنسانيتنا المشتركة. ودورنا كعرب أن نتواصل مع العالم ونتحدث عن أنفسنا، لأن هذا الإرهاب يطاولنا نحن أيضاً كما فعلت التفجيرات التي استهدفت أبرياء في فنادق عمّان، أو التفجيرات في منتجع دهب مصر وغيرها. ونحن في الأردن نعمل لإظهار الصورة الحقيقية للإسلام للعالم بأسره، الإسلام دين التسامح واحترام حياة الإنسان والعدالة والسلام. وقمنا بإطلاق رسالة عمّان إيماناً منا بأهمية نقل أفكارنا للعالم.
يستضيف الأردن"المؤتمر العالمي للشبكة النسائية العالمية للطفولة"، ماذا تأملون أن يثمر هذا المؤتمر؟
- المؤتمر الذي نستضيفه في البحر الميت أطلق الشبكة النسائية العالمية للطفولة والتي مهمتها تسليط الضوء على التحديات التي تواجه المرأة والطفل عالمياً، والعمل لإيجاد نتائج ملموسة في تلك المجالات. يركز المؤتمر على قضيتين أساسيتين، هما تعليم الفتيات، ووفيات الأمهات الحوامل وحديثي الولادة، وحض القيادات النسائية العالمية على العمل لتسخير مواردها وخبراتها الشخصية والمهنية في هذا المجال. وستعمل الشبكة، مستقبلاً، لبناء الجسور بين المدافعين عن قضايا الطفولة والمرأة وبين القياديين في المجالات كافة، لتكون الصوت الشجاع المنادي بقضايا الطفولة والمرأة حول العالم.
ما الذي دفعكم الى إقامة هذا المؤتمر؟
- لأنني أؤمن انه يمكن النساء أن يكنّ فاعلات، ويمكنهن لعب دور مهم في إحداث تغيير حول العالم، والقضايا التي تطرح في هذا المؤتمر تندرج تحت الأهداف الألفية للتنمية. وأثبتت الدراسات أن الفتاة عندما تتاح الفرصة أمامها للحصول على التعليم، فستكون في موقع أفضل للحفاظ على صحتها وصحة أطفالها مستقبلاً. وتحسّن ظروف النساء يساهم في تحسين ظروف المجتمع بأسره. وهنا تكمن أهمية هذه الشبكة التي تضمّ نساء يملكن خبرة واسعة ومعرفة، بإمكانها إحداث فرق في حياة النساء والأطفال. هنالك الكثير من قصص النجاح التي يجب أن نستخلص منها الحلول وتطبيقها في حل مشاكل أخرى. وعلينا التركيز على أهداف واضحة قابلة للتحقيق، إضافة إلى الالتزام السياسي ودعم الجمعيات غير الحكومية للقيام بدور اكبر.
في الأردن نفخر بأننا أحرزنا تقدماً في هذين المجالين، إذ بلغت نسبة الفتيات الملتحقات بالمدرسة 99 في المئة من عدد الفتيات الأردنيات، ونسبة المتعلمات في الأردن هي 86 في المئة من مجمل عدد النساء. وانخفضت نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة من 34 إلى 22 لكل ألف ولادة بين عامي 1999 و 2002.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.