فرحنا كثيراً بوطنية القيادات السياسية الكردية أيام حكم... صدام. فقد رأيناهم يؤون كل معارضي النظام ويعلنون عن تمسكهم بالعراق الديموقراطي الفيديرالي التعددي الموحد. فبعد سقوط صدام اعتقد جميع العراقيين ان العراق الواحد الموحد، من زاخو الى البصرة اصبح حقيقة واقعة أكاد اكون متأكداً من ان جميع العراقيين ارادو ان يكون رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء كردياً اعتقاداً منهم بأن القيادات الكردية قيادات وطنية عراقية قبل ان تكون قيادات كردية وكما يجب، لأن الانتماء الوطني العراقي يجب ان يحتل المرتبة الاولى في أولويات جميع العراقيين، اما الانتماء القومي أو الطائفي فيجب أن يأتي في الدرجة الثانية، وهذا ما رأيناه في أول ايام مجلس الحكم مع العلم أنه لم يكن الا واجهة. لقد ظن العراقيون أن القيادات الكردية تسعى بالدرجة الاولى لحفظ سيادة واستقلال العراق. كما ظن العراقيون أن تلك القيادات قد طبقت بعض الديموقراطية في حكم كردستان بتطبيقهم نوعاً من الحرية والانتخابات البرلمانية التي كانت تجري بحرية لم يعرف لها العراق مثيلاً قبل ذلك. وتوالت الأيام وبدأت تتكشف حقيقة تلك القيادات شيئاً فشيئاً، وانكشفت حقيقة ديموقراطيتها، خصوصاً في كردستان حيث النسب والحسب لهما الاولوية في المناصب المهمة. اما عراقية القيادة الكردية ووطنيتها، فقد اتضحت معالمها خلال فترة كتابة الدستور. اذ استغلوا رغبة الائتلاف في تشكيل اقليم أو اقاليم في الجنوب ومعارضة السنّة لمثل هذا الاقليم مع قبولهم إقليم كردستان، لكي يمرروا دستوراً يجعل من كردستان دولة داخل دولة. بعد الانتهاء من هذا الدستور واقراره بدأت المرحلة التالية في عملية تأسيس الدولة الكردية، وهي"كذبة تطبيع الاوضاع"في كركوك. فقد نزح خمسمئة ألف كردي من كل مكان الى كركوك، واستولوا على أراض تركمانية. وأرادت القيادة الكردية، الى ذلك، ارجاع أكبر عدد من الاكراد الى كركوك واخراج أهلها غير الاصليين منها. واذا نجحوا في ذلك سيكون نسبة الاكراد في كركوك 80 في المئة والبقية هم تركمان وآشوريون أهل كركوك الاصليين وعرب. وبذلك يتسنى لهم جعلها عاصمة دولة كردستان. لم يكن للقيادة الكردية هم آخر سوى تحقيق هذا الهدف. اما الهموم العراقية حال الاضطراب والتناحر والارهاب، فلم تكن تخطر على بالهم ما دامت الامور تسير وفق برنامجهم غير المعلن والمتفق عليه من كل القيادات الكردية. لقد حققوا الخطوة الاولى، وهي دستورية اقليم كردستان. اما الخطوة التالية فهي"تكريد"كركوك. لنرجع الى ديموقراطيتهم وندرسها. ان الديموقراطية هي"حكم الاكثرية مع احترام الاقلية". وهي ممارسة، لا شعاراً يرفعه من يشاء. حتى صدام حسين ادعى الديموقراطية. اذا كان الثنائي الكردي الطالباني والبرزاني ديموقراطياً بحق، فكان واجباً عليه ان يعزز حقوق الاكثرية ويحترم حقوق الاقلية. ولكنهم استغلوا اسم الديموقراطية وأفرغوها من معناها الحقيقي، من اجل تحقيق مخططاتهم، على حساب مصلحة الشعب العراقي كله. فجاءت الانتخابات الاخيرة، وبحسب الدستور العراقي، فإن الكتلة الاكبر في البرلمان لها الحق في رئاسة الوزراء، وان ثلثي اعضاء البرلمان لهم الحق في اختيار رئيس الجمهورية. اما صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فمنصوص عليها بوضوح في الدستور الذي وافق عليه الشعب العراقي كله، وخصوصاً الاكراد منه. لقد رفض الطالباني ترشيحه لرئاسة الجمهورية فترة أخرى ما لم يعط صلاحيات اكبر، خلافاً للدستور الذي ساهم هو والقيادات الكردية مساهمة فاعلة في صياغته. مطالبته بتلك الصلاحيات الاستثنائية كانت مشروطة بأن تكون مقتصرة عليه ولا تحق لأي رئيس جمهورية غيره. سبب ذلك هو الحد من الصلاحيات الدستورية لرئيس الوزراء في ما يتعلق بالمخطط غير المعلن للثنائي. عندما اجتمع الائتلاف وقرر بالتصويت انتخاب الجعفري لتمثيله في رئاسة الوزراء، وعلى رغم ان مجلس الثورة الاعلى هو الخاسر الاكبر في هذا التصويت، لأن مرشحه عادل عبدالمهدي خسر بفارق صوت واحد، إلا ان المجلس وافق على هذا التصويت لإيمانه بالعملية الديموقراطية. فما كان من الثنائي الا معارضة من انتخب بالطريقة الديموقراطية السليمة. وجاء الثنائي بأفكار مخالفة جداً لكل عرف ديموقراطي، وهو"الاستحقاق الوطني"، وكأن الشعب الذي اختار ممثليه لا قيمة أو وزن له في عرف هذا الثنائي. وبعد ذلك قالوا ان توزيع المناصب يجب ان يكون بحسب الاستحقاق الانتخابي. اما قيادة البلد فيجب ان تكون بحسب"الاستحقاق الوطني". فإذا ما قمنا بتحليل هذا الخليط العجيب من الاقتراحات والتصورات والمطالب، ونظرنا اليه نظرة موضوعية، نجد ان جزءاً مهماً من استراتيجية هذا الثنائي هو عدم الاهتمام بالشأن العراقي والتركيز الكلي على الشأن الكردي وعلى كل ما يؤدي الى تحقيق كل الاهداف المتفق عليها بينهم. فهم يعتبرون ادارة الدولة مشاركة بين رؤساء القوائم الانتخابية وهذا ليس موجوداً في أي دولة ديموقراطية، ما يجعل القرارات تصب في مسار تحقيق خطط الثنائي بدعوى الاتفاق على كل القرارات قبل اصدارها. كما انهم يستمرون في تأجيج الصراع بين الجبهتين العربيتين على قاعدة فرق تسد لكي يحققوا ما يريدون من هذا الاستحقاق الوطني، ولكي يمنعوا أي جبهة أو الجبهتين معاً من الانفراد في صنع القرار الوطني، حتى يتمكنوا من ايقاف أي قرار لا يصب في اطار تحقيق"دولة كردستان". ولكن عندما يأتي امر توزيع الحقائب الوزارية، فانهم يصرون على ان تكون بحسب الاستحقاق الانتخابي لكي تصبح رئاسة الجمهورية وبصلاحيات استثنائية بأيديهم، وفي الوقت ذاته يحافظون على سيطرتهم على وزارة الخارجية ولكي يعززوا تمثيل دولة كردستان في المحافل الدولية استعداداً لاعلانهم تلك الدولة في الوقت المناسب. باسم العلي - بريد الكتروني