"روسيا اليوم" قناة روسية ناطقة بالعربية تبدأ بثها مطلع العام المقبل، لتلحق بركب الفضائيات الغربية التي تتوجه الى المشاهد العربي في سباق محموم لكسب"عقله وقلبه"قبل عينيه ربما. وقبل أن تنطلق القناة أو حتى يسمع عنها بكثرة، بدأت التوقعات المشوبة بشيء من التوجس تحيط بها. فهل هي ردّ روسي على قناة"الحرة"؟ أم على قناة"الجزيرة"؟ ولم هذا التوقيت؟ أسئلة كثيرة أجاب عنها في اتصال هاتفي مع"الحياة"، المشرف العام للقسم العربي في"روسيا اليوم"ومدير مكتب"الجزيرة"السابق أكرم خزام، قائلاً:"انها ببساطة محاولة جدية لممارسة الصحافة بمعايير مهنية. أنا كصحافي سأنقل الخبر وأترك التحليل والتسميات للسياسيين". واعتبر خزام"أن القناة واعدة لأنها ستقوم في شكل أساسي على المعلومة الخبرية الدقيقة والموضوعية المهنية، بعيداً من تحليلات العاملين في القناة وميولهم الشخصية. وقال:"خلال جولاتي الاخيرة في العالم العربي، لمست لدى المشاهدين حاجة فعلية لمعرفة خبر واضح وتكوين رأي موضوعي فيه. فبين الانحياز الديني والتحزب السياسي الذي يشاهده على قنوات اليوم، صار لديه حاجة الى أن يرى ويسمع رأياً محايداً. ففي القنوات العربية نحن نفتقر الى المعلومة. وغالباً ما تسأل المذيعة في الاستوديو المراسل عن رأيه وتقديراته وتقويمه الشخصي للوضع الذي يتحدث عنه، فيما التحليل محرم على المراسلين. هكذا لمسنا أن المشاهد العربي متعطش الى معلومات دقيقة، علماً أننا لن نهمل الجانب التحليلي، لكننا سنوليه حقه من خلال خبراء ومتخصصين في مجالاتهم، ونقدم وجهات نظر مختلفة في برامج مخصصة لذلك". وعن السياسة الاعلامية التي ستعتمدها"روسيا اليوم"والى أي مشاهد ستتوجه، أجاب خزام:"باعتقادي أن أي قناة اخبارية تقوم على سياسة معلبة ومحددة سلفاً، تفشل منذ الاسبوع الاول لإطلاقها. فالتطور الذي لحق بالمجال الاعلامي أثبت فشل تجارب اعلامية مهمة وراسخة لأنها أظهرت انحيازاً تاماً الى بعض المواضيع الحرفية والموضوعية. أما عن المشاهد الذي ستتوجه اليه القناة، فهو المشاهد العربي في الدرجة الاولى والمستعرب أو الناطق بالعربية عموماً. فهناك أسئلة تطرح في الشارعين العربي والغربي على السواء بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وما يسمى الزلزال الكبير الذي خلفه. لا تزال أسئلة مطروحة، وسنحاول أن نجيب عنها في أفلام وثائقية وبرامج حوارية. المهم أننا لن ندمغ نفسنا بطابع محدد". وعما اذا كانت القناة الناطقة بالعربية وسيلة جديدة لرسم دور روسي في المنطقة، في محاولة لاستعادة أمجاد الماضي، يقول خزام:"لا يمكنني أن أتحدث باسم الروس، لكن تقديري الشخصي هو أن السبب المباشر لاطلاق هذه المحطة هو البحبوحة المادية التي تمتعت بها روسيا في السنوات الاخيرة، لا سيما بعد ارتفاع اسعار النفط". وأضاف:"لا شك في انها فرصة مؤاتية لردم الهوة التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق بين روسيا وبعض الدول العربية. فلطالما كان للروس علاقات تاريخية مع بلدان الشرق الاوسط، خصوصاً مع مصر والجزائر ولبنان وسورية. الا ان هذه العلاقات تدهورت بعد انهيار الكتلة السوفياتية. والمفهوم العام الذي ساد الحياة السياسية بعد وصول بوتين الى الحكم، هو استعادة هيبة الدولة الكبرى داخلياً وخارجياً. ولأن الشرق الاوسط منطقة مهمة الان، تستقطب اهتمام العالم كله، فقد قال الروس لم لا يكون لنا نحن أيضاً موطئ قدم اعلامي؟ لذا فأنا أرى أن وسيلة اعلامية من هذا النوع هي من دون شك خطوة نحو اعادة مد الجسور التي انقطعت منذ فترة". وضرب خزام مثلاً قائلاً:"ماذا يعرف المشاهد العربي عن الاقتصاد الروسي؟ أو عن تاريخ السينما الذي عرف بداياته في روسيا، وكان مرتبطاً بمجتمع وصناعة وثقافة؟ أو حتى ماذا نعرف عن القوميات والاعراق المتعددة في الجمهوريات الروسية السابقة، وكيف حافظت على هويتها مثلاً؟ هذه المواضيع وغيرها ستطرحها القناة لتعريف المشاهد العربي بروسيا عن قرب، إضافة الى القضايا التي ترتبط به مباشرة". وعما اذا كان خزام سيتخلى عن دوره كإعلامي لينصرف الى الامور الادارية فقال:"أحاول طرد هذه الفكرة من ذهني. لا شك في أن الاشهر الثمانية الاولى ستتطلب مني تفرغاً لشؤون الادارة كي نتمكن من اطلاق القناة في شكل جيد، لكنني لاحقاً سأتخلى عن هذا الدور لأعود الى ممارسة المهنة، فاقدم الكثير من الصور والقليل من الكلام. فأنا مقتنع بأن التلفزيون صورة قبل كل شيء. أما الآن، فأنا أعتمد مبدأ: قليل من الشعارات وكثير من الصمت استعداداً للانطلاقة الاولى".