ميتروفيتش: لم نحسم لقب الدوري حتى الآن    الاتحاد يتعثر أمام أبها بثلاثية    أبها يهزم الاتحاد بثلاثية قاسية في رحلة الهروب من الهبوط    الهلال يتغلب على التعاون بثلاثية ويقترب من اللقب    إدانة المنشأة الغذائية عن حادثة التسمم الغذائي وإغلاق فروعها بالرياض والخرج    بايرن يُجري عدة تغييرات أمام شتوتجارت    توسيع نطاق الاستثناء الخاص بالتصرف العقاري    31 مايو نهاية المهلة المجانية لترقيم الإبل    نمو الغطاء النباتي 8.5% بمحمية "الإمام تركي"    مدير «الصحة العالمية»: الهجوم الإسرائيلي على رفح قد يؤدي إلى «حمام دم»    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    بعد نحو شهر من حادثة سير.. وفاة نجل البرهان في تركيا    غداً.. منع دخول المقيمين لمكة دون تصريح    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    مفاوضات بين ناد سعودي وغاتوزو    «الدفاع المدني» محذراً: التزموا البقاء في أماكن آمنة وابتعدوا عن تجمُّعات السيول    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على التعاون    الإنترنت في السعودية.. 99% نسبة الانتشار.. والهواتف المتنقلة الأكثر استخدامًا ب98.9%    الشرطة تفرق اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين في معهد الدراسات السياسية بباريس    المعرض السعودي للإضاءة والصوت SLS Expo 2024 يقود التحول في مستقبل الضوء الاحترافي والصوت    القبض على أشخاص لترويجهم المخدرات في عدد من مناطق المملكة    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    "ريف السعودية": انخفاض تكاليف حصاد المحاصيل البعلية بنسبة 90%    الجمعية السعودية للإعاقة السمعية تنظم "أسبوع الأصم العربي"    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    الذهب يتجه للانخفاض للأسبوع الثاني    الأهلي يقسو على ضمك برباعية في دوري روشن    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    ب 3 خطوات تقضي على النمل في المنزل    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    شَرَف المتسترين في خطر !    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    كيف تصبح مفكراً في سبع دقائق؟    قصة القضاء والقدر    يهود لا يعترفون بإسرائيل !    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" حاورت الرجل الذي جاء الى الأمن العام اللبناني من الاستخبارات وكان في قلب القرار والعاصفة . السيد : الطائف ليس اتفاقاً لبناء الدولة بل لتقاسمها 4
نشر في الحياة يوم 07 - 07 - 2005

يتحدث المدير العام السابق للامن العام اللبناني اللواء الركن جميل السيد في هذه الحلقة عن اتفاق الطائف وقانون الانتخابات النيابية ودور بعض حلفاء سورية في لبنان في تفجير الغضب اللبناني ضدها، وهنا نص الحلقة الرابعة:
هل كنت تعتبر أن اختيار القضاء كدائرة انتخابية كان سيؤدي الى انتصار المعارضة؟
- كما سبق وقلت، لقد رفضت القول خلال الاجتماع ان الدائرة الصغرى أفضل أو الدائرة الكبرى، بل قلت أننا قد ننهزم أو ننتصر في كلا الحالتين، وشرحت ظروف كل منهما. لم يُعقد هذا الاجتماع في سرية مُطبقة، بل كنا نناقش، وكان وجودي فيه طبيعياً. لاحقاً، بعد مضي فترة طويلة على الاجتماع، نشرت صحيفة"الديار"خبراً عنه بعد جلسة بين رئيس تحريرها الاستاذ شارل أيوب والرئيس بري. واتصلت بأيوب الذي هو صحافي ويهمه الخبر وأبلغته بأن جزءاً منه صحيح وهو عقد الاجتماع، فيما الجزء الآخر الذي ينص على قولي:"كيف نهزم الحريري"ليس خطأً انما كذب. فلم يكن موضوع الاجتماع الرئيس الحريري بل كان لدرس أي قانون انتخابات سيكون أفضل وفي أية ظروف لمصلحة الموالاة ضد المعارضة. وفي نهاية الاجتماع، غلبت كفة الرئيس لحود والوزير فرنجية، فيما سلّم الرئيس بري بموضوع القضاء مع تحفظات، وانسجم الرئيس كرامي مع موقف رئيس الجمهورية. وفي اليوم التالي طرأ تغيير في المواقف، لكن الحكومة سارت في مشروع القضاء. أما الحديث عن الرئيس الحريري، فجرى لاحقاً عند البحث في مشروع تقسيم بيروت الى ثلاث دوائر حيث اعتبر ان ذلك يهدف الى تحجيم الرئيس الحريري عبر جعل منطقة الأشرفية مستقلة عن المزرعة، وضم الشيعة في الباشورة وزقاق البلاط الى الارمن والمصيطبة، ما يمنح السيّد تمام سلام و"الطاشناق"و"حركة أمل"و"حزب الله"فرصة أكبر، في حين تنضم منطقة المزرعة الى رأس بيروت بأغلبية سنيّة.
قانون 1960 يأخذ منطقة مسيحية من بيروت، غير متصلة جغرافياً بإحدى دوائرها، ويجعلها جزءاً منها. في حين ان مشروع قانون 2005 يحول دون ضم أجزاء غير متلاصقة جغرافياً ضمن دائرة واحدة. ليس هناك قانون انتخاب مثالي في بلد تتوزع طوائفه بطريقة متفاوتة في مختلف المناطق، كان البحث يدور حول قانون انتخاب يمثل تسوية وسيطة بين الجميع. ولإنجاز مثل هذه التسوية كان القانون يأخذ من الجميع ويعطي للجميع، وبهذا المعنى لا يكون احد راضياً مئة في المئة الرئيس الحريري مثلاً، وحتى في العام 2000، وكان خارج الحكم، تمت استشارته وأبدى رغبته بقانون انتخاب على أساس 9 محافظات: اثنتان في كل من البقاع والشمال والجنوب والجبل، وواحدة في بيروت. وقد أبدى الرئيس الحريري الاتجاه نفسه بالنسبة لقانون العام 2005. وقالت الصحف وقتها أن تقسيم بيروت بهذه الطريقة يهدف الى تحجيم الرئيس الحريري. وعندما فاز الرئيس الحريري في العام 2000، هاجمني النائب السابق نجاح واكيم من دون أن يسميني قائلاً أن أحد مسؤولي الأمن الذين تعاطوا بقانون الانتخاب قبض 13 مليون دولار من الرئيس الراحل.
ما قصة هذا المبلغ؟
- كُلّفت جسّ نبض معظم المسؤولين بمناسبة وضع قانون الانتخابات النيابية للعام 2000. وكان هناك اعتراض مسيحي على"البوسطات"في قانون 1996 المبني على المحافظة. لكن وبعد مجيء الرئيس لحود، أردنا الاقتراب أكثر من الانصاف الذي لا يمكن أن يتحقق في شكل كامل في بلد طائفي كلبنان حيث التوزيع الجغرافي متفاوت. وكحلّ وسط بين قانون المحافظة وقانون القضاء، توصلنا الى قانون يُقر 14 دائرة انتخابية: دائرتان في كل من الشمال والجنوب وثلاث في البقاع وأربع في جبل لبنان وثلاث في بيروت. واعتبرنا أن القانون لا يُزعج كثيراً من الناس بل يُعد حلاً وسطاً. وبعد مشاورات مع الرئيس الحريري، وافق بتردد على هذا القانون، لاعتباره أن هذا القانون يأخذ منه أكثر مما يعطيه. وبدأنا نناقش مرحلة التحالفات. فالتدخل المسموح للدولة في الانتخابات، يرتبط بوضع قانونها وبالعمل بين حلفائها ليوحدوا صفوفهم، لكن عندما يأتي الأمر الى صندوق الاقتراع يُصبح تدخل الدولة تزويراً. انحصر العمل في تلك الفترة بوضع القانون وبصياغة التحالفات. اتصل بي الرئيس الحريري وطلبني للاجتماع وقال لي:"ماذا بالنسبة لتقسيم محافظة بيروت؟ فهمت أن تقسيمها جرى بشكل أفوز به في دائرة الأشرفية والمزرعة فقط، وتركتم المصيطبة ليستفيد منها تمام سلام ورأس بيروت للرئيس الحص". وأضاف: "سأعرض عليكم عرضاً كالتالي، المزرعة والأشرفية لي، وتتحالفون معي في دائرة المصيطبة، أما في رأس بيروت فلا أريد تحالفاً مع الرئيس الحص بل معركة كسر عضم!". وعرض الرئيس الراحل مشروع لائحة تزكية تحالفية في دائرة المصيطبة مع تمام سلام وحزب الله، بحيث يكون للسيد سلام نائبان سُنّة، ولحزب الله نائب شيعي أما باقي النواب أي اربعة فيكونون من حصّة الرئيس الحريري. اعتبرت العرض عادلاً وجرى تداوله مع الاستاذ تمام سلام فقال انه عرض عادل ومناسب، فيما كان موقف الرئيس لحود ان العرض سيكون مناسباً اكثر اذا شملت التزكية مقعداً للنائب نجاح واكيم من الطائفة الارثوذكسية. عُدت بالعرض الجديد الى الرئيس الحريري فأصرّ على عرضه الاساسي وقال"إمّا تزكية كما عرضت او معركة". أجبت باقتراح أن يترك مقعد الارثوذكس شاغراً وتنحصر المعركة به أما بقية المقاعد فتكون تزكية. أجاب بالرفض وأنه يستحيل عليه القبول بنجاح واكيم. عدت الى الاستاذ تمام سلام وأخبرته بما جرى فأجابني:"اذا لم تحصل التزكية كما عرض الرئيس الحريري واذا ذهبنا الى معركة فهل تعلم ان لائحتي ستسقط كلها؟"قلت له: اعلم ذلك. قال: ابلغ من يعنيهم الامر. وهكذا حصلت معركة انتخابية في تلك الدائرة وفاز الرئيس الحريري بجميع المقاعد وحاز حزب الله على المقعد الشيعي بمساعدة الرئيس الحريري.
لاحقاً علم الاستاذ نجاح واكيم بالمشاورات التي جرت، فاعتبر اننا فاوضنا عنه بدون تكليف منه، في حين اننا لم نفاوض عنه كما سبق وذكرت، سوى أنها كانت التفاتة وفاء وتقدير تجاهه من رئيس الجمهورية. ولما صدرت النتائج بالفشل تعرّض لي من دون تسمية بأنني تقاضيت اموالاً من الرئيس الحريري، مما دعاني الى تقديم إخبار الى النيابة العامة بهذا الخصوص، ثم تدخل بعض الاصدقاء، فصحّح السيد واكيم اتهامه بالقول انه لم يقصد جميل السيّد وقمت في المقابل بسحب الإدّعاء باعتبار ان حقي قد وصل.
- خلاصة الأمر أن الفترة التي سبقت إقرار قانون 2000 شهدت اتصالات مكثفة مع الرئيس الحريري وكثيرين غيره للتفاهم على تسوية معينة. كما حصل الأمر ذاته مع الوزير جنبلاط الذي كان يعتبر الفوز في الشوف مضموناً له، فيما كان لبعبدا ? عاليه حسابات أخرى. وتم التداول معه حول لائحة مشتركة، لكن كان لديه تحفظ أساسي عن التحالف مع المرحوم ايلي حبيقة، ولم يمانع في التحالف مع الامير طلال ارسلان. فلم تتوافر ظروف للائحة مشتركة وكانت النتيجة ان فاز الوزير جنبلاط بكل مقاعد تلك الدائرة، وفاز الامير طلال ارسلان بالمقعد الشاغر الذي تُرِك له.
لماذا لم تكن علاقتك وديّة مع الوزير جنبلاط؟
- العلاقة مع الوزير جنبلاط كانت دائماً جيدة ولم تتعكّر في أية مرحلة. هو وقف معي في ظروف صعبة وفعلت الأمر ذاته معه. مررت في ظروف صعبة مرات عدة، وأعرف بأنه كان يُناصرني حتى عندما يقع إشكال مع حلفاء له. ولمّا كان الوزير جنبلاط يتعرض لقطيعة معينة واشكالات كبيرة مع الحكم، لم أقطع خيط العلاقة معه بل بقيت على تواصل. وكانت الجلسة معه ممتعة جداً وضمت أحياناً قريبين منه. وأعرف بأنه يقدرني جداً، لكن في الحقيقة بقيت الاتصالات المباشرة بيننا قائمة حتى بعد محاولة اغتيال مروان حمادة واغتيال الرئيس الحريري. لكن عندما احتدم الوضع وعقدت مؤتمراً صحافياً للرد على الاتهامات ضد الأجهزة، اعتبر الوزير جنبلاط، الذي كان يُحيّدني نوعاً ما، أنني وضعت نفسي في فوهة المدفع، وأصبحت عراباً للأجهزة وعليّ تحمل عواقب ذلك. وكان عاتباً عليّ لأنني تصرفت وكأنني واجهة الأجهزة، على رغم محاولته تحييدي في جميع أوساطه. لم يكن هناك عداء بيننا أبداً، ولامته المعارضة عندما علمت بأنه تحدث اليّ في المرة الأخيرة، وكتب الصحافي ابراهيم الأمين ذلك في صحيفة"السفير". فقامت الدنيا ولم تقعد لدى أعضاء"قرنة شهوان"الذين سألوه عن هدف اتصاله بي، فسبّب ذلك احراجاً له وتوقفت الاتصالات منذ ذلك الوقت لكن الود لا يزال قائماً.
كيف ترى كمسؤول أمني سابق، حالة الأمن في لبنان في ظل موجة الاغتيالات والتفجيرات الأخيرة؟
- الأمن مناخ قبل ان يكون أداة. الأداة الأمنية عادةً، تتألف من عناصر بشرية ووسائل تقنيّة. المناخ الجيّد في بلد ما تكفيه أداة أمنية عادية لتُنتج أمناً فعّالاً. المناخ السيّء في بلد ما يلزمه أداة أمنية ضخمة لتُنتج أمناً أقل من المقبول.
ما هو المناخ؟ المناخ هو مجموعة العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تسود في البلد. فعندما تكون هذه العوامل مستقرة وصحيّة تكون كلفة الأمن وأدواته أقل وانتاجه أكبر، وعندما تكون تلك العوامل مضطربة تكون الكلفة أكبر والانتاج الأمني أقل. الأمن وحده لا يُنتج استقراراً.
في لبنان العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية مضطربة وغير مستقرّة، متناحرة في معظم الأحيان، سيّئة الادارة والاداء، فأيّ أمن تريد ان يكون فعّالاً في هذا المناخ؟ يُضاف الى ذلك القرار 1559 الذي وضع لبنان في حالة انتقالية بين استراتيجية سابقة واستراتيجية قادمة. عندما يُصبح أيضاً العامل الخارجي ضاغطاً على عوامل عدم الاستقرار الداخلي يُصبح الأمن أكثر صعوبة.
في غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي لا يُصبح الأمن مشلولاً فقط، بل يتحوّل الى الوجه البشع للدولة لأن الناس لا ترى منها سوى هذا الوجه في حين ان الناس تطلب ان ترى من الدولة حسنات وجهها السياسي والاقتصادي.
بمعنى آخر، عارضة الازياء كلوديا شيفر، من أجمل نساء الارض حالياً. تخيّل كلوديا شيفر من دون ثوب ولحم، ماذا يبقى منها؟ الهيكل العظمي، كيف تراها حينذاك؟ قمة البشاعة. مع انه الهيكل العظمي لكلوديا شيفر!!!
فلنعد للدولة، ثوبها السياسة ولحمها الاقتصاد وعظمها الأمن، عادةً الثوب يتغيّر من وقت لآخر، واللحم ينمو أو يضعف، والهيكل العظمي ثابت.
في لبنان دولة من دون ثوب ولا لحم، يعني من دون سياسة واقتصاد، ماذا يبقى منها؟ الهيكل العظمي أي الأمن يعني البشاعة. دولة لبنان بحاجة ليكسوها ثوب مناسب ولحم كافٍ، وفي غياب ذلك سيبقى الأمن مقصّراً وبشعاً حتى اشعار آخر.
المطلوب لوقف مسلسل الانهيار الأمني الحالي، المسارعة الى علاجين متلازمين معاً، الاول: اعادة بناء وتسيير عجلة الدولة في مؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية بأسرع ما يمكن، لأنّ التلهي القائم حالياً بالمهاترات والمناحرات يشكل بحدّ ذاته دعوة مجانية لأي كان لافتعال الخلل الأمني في لبنان. من دون ان ننسى ان لبنان هو في بحر منطقة مشتعلة من فلسطين الى العراق، وانه من غير الجائز هذا الترف الذي يعتمده معظم المسؤولين اللبنانيين في حروبهم الصغيرة في حين ان النار لم تأكل الحديقة فقط بل أصبحت داخل البيت. ومن دون اعادة البناء والاصلاح والتنظيم السريعة لمؤسساتية الدولة فمن العبث البحث عن وضع حد للتدهور ليس في الأمن فقط بل في كل الحقول الأخرى في الدولة.
العلاج الثاني هو في عزل الجريمة عن السياسة، وترك الاهتمام بها لأصحاب الاختصاص والكفاءة، وبالتالي توفير ظروف موضوعية ومحايدة لمؤسسات القضاء والأمن للعب دورها التقني في التحقيقات من دون ان تكون الاعتبارات السياسية هي الضاغطة عليها كما يجري حالياً، مما أفقد مؤسسات الأمن والقضاء الثقة بنفسها. فالأمن بالاساس ثقة ومعنويات. ما يجري اليوم في لبنان هو عملية تهديم وتحقير لمؤسسات الأمن، وأول ضحايا هذه العملية هو استقرار البلد. ممارسة الأمن هي مرادفة للتعرض. تتعرض للخطر عند مواجهة الجريمة، وتتعرض للانتقاد عندما تقصّر في اكتشافها. اليوم، حجم الاتهام السياسي ضد الامن يدفع بقادة تلك المؤسسات الامنية الى اتخاذ حالة دفاعية عن النفس، فينكفئون عن الرغبة في التعرّض وعن الاستعداد للتضحية فتقع الفاتورة على المواطن. الأمن غير المستعدّ لتعريض نفسه يعرّض الناس المفترض به حمايتهم. الأمن المضطر لحماية نفسه من الانتقاد، والأمن المكشوف من الحماية السياسية، يصبح أمناً غير مستعد للمخاطرة وللتضحية. باختصار الأمن الحامي لنفسه لا يحمي الناس، والأمن المحمي بزعيم أو بولاء خاص لا يحمي الناس، والأمن المشتوم يومياً من السياسة لا يحمي الناس، والأمن المأكول بالأمس والمذموم اليوم، والمأكول اليوم والمذموم غداً لا يحمي الناس، والأمن المذلول لا يحمي الناس. كل ذلك يصنع فولكلوراً ولا يحمي أحداً.
لبنان يعيش اليوم، مع الأسف، هذه الحالة من الأمن. والمطلوب معالجة سريعة في الاتجاهين، وكما سبق وذكرت، الأمن يعالج ثغرة في بيت ولا يعالج بيتاً كله ثغرات.
هل هناك صحة لما قيل ان مشروع الرئيس لحود وممارسته قاما على تعطيل تنفيذ اتفاق الطائف وفرض صيغة من خارج الطائف بالنسبة الى الصلاحيات الرئاسية وأدوار المؤسسات الأمنية؟
- الطائف سبق وجود الرئيس لحود في قيادة الجيش وسبق وجوده في رئاسة الجمهورية. يُحكى عنه كثيراً ولكن هناك كثيرون لا يعرفون المغزى من الطائف. الطائف في الأساس هو تسوية جرت برعاية عربية ? اميركية ? دولية، وكان هدفها وقف الحرب، وجرى التفاوض حولها في المملكة العربية السعودية قبل حرب الخليج الاولى في العام 1989. هذه التسوية سُميّت اتفاق الطائف الذي شكّل مدخلاً لانهاء الحرب الاهلية في لبنان، حيث جرى من خلاله توزيع جوائز ترضية على المعنيين بها، وبالتالي نشأت من خلال الطائف شراكة ثلاثية الأطراف بين أمراء الحرب، اي الميليشيات، وبين أمراء السياسة التقليدية وأمراء المال. إذاً الترجمة العملية الأولى لاتفاق الطائف في الفترة الأولى كانت زواجاً بين هؤلاء الأطراف الثلاثة: أمراء التقليد السياسي، وأمراء الميليشيات، وأمراء المال. الطائف كان كافياً لإنهاء حال الحرب لكنه لم يكن كافياً لبناء السلام اللبناني. وحتى هذه اللحظة اتفاق الطائف ليس كافياً لبناء السلام اللبناني. وهو ليس اتفاقاً لبناء الدولة، بقدر ما هو اتفاق بين الأمراء على تقاسمها.
خلال فترة الحرب كان أمراء الميليشيات يتقاسمون الشارع والناس بالعنف، فجاء من يعرض عليهم انه بدل تقاسمها عن طريق العنف في الشارع وما يؤدي اليه ذلك من ضحايا، أجلسوا في الدولة وتقاسموها بين بعضكم. عملياً اعتبر كل شخص من هؤلاء انه كوفىء على فترة الحرب. عادةً الذي يقوم بمشاكل وعنف على الأرض يُقاصص، ولكن الطائف اعطى مكافأة لكل من شارك في الحرب تحت عنوان عفا الله عما مضى.
باستثناء سمير جعجع؟
- كلا، الفرق بينهم وبين الدكتور جعجع هو انهم سلّموا اسلحتهم وحلّوا الميليشيات منذ البداية، أما الدكتور جعجع فكانت عنده أزمة في التمثيل المسيحي في أول حكومة بعد الطائف. وقد عرضت عليه حصة فيها فاعتبر نفسه مغبوناً كونه جرت مساواته بايلي حبيقة وغيره فيما كان جعجع يعتبر نفسه مساوياً بالحصة لبري وجنبلاط. لذلك ارتأى رفض الحصة المعروضة وأصرّ في المقابل على الاحتفاظ بالميليشيا والسلاح. هذا هو الفرق.
إذاً الطائف، كما قلت، كان كافياً لإنهاء الحرب ولكن لم يكن مشروعاً لإعادة بناء دولة بمفهوم الدولة بل تُرجم انتقالاً من تقاسم الشارع الى تقاسم الدولة. المأخذ على اتفاق الطائف انه لم يأخذ في الاعتبار مشروع بناء دولة بعد وقف الحرب. الرئيس لحود لم يدّعِ في لحظة من اللحظات انه على صراع مع اتفاق الطائف. العماد عون كانت لديه مشكلة مع اتفاق الطائف، ودفع ثمن المواجهة بينه وبين الطائف لأنه الوحيد الذي وقف في وجه تلك التسوية الى أن أُزيح عسكرياً في 13/10/1990.
اتفاق الطائف ليس مُنزلاً، بل شكّل مرحلة انتقالية لوقف الحرب وهو لا يشكل مصلحة دائمة للبنان. المصلحة الدائمة للبنان هي بناء الدولة. عندما جاء العماد لحود كقائد للجيش لم يطرح مقولة ان الجيش هو الحل. طرحنا ان الجيش هو النموذج وليس الحل. الجيش نموذج لما يمكن ان تبنى عليه المؤسسات من خارج منطق التقاسم والتأثير الطائفي والسياسي. هذا ما جعل العماد لحود يستفيد من هذه السمعة ويجعله مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية لأنه في ظل الطائف - الذي كله سياسة تقاسم - استطاع كقائد للجيش بمعاونة أركانه وبرعاية سورية مباشرة لخطّة توحيد الجيش، ان يجعله مؤسسة فعّالة وبعيدة عن التقاسم ولجميع الناس، مما حوّل الجيش نموذجاً ومثالاً لما يمكن ان تكون عليه بقية مؤسسات الدولة. نجاح الجيش كان يقابله تدهور وتردٍ في الوضع الاقتصادي والسياسي فتولدت حساسية مشتركة لدى معظم شركاء الطائف الثلاثة، بحيث بدأت المناحرات والاتهامات الى درجة اعتُبِرنا اننا نسعى الى القيام بما يشبه الانقلاب على السلطة. هذا غير صحيح، فنحن نعرف ان الانقلاب في لبنان لا يصح كونك تحتاج الى ان تأتي بكل الطوائف وتقوم بانقلاب داخلها أولاً. وعندما تستطيع ان تأتي بها كلها الطوائف لا يصبح ما تقوم به انقلاباً، بل يصير اسمه تسوية جديدة.
كيف تفاعلت الطبقة السياسية مع السوري ودوره في لبنان، بعد الطائف؟
- مثلما قلت ان الطائف هو عبارة عن شراكة بين أمراء التقليد السياسي والحرب والمال. قسم كبير منهم تعاطى على قاعدة انه يبيع كلاماً ومواقف ويأخذ في المقابل حصانةً ويحصد في الداخل وزارات ومؤسسات وصناديق. هذا كان منطق أمراء الحرب والمال. لا أريد ان أظلم الجميع ولكن اقول ان هذا كان منهجاً متبعاً من قبل الغالبية. كانت قاعدة كبيرة من العمل تقوم على هذه الطريقة من قِبلهم. ولكن هناك استثناءات بارزة، على سبيل المثال وليس الحصر أذكر الرئيس سليم الحص والرئيس عصام فارس وآخرين. لم يكونوا من مدرسة المقايضة بين المواقف السياسية من جهة وبين حصد المصالح والحصص في المقابل.
هذا الموضوع أدى الى تشنج داخلي أيضاً بين أطراف يحبّذون هذا النهج وأطراف لا يحبذونه. اليوم وبعد انسحاب سورية، يقال ان السياسة السورية هي التي كانت تعلّمهم هذا النهج، وأنا أشهد انه ليس صحيحاً. بعض اللبنانيين هم الاساس في هذا النهج وورّطوا معهم مسؤولين سوريين. سورية لم تفتح مدرسة للفساد والإفساد في لبنان، مدرسة الفساد والإفساد في لبنان نابعة من وجود النظام الطائفي في لبنان. عندما تتحدث عن وجود نظام الحمايات الطائفية السياسية، حتى من دون وجود سورية وحتى بوجود اميركا وفرنسا ومن دونهما، تلقائياً تصبح هناك طبقة فاسدة أقوى من القانون وأقوى من الناس. الرئيس لحود، في العودة الى موقفه من اتفاق الطائف، كان في الأصل كعسكري يرفض المقايضة. وأحد أسباب عدم تفاهمه مع السياسيين في لبنان انه لا يعرف المقايضة ولا يريدها. ذهنيته لا تسمح لك بأن تأتي وتقول له انك معه وصوتك له في مجلس النواب وفي المقابل امنحني هذه الوزارة أو تلك أو الإدارة هذه او تلك أو الصندوق الفلاني أو ذاك. ولكن هذا لم يمنع انه في محيط الرئيس هناك اشخاص تعاملوا بالمقايضات، قاموا بمقايضات الى درجة انه أصيب اصابة بالغة بهذا الموضوع وسببوا له أذى في أوساط الرأي العام، لأن هذا النوع من المقايضة كان منافياً في شكل صارخ لشخصيته والآمال المعقودة عليه ولخطاب القسم الذي أدلى به.
هناك من يقول انك أنت الذي كتبت خطاب القسم؟
- ليس هناك رئيس في العالم يكتب خطاب قسم. الرئيس لحود، مثله مثل كل رؤساء العالم، عنده أساسيات في فكره، وأنا عايشته فترة في الجيش تقارب التسع سنوات، وخلال هذه الفترة صرت أعرف كيف يفكّر وما هي نظرته الى العديد من الأمور. كل الرؤساء يُكتب لهم. ليس هناك رئيس جمهورية يجلس ليكتب لنفسه. يقرأ نصاً ويجري عليه تعديلات معينة ويطلب حذف هذه الفكرة أو إدخال تلك الفقرة، وهذا شيء طبيعي وليس تهمة.
عند كتابة خطاب القسم هل كان هاجس الالتزام بالطائف حاضراً أم ان الاقتناع كان قائماً بأن الاتفاق صيغة لإنهاء الحرب وليس لبناء الدولة؟
- كان الهدف من خطاب القسم ان يرسل الى الناس رسالة عنوانها قيام دولة. الطائف أعطى الناس رسالة انهاء الحرب. إنما رسالة انهاء الحرب منذ العام 1990 الى 1998 ترافقت مع رسالة العبث بالدولة، باستثناء مؤسسة الجيش. كان مجيء الرئيس لحود بمثابة انقلاب، كان تكملة لرسالة انهاء الحرب من خلال رسالة قيام الدولة والتي مع الأسف - نتيجة كل هذه الظروف التي نمر بها - لم تُقلع.
الى متى ظل الرئيس الحريري يرسل أموالاً الى الجيش اللبناني؟
- ليس في أيام قيادة الرئيس لحود للجيش. هذا شيء أكيد. ما قبل التسعين، في فترة الرئيس الجميّل، كان الدولار يصعد في شكل جنوني مقارنة بالليرة الى درجة ان راتب الضابط صار يوازي 50 دولاراً والعسكري ما بين 20 و30 دولاراً. اعتقد بأنه في تلك الفترة حصلت مساهمات معينة لتخفيف العبء عن الجيش، ولكن في عهد الرئيس لحود كان الأمر استقر الى حد معقول.
هل كنت من فريق المقايضين حول الرئيس لحود؟
- مع الرئيس لحود ساعدت على منطق آخر من المقايضة مارسناه في الجيش ونجح. ما كانت تلك المقايضة؟ كانت المقايضة اننا نؤمن بالعلاقة اللبنانية - السورية، ونؤمن بالمقاومة، ونؤمن بالشؤون الاستراتيجية. هذا هو المقياس الأساسي الذي تتعاطى سورية به في لبنان. هذا هو سقفها في لبنان. المقايضات الصغيرة ليست سقفاً لسورية كحُكم. دعني أوضح: سقف سورية في لبنان سقف استراتيجي. سقف بعض لبنانيين وسوريين على فترات كان سقفاً مختلفاً عن هذا السقف في الشؤون الداخلية.
ما حصل في الجيش كان التزاماً واضحاً باستراتيجية العلاقة مع سورية ومع حماية المقاومة، قابله موقف سوري داعم للجيش ومساهم في بنائه ووحدته وحمايته من التدخل السياسي، ولولا الحماية السورية لم يتوّحد الجيش ولكان بقي مجموعة من الألوية الطائفية الموروثة من الحرب الاهلية.
اذاً في الجيش لم تكن المقايضة بين الاستراتيجية والمصالح الشخصية، بل بين الاستراتيجية وبناء الجيش، كانت مقايضة من دون تفاوض بين طرفين بل التزام وقناعة من طرف وهو قيادة الجيش، وتقدير ودعم من طرف آخر وهو سورية. لاحقاً طبّقت الشيء نفسه في الامن العام، النتيجة كانت اننا استطعنا اقامة مؤسسة ناجحة ونظيفة ونزيهة ولكل الناس، ولم يسمح فيها بحصص للسياسة والطائفية، وهذا سبّب حقداً كبيراً علينا من قبل الطبقة المعروفة، والآن، بعد انسحاب سورية، اصبحت لديهم القدرة على الانتقام واعادة تقاسم المؤسسة من جديد.
عملياً أنت تتهم حلفاء سورية بأنهم...
- أقصد بعض حلفاء سورية وبعض المعارضة، وقد صرّحت عن ذلك علناً في مؤتمري الصحافي. قلت بصراحة ان احد الاسباب الرئيسية في مشاعر الغضب اللبناني من سورية والذي تُرجم في التظاهرات الأخيرة هو ممارسات الكثير من حلفاء سورية في لبنان وليس الممارسة المباشرة لسورية في لبنان. وهؤلاء أنفسهم كانوا يقومون -"السبعة وذمتها"، وغداً سيركبون موجة اميركا وفرنسا وغيرها وسيقومون بالممارسة نفسها ولن يتغيّروا، لأن النظام الطائفي بحد ذاته يُنشىء هذا الشذوذ.
ما كان دور اللواء غازي كنعان في ذلك؟
- بالنسبة الى اللواء غازي كنعان، أقول أنه ساعد كثيراً في أمور كثيرة. ولكن ثقل الطبقة السياسية عليه كان يفرض عليه ان يقوم بتوازنات في البلد. دوره القيام بتوازنات. إضافة الى ذلك، مارس الرجل دوراً فيه ايجابيات وفيه سلبيات. مثلي ومثل كل انسان، عندما تمارس مهمة على مدى فترة معينة لا يمكنك ان تتوقع ان تُمدح دائماً بايجابيات تقوم بها فقط. وكل انسان، في سلبياته وايجابياته، لديه طبع شخصي. باختصار، كان كنعان يتعاطى مع طبقة سياسية يمشي معها لتمشي معه وبالعكس. هكذا يفعل السياسيون اللبنانيون عادة حين يتعاملون مع اي نفوذ عربي أو أجنبي في لبنان.
هل جرى التحريض عليك في سورية ومع كنعان؟
- طبيعي انه في ظل الخلافات السياسية وغيرها ان تكون موضع شكوى هنا اوهناك. وكنت من بين الذين يتعرضون لذلك من وقت لآخر، وسبق ان تحدثت عن هذا الموضوع وعن الخلاف الذي حصل بسبب ذلك.
هل كانت العلاقة مع رستم غزالي مختلفة؟ هل هناك فرق بين أسلوبه واسلوب غازي كنعان؟
- العميد رستم غزالي عندما تسلّم مسؤولياته في لبنان لم يدّع في أي لحظة انه يريد تأمين حصانات وحمايات للطبقة السياسية بالحجم الذي كان سائدا. وبالتالي تضعضعت الطبقة السياسية كلها. كان السؤال من هو الضامن الجديد لهم؟ وليس من هو الممثل الجديد لسورية في لبنان؟ اللبنانيون ملوك الحسابات الشخصية: تغيّر غازي كنعان وجاء فلان مكانه، تصير المعادلة من يربح ومن يخسر من جراء ذلك التغيير. هذه اسئلة السياسيين في تلك الفترة.
العميد رستم غزالي جنح باتجاه الرئيس لحود كرئيس للبلاد ولم يلعب توازنات تقليدية ولا حمايات فسبّب له ذلك عداوة كثيرين من اهل السياسة وصار يُنظر اليه كطرف، وبقي كذلك حتى انتهاء مهمته في لبنان.
مثلاً، العلاقة بين رستم غزالي والرئيس الحريري لم تكن جيدة منذ البداية؟
- كلاّ لم تكن العلاقة سيئة بل كان الرئيس الحريري من المرحبين به. ولكن مثلما قلت: مع مجيء العميد رستم غزالي لم تكن الطبقة السياسية التي عاشت على المقايضة عشرين سنة مرتاحة. يمكنك العودة الى مراسم توديع اللواء غازي كنعان، الاحتفال الكبير الذي جرى كان في دارة الرئيس الحريري في قريطم واصطحب معه العميد رستم غزالي وقال ما معناه ان هذا خليفتي من بعدي سيكون كأنا. هذا التغيير لم يلائم كما قلت الطبقة السياسية فحلّ غضبها عليه. هذه الطبقة نفسها بقيت على ود مع بعض السابقين الذين مثّلوا سورية في لبنان أو تعاطوا باسمها في الشأن اللبناني. عادةً ممثل اي بلد"يحترق"قبل بلده، لأنه خط الدفاع الاوّل عنه، تماماً كما ينبغي ان يُصاب رجل الامن قبل المواطن، امّا أن ينجو رجل الامن ويسقط المواطن، امّا ان ينجو ممثل اي بلد ويحترق بلده، فهذا يعني انه عمل لنفسه اكثر مما كان يعمل لبلده.
اعطيت اسم سليم الحص وعصام فارس قبل قليل كأمثلة عن مسؤولين لم يتورطوا في المقايضات. ألم يستفيدا من هذه العلاقة؟
- أعوذ بالله. لم يكن لهما ولبعض غيرهما، ولن اسمي، اية علاقة في اية لحظة من اللحظات بمنفعة بالحد الأدنى. هما من مدرسة مختلفة تماماً عن اللعبة التي كانت تجري حتى ولو كانا شركاء في الحكم.
لم يطالبا بأي شيء في مقابل مواقفهما السياسية؟
- هل هناك أبسط من التعيينات الادارية في الدولة؟ لم يحصلا على تعيينات. كان لديهما ألم من أن تحصل التعيينات بوجودهما ويتقاسمها البقية بمنطق الحصص. دولة الرئيس عصام فارس مثلاً هو زعيم عكار وشمال لبنان، الرجل خدم في المنطقة أكثر مما خدمت الدولة وأكثر مما تخدم الدولة حتى هذه اللحظة. ماذا فعل عصام فارس غير ذلك؟ تأتيه الوفود الشعبية لتطلب شيئاً من الدولة. ففي لبنان الناس تطلب من النائب أو الزعيم ان يخدمها. لكنه كان عاجزاً عن الحصول على حصة من الدولة لمصلحة سكان المنطقة لا بالمشاريع ولا التعيينات. فكان يعوّض عن ذلك مثلاً بتقديماته الشخصية.
وُصفت أكثر من مرة بأنك الشخص الأقوى من غيره في التركيبة.
- بصراحة لا أريد ان اتبجح. أن تقول عن شخص انه قوي يفرح. لا أزعل اذا قيل عني انني قوي. عندما تقول انني اقوى من الجميع فهذا يعني انه صار بيني وبين ناس مهمين وكبار في لبنان"كباش"ولم يستطيعوا التغلب عليّ. غالبيتهم أقوى مني. هل كنت أقوى من الرئيس الحريري، وأقوى من الرئيس نبيه بري؟ كلا، لست أقوى منهما. ولست أقوى من كثيرين غيرهما، سوى انني كما قلت سابقاً، كنت مستعداً للذهاب الى النهاية والخسارة اذا لزم الامر، في حين كثيرون لا يرغبون بالخسارة ويكفّون عن المواجهة. هذا بالاضافة الى ان التناقضات كانت تساعدني دائماً على الاستمرار: فخلال فترة الجيش كان الرئيسان الهراوي والحريري يرغبان باقصائي من المخابرات فوقف معي العماد لحود وقال هذا ضابط في الجيش وينفذ اوامر القيادة. بعد الانتقال الى الامن العام وبعد انتخابات العام 2000 جرت محاولة لازاحتي فوقف الى جانبي الرئيس الحريري والوزير جنبلاط وغازي كنعان، ويوم حاول اللواء غازي كنعان التأثير على الرؤساء الثلاثة لحود وبري والحريري لإزاحتي، وقف الى جانبي الرئيس لحود والسيد حسن نصرالله والوزير جنبلاط، وهكذا فإن الموضوع في أغلب الاحيان لم يكن مرتبطاً بقوتي بقدر ما كان مرتبطاً بالتناقضات القائمة في البلد وتأثيرها في استمرار هذا أو ازاحة ذاك.
غداً حلقة خامسة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.