الرسوم الفكاهية المصورة مهنة التزمت بها امرأتان اختلفتا في هويتيهما وخلفيتهما التربوية والثقافية، وجعلتهما تثوران على الظلم اللاحق بهما، اكان من مجتمع ام من نظام سياسي ام من تمييز عنصري. ترينا روبينز، اولى الاميركيات التي نشرت كتباً عن هذه الرسوم بعدما تحدت الرجال في عقر مهنتهم التي كانت حكراً عليهم. ومرجان ساترابي، الايرانية التي تجسدت في بطلة صغيرة من عشرة اعوام، حكت قصة حياتها في قصص متتالية ومشوّقة، جاعلة العالم بأسره يكتشف التاريخ الايراني الحديث. 35 عاماً في الرسم خمسة وثلاثون عاماً امضتها ترينا روبنز في رسم القصص الفكاهية المصورة وصوغ تاريخ النساء الفنانات اللواتي عملن في هذا الميدان. فتحت عينيها على تلك القصص بعدما علمتها والدتها المدرّسة القراءة في سن الرابعة، مقدمة اليها احلى هدية وسامحة لها بقراءة تلك القصص من دون هوادة، كما تحب ان تكرر مراراً. بدأت صغيرة ترسم من دون ان تدري انها ترسم"الكارتونز". والدتها تجلب من المدرسة رزماً من الورق، وترينا تسارع في طيها الى اربعة اقسام ورسم أربع صور عليها، تربطها بقصة واحدة. بقيت ترينا تقرأ هذه القصص وترسمها حتى وصلت الى سن المراهقة التي جعلتها تعتقد انها أكبر من ان تقرأها... ولم تجد طريقها اليها مجدداً الا في الستينات ومع عودة"الكارتونز"بقوة الى الواجهة وارتباطها بظاهرة"الهيبيز". تزامنت عودتها هذه مع اكتشافها التمييز العنصري الذي كان سائداً في الولاياتالمتحدة في تلك الفترة، ما اسهم في تشحيذ موهبتها القصصية وتوسيع خيالها. كانت ترينا تعيش في لوس انجلوس عندما رأت للمرة الأولى في العام 1966 نسخة عن صحيفة"ايفو"التي تصدر في نيويورك، حيث قرأت قصة فكاهية مصورة تخرج حتماً على مألوف القصص المصورة الكلاسيكية في تلك الفترة. فعرفت ان هذا ما تريد حقاً ان ترسمه وتكتبه. سافرت فوراً الى نيويورك حيث التقت فريق الفنانين العامل في الصحيفة، وبدأت ترسم وتكتب القصص من دون ان تعرف اذا كانت ستنشر لاحقاً. بقيت هناك، امرأة وحيدة بين فنانين رجال ترسم وتكتب طوال سنتين، قبل ان تنتقل في السبعينات مع ويلي منديز، رسامة اخرى تشاطرها عشقها، الى عرين الرسوم المصورة في سان فرانسيسكو. فكانتا امرأتين وحيدتين بين مجتمع من الرجال الفنانين رفضوا اشراكهما فيه. وقررتا حينها اصدار القصص الخاصة بهما. توجهتا الى المجلات النسائية وبدأتا ترسمان فيها الرسوم الفكاهية التي سريعاً ما استقطبت جمهوراً نسائياً واسعاً ونالت شعبية كبيرة، خصوصاً انها عاملت الرجال كما عاملوا النساء، اي بنقد لاذع وقسوة كاريكاتورية في الرسم. قررت ترينا حينها استعادة الحق النسائي الذي سلبه الرجال. فبدأت دراسة واسعة لمعرفة النساء الرسامات في هذا النوع من الفن... واللواتي أغفلهن الرجال لدى تأريخ الرسوم. ونشرت اعمالهن واسماؤهن في كتاب"جيل من فنانات الرسوم المصورة" فيما ترجمت قصصها الى ثماني لغات ونالت جوائز عالمية عدة، لا سيما مجموعة قصص"باربي"الشهيرة التي تتقاسم رسمها وسرد قصصها مع رسامتين زميلتين، كما القصص المصورة الخاصة بألعاب الكومبيوتر. وهي حتى اليوم ثائرة على العنف الموجود في الرسوم المصورة التي يصدرها الرجال لأنها تنمّي هذه النزعة عند الأولاد... ولا ينال منها مقص الرقابة التربوية، كما تقول. من ايران الى باريس اما الرسامة الثانية التي تركت بصماتها على فن الرسوم المصورة فهي مرجان ساترابي، رائدة ايرانية في هذا الفن. ولدت في طهران العام 1969 في عائلة مميزة، تتحدر من سلاسة مالكة. جدها ابن نصر الدين شاه، آخر امبراطور في سلالة فدجار التي حكمت ايران قبل شاه بهلوي. والداها شيوعيان منحاها ثقافة عصرية. لم تقرأ مرجان يوماً رسوماً مصورة ايرانية. كانت هذه اساساً غائبة عن الثقافة الايرانية، خصوصاً في ظل الثورة وسنوات الحرب. تلقت علومها في"الليسيه الفرنسي"وارتدت مكرهة الحجاب في العاشرة من عمرها بعدما اندلعت الثورة الايرانية، ما نمّى في داخلها الشعور بالرفض لكل ما يُفرض عليها بالقوة، وجعلها تناضل في ما بعد لحرية الرأي بأي ثمن... حتى لو كان ارتداء الحجاب في فرنسا. وبدأت ثورتها الداخلية تنمو في ظل تضاعف الاجراءات الصارمة ضد النساء. فكانت تخالف القانون المفروض عليها استمتاعاً بالشذوذ على القاعدة، ما اضطر عائلتها الى ارسالها في الرابعة عشرة من عمرها الى فيينا خوفاً عليها من قساوة النظام الايراني. هناك، عاشت منفية وحيدة في بلد اجنبي كان ينظر اليها بغرابة. فكانت تلجأ الى ذكريات طفولتها لتهرب من الحاضر الخانق. عانت طويلاً سنوات الوحدة خصوصاً بعدما افتقدت المال الذي كان يرسله اليها اهلها في مدرستها"المخصصة للأغنياء"كما تروي. أنهت علومها قبل ان تسافر الى السويد حيث تنقلت بين مدينة واخرى وتزوجت لفترة قصيرة... تبعها طلاق، فانتقال الى فرنسا العام 1994 حيث كانت تريد خوض ميدان الرسم الدعائي. الا ان هذا الفن بات ينفذ على الكومبيوتر... وهي لم تكن على علاقة وثيقة بالتكنولوجيا العصرية كما تعترف. فبدأت تتجه نحو تنفيذ بعض الرسوم الخاصة بكتب قصص الأولاد. وفي الغرب، اصطدمت مرجان بجدار من الأفكار المسبقة عن ايران والاسلام كانت اساساً هربت من قساوتها ومحدوديتها من قبل الثورة الايرانية. وصودف ان التقت في تلك الفترة دايفيد بي، الرائد مثلها في فن الرسم. فشجعها على رسم سيرة حياتها التي ارادت من خلالها الكشف عن الوجه الحقيقي لايران. وكانت ولادة مجموعة"برسيبوليس"التي نالت فوراً شهرة كبيرة، اكان من حيث نوعية رسومها الرفيعة ام اسلوب كتابتها الصادق والمؤثر: فتاة صغيرة، ابنة العشرة اعوام تحكي سيرتها. تتساءل عن جدوى الحجاب، تحكي زيارتها الى السجن حيث اعتقل عمها"البطل"الذي حاول انشاء جمهورية مستقلة في اذبردجيان الايرانية قبل ان يعدم. تروي السنوات الصعبة في ظل الحرب العراقية - الايرانية. تصف عمليات دهم شرطة الاخلاق بحثاً عن الممنوعات. تكتب وترسم عن سنوات هجرتها الى فيينا، مراهقة منفية تنتظر اهلها الذين وعدوها بملاقاتها ولم يفعلوا... الى ان تحولت صبية وحيدة تنكر اصلها الايراني خوفاً من انتقادات زملائها قبل ان تنتفض كرامتها مجدداً وتكتب قصة حياتها بالرسوم المصورة. وهي في موازاة قصة حياتها، تعمل على الرسم في كتب خاصة بالأطفال، او تكتب قصصاً خاصة بعمر يتراوح بين خمس وسبع سنوات. كما تنتظر ثلاث او اربع سنوات حتى تصدر كتاباً جديداً في المجموعة، لأنها كما تقول كسولة وتهرب من العمل المضني، وهذا ما تتطلبه حتماً مجموعة هائلة من الرسوم لتشكل قصة واحدة، كانت آخرها عن الحرب العراقية ? الايرانية، ما جعل امها فخورة فيها بدرجة عالية... لأن مرجان أرّخت حقبة من التاريخ الايراني، ولو انتظرت ثلاثين عاماً لكان تم تزويرها. وهي أرادت من خلال هذه المجموعة ايصال رسالة سياسية محددة الى الغرب، تكمن في ان تطورات ايران التاريخية المعاصرة قد تحصل في اي بلد ولأي كان، وليس فقط في الخيال. ومرجان عادت الى طهران بعد سبعة اعوام على آخر زيارة لها. فاكتشفت ان ايران صمدت في وجه كل العقبات وعرفت كيف تحافظ على هويتها، كما تؤكد. وهي لم تنفك تحضّر الجزء الرابع من قصص"برسيبوليس"لأن الرسم اجدى تعبيراً من الكلمة واعمق تأثيراً حتماً.