لم يكن ينقص الصومال ان يضربها تسونامي. فمنذ وقت طويل، تظهر للعالم باعتبارها بلداً مهشماً. تتنازعه ايدي امراء الحرب من زعماء القبائل، الذين يتقاسمون مسؤولية ابقائه في فقر مدقع وتخلف مريع. لازمت هذه الصورة الصومال الى حد انه يبدو بلداً خرج من العالم. الى حد ان تعبير"صوملة"بات تعريفاً لمصير الموت المعلن للأوطان، بفعل التفتيت والتناحر الداخلي الدامي. في الولاياتالمتحدة، ثمة من يذكر الصومال باعتباره البلد الذي لاقى فيه المارينز مصيراً قاسياً، اثناء عملية فاشلة عسكرياً في العام 1988، قبل ان يدخل البلد برمته في اتون مصائر اشد قسوة. ويصلح الفيلم الهوليوودي"سقوط الصقر الاسود"اخراج ريدلي سكوت-2001 أنموذجاً يجسد استمرار حضور الحدث في الذاكرة الأميركية المعاصرة. ضربة تسونامي"خفيفة" في المقابل، بدا ان العالم العربي نسي الصومال، الى أن أيقظه"تسونامي"الذي ضرب جنوب شرقي آسيا في كانون الاول ديسمبر الماضي. يبدو ان هول المأساة احدث خضة في النسيان العربي. ففي حدث جلل ك"تسونامي"، يخضع قياس حجم المأساة لتعداد الموتى والجرحى والمشردين والمصابين والمنكوبين. في هذا المعيار, يبدو نصيب الصومال من هول"تسونامي"ضئيلاً نسبياً، إذ لم تتجاوز"حصة"الصومال من أضراره البشرية رقم المئتي قتيل مقارنة ب250 ألفاً في جنوب شرقي آسيا. ربما اكثر او اقل: فالاحصاءات متضاربة. ومع القتل، دمر موج مد"تسونامي" 54 الف منزل صومالي, اضافة الى انهيار مصادر مياه الشرب والصرف الصحي في عدد من القرى. وعلى رغم"خفة"هذه الارقام، الا انها ولدت وضعاً صومالياً يشبه الكارثة، لأنها اضافت اعباء مفاجئة على بلد يعاني وضعاً هشاً في الأصل. تثبت تلك الصورة ان سعي منظمات الإغاثة الدولية لحصر الخسائر, كانت اقرب الى المهمة المستحيلة، في بلد انهكته سنوات طويلة من الحرب الأهلية وتناحر القبائل. وفي السياق نفسه، يمكن القول ايضاً ان مؤشرات التنمية تؤكد أن الصومال في ذيل قائمة دول العالم. فلا يتجاوز معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية 11 في المئة, ومتوسط عمر المواطن لا يزيد على 48 عاماً. اضف الى ذلك أن الصومال يقع على بعد 6100 كيلومتر من مركز الزلزال في المحيط الهندي. والحال انها الدولة الافريقية الأكثر تأثراً بتسونامي. وقد حذرت الأممالمتحدة عقب وقوع الكارثة بأيام من نسيان الصومال في خضم المأساة, لكن هذا ما حدث. مزيج الكارثة والبؤس دأب"برنامج الاغذية العالمي"التابع للأمم المتحدة، قبل وقوع الكارثة، على تقديم المساعدات لنحو 120 ألف فرد من ضحايا الجفاف في شمال شرقي الصومال. وبعد هجوم أمواج تسونامي, اعيد توجيه المواد فوراً للمتضررين, والذين بلغ عددهم نحو 50 الف شخص, تلقى نحو 17 الفاً منهم مساعدات حتى منتصف كانون الثاني يناير الماضي. وللمرة الاولى منذ عشر سنوات, نظم ذلك البرنامج رحلة جوية الى شبه جزيرة"هافن"الواقعة في شمال شرقي الصومال، والتي اعتبرت اكثر المناطق تضرراً من كارثة تسونامي في البلاد. وحملت الطائرة مياه شرب وامدادات اخرى. ويشار الى أن ممر الهبوط في"هافن"لا يستوعب طائرات الشحن الكبرى، مما اعاق عمليات الاغاثة! وزاد الطين بلة أن تدمير الطرق بسبب الامواج البحرية عرقل سير شاحنات الإغاثة, التي كانت تحمل ما يزيد على 30 طناً من المساعدات الغذائية. وقدرت منظمة"يونيسف"تعداد النساء والاطفال الذين تأثروا بتسونامي في الصومال بنحو 12 الف شخص. واعلنت ان اولويتها في ذلك البلد تتمثل في توفير المياه الصالحة للشرب للاطفال في المناطق المنكوبة، اضافة الى بدء حملة للتطعيم ضد مرض الحصبة وذلك خوفاً من تفشي المرض في ظل الظروف الراهنة. أما"مكتب شرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية"إمرو ومقره القاهرة, فقد حذر من تفشي الأمراض سهلة الانتقال من طريق المياه مثل التيفوئيد والكوليرا, والتهاب الكبد الوبائي أ إضافة الى الملاريا, وحمى غرب النيل وغيرها. والمفارقة أن مكتب"إمرو"أعلن أنه، وعلى عكس المعتقد الشائع, فإنه لا توجد أدلة علمية على أن الجثث التي مات اصحابها في كوارث طبيعية تسبب انتشار الأوبئة, فمعظم الوفيات تحدث نتيجة الغرق في مثل هذه الأحوال, أما الإصابات فتكون أقل وتحدث نتيجة تساقط حطام المباني. وعبرت"إمرو"كذلك عن قلقها من الآثار النفسية والعقلية، في المديين القصير والمتوسط، في اعقاب كارثة مثل"تسونامي". ضربة"امراء الحرب" كأن الكوارث الطبيعية في حاجة إلى مزيد من المصاعب, فقد رشق عاملو إغاثة الحكومة الصومالية باتهامات تركزت على المبالغة والتهويل في عدد القتلى الصوماليين. وتصاعدت أزمة اخرى, تمثلت في تحديد عدد القتلى والمتضررين. ففي الوقت الذي اعلن فيه متحدث باسم"برنامج الاغذية العالمي"أن مهمة البرنامج ليست البحث عن القتلى وعدّهم، اتهم احد مسؤولي اعمال الاغاثة هناك البرنامج المذكور بالإعلان عن أعداد غير واقعية. واعرب عن اعتقاده بأن اعداد الاممالمتحدة لا تركز على أي معايير, لكنها مجرد"رياضيات"تعتمد على المنطق, إذ يتم أخذ التعداد الاصلي لسكان المنطقة في الاعتبار, ثم يخصم منها عدد السكان الذين كان يتوقع وجودهم في الاماكن التي اصابها المد. من جهة اخرى, اكدت مجريات الامور عقب"تسونامي" أن الحرب الأهلية والتناحرات القبلية المستمرة ما زالت تلقي بظلالها على هذا البلد الصغير. فما يزال فالصومال من دون حكومة فعلية منذ نحو 14 عاماً. وحتى التصريحات الحكومية الصومالية الصادرة في شأن كارثة تسونامي في البلاد، جاءت من كينيا حيث تقبع الحكومة في المنفى. ودعا هذا الامر عدداً من"امراء الحروب" في الصومال الى المطالبة بوقف ارسال المساعدات الى بلادهم، خوفاً من أن تصب في جيوب الحكومة. وهذا تحديداً ما يخيف منظمات الاغاثة الدولية, التي تتحسب لحدوث جرائم توقف عجلة المساعدات والاغاثات الانسانية برمتها, والتي كان الصومال في امس الحاجة اليها حتى قبل كارثة"تسونامي".