أمانة الشرقية والمركز الوطني للرقابة البيئية يدعمان الاستثمار البيئي والائتمان الكربوني    معالي نائب وزير الرياضة يتوّج الأسترالي نيل روبرتسون بلقب بطولة الماسترز للسنوكر 2025    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. الكوري الجنوبي Ulsan بطلاً للعبة Tekken 8    "ذهب أستراليا و11 ميدالية من كازاخستان.. تايكوندو السعودية تواصل حصد الإنجازات العالمية"    شاهد.. عودة المعلمين والمعلمات استعدادًا لانطلاق العام الدراسي الجديد 1447ه    إطلالة وادي خلب تحتضن مبادرة سقيا الماء الذي نفذته جمعية يُسر    مدير فرع هيئة الصحفيين السعوديين بجازان يزور مركز التراث الثقافي    نائب أمير جازان يزور بيت الحرفيين ومركز الزوار بفرع هيئة التراث بالمنطقة    نادي فنون جازان يطلق معرض "صيف السعودية 2025" الفني الرقمي    أكثر من 100 مليون ريال مبيعات "كرنفال بريدة للتمور"    اطلاق أكبر رحلة استكشاف للنظم البيئية البرية بعد الانتهاء من رحلة العقد البحرية    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع وزارة الصحة بمناسبة تعيينه    "إثراء" يعلن المسرحيات الفائزة بمسابقة المسرحيات القصيرة بنسختها الخامسة    تجمع الرياض الصحي الأول يطلق حملة "تعلّم بصحة" للعام الدراسي الجديد    القيادة تهنئ رئيس جمهورية إندونيسيا بذكرى استقلال بلاده    فرصة عقارية كبرى بمزاد جوزاء الرياض العلني الهجين    أمين مجلس التعاون: قمة "ألاسكا" تؤكد على أن حلّ الخلافات يأتي من مسارات التعاون والحوارات البنّاءة    العيسى يزور التحالف الإسلامي ويلقي محاضرة عن تحولات الفكر المتطرف    مستفيدين جمعية السرطان السعودية برفقة أسرهم في زيارة روحانية للمدينة المنورة    المياه الوطنية: 24 ساعة فقط على انتهاء المهلة التصحيحية لتسجيل التوصيلات غير النظامية    إصابة فلسطينيين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية    الصين تطلق فئة جديدة من التأشيرات للشباب المتخصصين في العلوم والتكنولوجيا    6 اضطرابات نفسية تؤثر على الرياضيين النخبة    علماء كوريون يطورون علاجًا نانويًا مبتكرًا لسرطان الرئة يستهدف الخلايا السرطانية    محمد بن عبدالرحمن يدشن 314 مشروعاً تعليمياً في الرياض    وزارتا الإعلام والتعليم تطلقان برنامج الابتعاث إلى 15 دولةً    ترقية آل هادي    العدل تطلق خدمات مركز الترجمة الموحد    صيني يخسر 120 ألف دولار في «صالة رياضية»    تحت رعاية وزير الداخلية.. اللواء القرني يشهد حفل تكريم المتقاعدين من منسوبي"مكافحة المخدرات"    تحذيرات من تهديد للأمن الإقليمي وتصفية القضية الفلسطينية.. رفض دولي قاطع لخطة إسرائيل الكبرى    طبيبة مزيفة تعالج 655 مريضاً    «ماما وبابا» في دور السينما 27 الجاري    فسح وتصنيف 90 محتوى سينمائياً خلال أسبوع    شراحيلي يكرم أهل الفن والثقافة    المشاركون في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يغادرون مكة متجهين إلى المدينة المنورة    يونيسف تحذر: مئات الأطفال يواجهون سوء التغذية    2.1 % نسبة التضخم    مرضاح والجفري يحتفلون بزواج فهد    دواء تجريبي مبتكر يعالج الصلع خلال شهرين    الاتفاق يتعادل إيجابياً مع الرفاع البحريني ودّياً    النفط يستقر على انخفاض وسط آمال تخفيف العقوبات على الخام الروسي    مشاهد إيمانية يعيشها المشاركون في رحاب المسجد الحرام    الفريق الفتحاوي يختتم معسكر إسبانيا بالفوز في مباراتين وديتين    الشؤون الدينية تنفذ خطتها التشغيلية لموسم العمرة    خطيب المسجد الحرام: شِدَّةَ الحَر آية يرسلها الله مَوعِظَةً وعِبْرَة    إمام المسجد النبوي: العِلْم أفضل الطاعات وأزكى القُربات    بايرن ميونيخ يهزم شتوتجارت بثنائية ويتوج بكأس السوبر الألماني    غوارديولا: فوز واحد لا يعني أن سيتي عاد لمستواه    الإنسانية في فلسفة الإنسانيين آل لوتاه أنموذجا    الاستدامة تهدد وظائف الاستثمار الاجتماعي    "الشؤون الإسلامية" بجازان تنفذ أكثر من 460 جولة ميدانية لصيانة عدد من الجوامع والمساجد بالمنطقة    تجمع تبوك الصحي يطلق مشروعات تطويرية لطب الأسنان    أمير عسير يستقبل سفير بلجيكا    نائب أمير جازان يستقبل مدير مكتب تحقيق الرؤية بالإمارة    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن ميل غيبسون وروجيه غارودي و"عصرنا" ما بين النص والصورة
نشر في الحياة يوم 18 - 04 - 2004

فيلم "آلام المسيح" لمخرجه ميل غيبسون فيلم مرئي بإمتياز. الصورة فيه أقوى من النص، أقوى من المقروء. لذلك لم تقف لغتَاه الميّتَتان، ولا ترجمتهما الرديئة، دون الانشداد الجارف الى صوره المتتالية، الناطقة وحدها بمعاني مشاهده. صور ليست كغيرها من الصور. الدماء فيها سائلة بغاية وبالتفصيل. "واقعية" شديدة للعنف، محورها العنف. عنف ساحر، إكزوتيكي، لم يعد معمولا به هذه الايام. فتخرج من الفيلم بإنطباع جديد عن مغزى حياة السيد المسيح: من ان الجلد والصلب هما الفعل المؤسّس لرسالته، يختزلان جلّ عقيدته. كأن عذاباته هذه، عذابات جسده، التي رأيناها بكل تفاصيلها على الشاشة، كأنها كانت عذاباته الوحيدة... وكأن سيرته خالية من تجلّيات السعادة في الإيمان.
قبله شاهدنا عشرات الأفلام "الكلاسيكية" عن السيد المسيح، من المهد الى اللحد، فيها أقواله ومعجزاته وتعاليمه وعذاباته الوجدانية... كذلك شاهدناه "إشتراكياً" مع بازوليني، أو معرّضاً لشهوات الجسد مع فيليني. وقبل السينما كانت اللوحة الفنية، خصوصا في عصر النهضة الاوروبي، وكانت آلام المسيح فيها على أشدّ ما فيها من تحفّظ وحشمة العذاب. لكن سابقة ميل غيبسون أعطت خمس دقائق، فقط خمس دقائق "فلاش باك"، لشيء من النص و... السلام. وباقي الساعتين كانت ل"الواقعية الجديدة"، من جلد وصلب، وللتصرّف بحرية ببضع كلمات مأخوذة من الكتاب المقدّس.
والمشكلة ليست في ميل غيبسون وحده، بل في روح عصر بأكمله: تسارع الوقت، وانتشار اللوب والأقمار الاصطناعية، وجاهزية فضائيات البث المباشر لأي حدث، وربما أشياء اخرى لا ندركها الآن. كلها حولت السطحية الى فضيلة فنية ومعرفية: تحتل فيها الصورة مكان الحرف. لها لغتها وفحواها، وأمامها، يتراجع الحرف والأبجدية، لتصبح المعرفة مُنصبّة على الصورة الآنية، المباشرة، الحيّة، الملموسة، الخاطفة، السريعة. وفيلم ميل غيبسون، بمرئيته و"واقعية" عنفه، يأتي في هذا السياق، وليس خارجه. و"الساحات" الفنية والاعلامية والافتراضية لا ينقصها أشباهه.
الآن، هل العنف نتيجة إخلاء المعاني من النص ووضعها كلها في الصورة؟ أي التدهور المتسارع للكلمة وافتقارها التدريجي الى العمق؟ لا بل معاملة العمق وكأنه من عصر ولّى؟ أي، هل العنف في خدمة السطحية؟ أم ان السطحية في خدمة العنف؟
سؤال يصعب الجواب عنه بما هو متوفر الآن من معطيات. ومهما يكن من أمره، فإن "آلام المسيح" لميل غيبسون، فيلم ينتمي الى عصره حيث للعنف المصوّر تصويراً حيّاً "واقعياً"، المكانة الأوسع في الطلب على الانتاج الفني المرئي. والعصر ايضاً يقتضي ان يتم التجاوب مع هذا العنف، وبنفس درجة السطحية التي تنضح منه.
و ميل غيبسون أعطى النفحة لفيلمه قبل خروجه الى الصالات، عندما قال ان الله هو الذي "أرشده" لتحقيق هذا الفيلم. فهو، مثله مثل امراء الجماعات الاسلامية، بينه وبين سبحانه وتعالى وحيٌ دنيوي، والذي ينزل عليه من السماء لا يُردّ! وإذا اضفتَ الى ذلك ان غيبسون وأباه، كلٌ على طريقته، لا يعترفان بمحرقة اليهود على يد النازيين، وينتميان الى جماعة ترفض سك الغفران الذي أصدره المجمع المسكوني الفاتيكاني عام 1965، بحل اليهود من ذنب قتل المسيح، استطعت ان تتوقع نبشْ القبور، و إحياء الاحقاد، و تقبيح الوجوه، وبتيرة آنية وحية، كما بالكليشيهات الجاهزة والصور الحيّة. فتتدعّم بذلك أسباب جديدة للعنف.
في بلادنا، عومل ميل غيبسون مثلما عومل "الفيلسوف" الفرنسي البطل، روجيه غارودي: بالأحضان والورود. فعلى رغم فتوى احدى الصحف الالكترونية الاسلامية بعدم حضور الفيلم، لأنه يخالف العقيدة الاسلامية التي تقول بأن السيد المسيح لم يُصلب، بل "شُبّه له"، وعلى رغم إمتعاض داعية اسلامي على شاشة احدى الفضائيات، من انه لم يلتق مع الفيلم ومخرجه، بل مع اليهود أعدائه... فالترحيب به كان واسعاً: أُفردتْ له الصفحات الفنية، وأعطيت له المانشيتات والصفحات بعناوين من المدائح، ووُصف ب"الزعيم الفني" و"البطل" و"النصير". بل أنه سوف يُدعى الى مهرجان القاهرة الدولي حيث ينال "الجائزة الذهبية"، كأن الأمر نضال من اجل فلسطين. فالتركيز هو طبعا على "حَسَنته" الاساسية، بل "إنجازه"، بأنه حمّل اليهود خطيئة اجدادهم. هكذا بدا الأمر كأنها نار اتّقدت فجأة، والكل راح بلسان واحد: أرأيتم؟ مخرج "عظيم" من قلب الغرب يؤكّد على الشرّ الازلي لليهود... منْبئين بذلك بالمزيد مما يحصل في فلسطين. "ألم يقتلعوا ويهجروا ويرحلوا...؟؟!". والخير الى الأمام... ولنا في ذلك فرحة كبيرة، أو عزاء، إذ الاعداء، هم فعلاً من معسكر الشر المطلق، وب"اعتراف حلفائهم".
والاعداء في هذه الحالة، أي بعض اليهود، لن يتوانوا بدورهم في استبطان هذه الصورة عن أنفسهم، وإن بدوا تجاه الفيلم كمن يرفضها، ولا يريد تذكّرها. هكذا زاد جيشهم اقتلاعاً وعدواناً، وداس المزيد من أشجار الزيتون. وهكذا...
فيلم ميل غيبسون ليس رسالة سلام. وهو، لشدّة سطحيته، لم يفهم الكلام الأخير الذي أدرجه هو نفسه على لسان المسيح: "أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون". لقد وضع الجملة المقدسة هذه في سياق تسلْسلي بحت، من غير الاهتمام بفحواها، فكأنها جاءت لملء فراغ من فراغات الصورة. فلو فهمها، لكان غفر هو لليهود، وعامل آلام المسيح معاملة اخرى، تليق برمزيتها الكثيفة وفلسفتها في الوجود. لكنه العصر! ولكل عصر شياطينه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.