بدأ الدفء يسري في "مهرجان الدوحة الثقافي" الثالث من خلال تعدد الفاعليات والوجوه المبدعة المشاركة في هذا الحدث الثقافي السياسي، وجاءت أمسية شعرية للدكتور مانع سعيد العتيبة الشاعر الإماراتي وأول وزير للبترول والثروة المعدنية في أبو ظبي في عام 1972والمستشار الخاص حالياً لرئيس الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لتثير الدفء في المهرجان وتشعل الأشواق للحرف الأخضر. وعقدت المطربة اللبنانية ماجدة الرومي، التي تشارك في المهرجان، مؤتمراً صحافياً مساء أول من أمس، ووجهت انتقادات شديدة اللهجة الى مروجي "الفن الاستهلاكي المبتذل"، وشددت على أهمية إقامة مهرجانات تقدم الفن الملتزم، ونوهت ب"مهرجان الدوحة الثقافي" الذي تشارك حالياً في فاعلياته، وقالت إن مثل هذه المهرجانات "تعادل الكفة" أي تقدم "فناً ملتزماً أمام هجمة الفن الاستهلاكي". العتيبة ورسالة "أم البنات" وعندما اعتلى الشاعر العتيبة منصة الشعر وسط جمهور كانت المرأة في صدارته حضوراً وتفاعلاً، سيطرت الذكريات القديمة للشاعر الذي عاش في قطر في الخمسينات، على الأمسية، وفرضت "أيام الصبا" والدراسة حتى المرحلة الثانوية التي قضاها الشاعر في الدوحة، وجودها على مشاعره ووجدانه ولغته المشحونة بنبض الوفاء، فغنى للدوحة وتغنى بها بكلمات "لحن الخلود" و"عليك سلام الله يا قطر" فأثار أشجاناً وحرك أحاسيس وأهاج كوامن الحب والعناق الحميم. وقال الشاعر عن قطر إنها "بلدي ومرتع صباي فشكراً للشعر الذي أتاح لي فرصة العودة بعد 40 سنة لم تسمح لي فيها أشغال السياسة والاقتصاد والبترول" برؤيتها. وقدم الشاعر في الأمسية أيضاً قصيدة "أم البنات" وهي قصيدة، كما قال في مؤتمر صحافي أمس، ترمز الى عقد اجتماعية في الخليج يريد معالجتها بالشعر مثلما عالجت به أموراً بترولية". وقال: "أم البنات تحتج علي دائماً وتقول لي إنني استخدمتها في بعض الأمسيات فأقول لها إنني أستخدمها كرمز لمعالجة قضايا اجتماعية". ومثلما حمل شعره الناس الى آفاق الكلمة العاشقة بعمق للناس والأرض والتاريخ، حملت رؤاه في شأن "أم البنات" رسالة الى المرأة الخليجية التي تسارع صيفاً الى حمل حقائبها الى أوروبا ودعاها الى السفر الى السعودية أو قطر أو الكويت أو دبي، "فهناك العمرة وطقس الطائف والتسوق في الدوحةودبي وغيرها". وكانت له رسالة أخرى هي التأكيد على مكانة المرأة في شعره، فهي "أم الرجال"، وعبر في هذا الإطار عن سعادة بالدور الذي تلعبه حالياً المرأة في قطروالإمارات ودول خليجية أخرى. كما وجه الشاعر رسالة لوم الى وزراء الإعلام العرب بسبب "التقصير الإعلامي تجاه شعرائنا" وقال: "أنا لا أشتكي شكوى تخصّني، فأنا لا أحتاج الى اهتمام من أحد، لكن عدداً كبيراً من الشعراء والخامات الشعرية لا تجد التشجيع الكافي". وتحدث العتيبة بروح "بترولية" عن دور القصيدة في مجال النفط، وقال: "اكتشفت أن البترول مادة خصبة للشعر ووجدت فيه متنفساً ومرونة". وحكى قصة ديوان "قصائد بترولية" وكيف لعبت إحدى قصائده دوراً في حل خلاف عندما عقد اجتماع قبل سنوات في لندن لمناقشة حصص الإنتاج، وأضاف أنه كتب آنذاك قصيدته البترولية الأولى "ووجدت تجاوباً سياسياً وإعلامياً". وكان للشيخ زايد بن سلطان مكانة في حديث مانع العتيبة الصحافي، وسئل عما إذا كان الشيخ زايد يستشيره في الشعر فرد بقوله: "إنا أستشير الشيخ زايد وهو شاعر وصاحب ذوق وله ملاحظات آخذ بها في الشعر الفصيح". كما تحدث عن علاقته بعدد "من عمالقة الغناء العربي" وبينهم أم كلثوم، ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم وغيرهم، ثم "أخيراً كاظم الساهر الفنان الكبير"، وكانت أهم دعوة أطلقها العتيبة في الدوحة، الى ضرورة إحداث توازن في مجال الأغنية بين النص الفصيح والنص المحلي الدارج، وهو الذي أفاد أنه كتب 32 ديواناً بالفصحى و21 بالنبطي. ماجدة الرومي: ظاهرة الكليب مؤلمة وأكدت الرومي ان "السينما في شكلها التجاري لا تستهويني". مشيرة الى أن الفنان الكبير يوسف شاهين عرض عليها فيلمين وشعرت أنهما لن يضيفا الى ما عملته، وتمنت أن تلتقي يوسف شاهين "الذي هو أب روحي وأحفظ له مكانة كبيرة". وقالت إن "الفيلم الوحيد الذي نعمل به حالياً مع الفنان أحمد زكي الذي يمر الآن في ظروف صعبة وأتمنى له الشفاء العاجل". وفيما وصفت ظاهرة الفيديو كليب بأنها مؤلمة، قالت: "نحن ملتزمون بعادات وتقاليد مجتمعنا العربي الذي لا يسمح بهذه الظاهرة"، وانتقدت عمليات "التسطيح"، وأكدت أن الفنون هي "جبهة دفاع أولى عن أنظمتنا العربية"، ورأت ان الفن الاستهلاكي و"تسخيف الفن العربي هو جزء من المؤامرة على العالم العربي"، ونددت ب"شركات الإنتاج التي تروج لهذا النوع من الفنانين". ووجهت التحية الى قطر لتنظيمها مهرجاناً ثقافياً، وأضافت: "أقول لهم للقطريين إنكم من خلال المهرجان تدافعون عن العالم العربي وأجيالنا القادمة لأن لا شيء يوقف الحركة الاستهلاكية سوى تعديل الكفة بين الفن الملتزم وبين الفن المبتذل والاستهلاكي". وقالت إن ألبومها الجديد سيضم "أغاني أحبها وأجمل ما غنيت في حياتي على الإطلاق". وأعلنت أن "الأغاني القصيرة هي اتجاهي"، وعزت ذلك الى "أن إيقاع الزمن تغير وهو زمن الأغنية التي لا تتخطى أربع دقائق، وأن الأولوية حالياً للإعلام المرئي الذي له شروطه ومتطلباته وللأسف طغى التلفزيون على الراديو". وسألتها "الحياة" عما إذا كانت حال الانحطاط الفني والأغنية الاستهلاكية التي انتقدتها هي نتاج نظام سياسي عربي مستبد يعمل على نشر الفن المنحط، فقالت إنه "توجد أنظمة معتدلة"، وأضافت إن العرب "يتعرضون لضغوط وتحجيم ولا يخيفني ما يحدث في السياسة بل تخيفني قصة التحجيم في كل مكان لخدمة غايات معينة، ونأمل بأن يكون الله في عون حكامنا، وصدقني إنهم لا يحسدون على المركب الذي يسوقونه في هذا الوقت". وقالت: "إنني أدعو الله وأصلي من أجل أن تسلم الدول العربية من هجمة شرسة، وأوضح مثال ما تعرض له العراق والجزائر ولبنان وفلسطين". وعبرت عن اعتزازها بالحضارة العربية و"هذه الأرض، أرض الرسالة". وقالت: "نحن نتعرض لعملية حصار والله معنا". وأقرت أيضاً بوجود "أنظمة مستبدة".