"التعليم، التعليم، التعليم" هو الشعار الذي رفعه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في حملته الانتخابية التي اوصلت العماليين الجدد الى السلطة في أيار مايو 1997. ولكن بعد نحو 7 سنوات من تبوء بلير منصبه، جاءت نتائج اصلاحاته التربوية مقلقة. فارتفع عدد المدارس الحكومية المخالفة للمعايير الرسمية الى 25 في المئة العام الماضي، فيما بقيت المدارس الابتدائية على حالها من دون ان تتقدم كما في السابق. وقال وزير التربية المسؤول عن وضع معايير المدارس دايفيد ميليباند في كلمة ألقاها خلال مؤتمر عقد في لندن في 11 شباط فبراير الجاري، ان الحكومة بحاجة الى النظر في سوء اداء قطاعها التعليمي. وفي الوقت نفسه اثنى ميليباند على توظيف 25 الف مدرس و90 الف موظف اداري في القطاع المدرسي منذ ان جاء حزب العمال الى السلطة عام 1997. ونوّه ميليباند بقرار الحكومة اعلان بعض المدارس الحكومية "مدارس متخصصة"، وهي التي تستوفي شروط "المنهاج الوطني"، وتشدد على اختصاصات معينة تختارها من فئة التكنولوجيا او اللغات او الرياضة او الفنون او الهندسة او الموسيقى او الانسانيات. ولكن ميليباند اوضح ان واحداً من 4 تلاميذ في عمر الحادية عشرة لا يزال يجد صعوبة في القراءة والكتابة وحل المسائل الرياضية لدى انتهائه من المرحلة الابتدائية. لذلك شدد بلير في حملته الانتخابية الحالية على قضية التعليم، فأعلن في 12 الجاري ان مبلغ 40 بليون جنيه استرليني ستخصص لتجديد مباني المدارس الثانوية الموجودة، وبناء مدارس جديدة. ولكن تأمين بنية تحتية جديدة لا يشكل سوى جزء بسيط من عملية الاصلاح التعليمي الشاملة. فالهدف الابرز لبلير وحكومته يبقى في مساعدة الجيل الجديد على الافادة من طاقاته الى اقصى الحدود، لرفع تحديات القرن الحادي والعشرين التي تواجه بلادهم على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. والتحضيرات لمناهج جديدة لأعمار 14 و19 عاماً جارية. وفي النظام الحالي ينال التلامذة شهادة الثانوية في عمر السادسة عشرة، ويمضون آخر سنتين يكدسون علامات "أ" في ثلاث مواد على الاقل ليتم قبولهم في الجامعة. ويقول المنتقدون ان نظام التعليم البريطاني محدود جداً ومتخصص. ولاعطائه زخماً اكبر، اقرت "تعديلات 2000" التي ادخلت على مناهج العام 2000، والتي تسمح للطالب بتقسيم المواد الواجب حصوله فيها على معدل "أ" على سنتين، فارتفعت اعداد الطلاب الذين يحصلون على علامة "أ"، ما افقدهم ثقة الجامعات. وصعق الجميع عندما اعلنت ثماني جامعات عن وضع امتحانات دخول خاصة بها لاختيار طلاب اختصاصات معينة كالحقوق مثلاً ضاربة عرض الحائط بمعدلات "أ". وكانت جامعات مثل اوكسفورد وكامبريدج تطبق هذا النظام على اختصاصي الطب وطب الاسنان. ووجدت "لجنة المتابعة والاصلاح 14- 19" ان التلميذ في المرحلة الثانوية يبذل جهداً كبيراً للحصول على معدلات عالية تخوله دخول الجامعة، مركزاً على حفظ المعلومات بدل استيعابها وفهمها. واحياناً يتم ذلك على حساب تعلم مهارات اخرى. وبناء لتوصيات اللجنة، ستعتمد الشهادات الثانوية التي تغطي مختلف الاختصاصات في شكل يسمح للتلامذة بالتحضير لاختصاصاتهم المستقبلية، من دون مبدأ علامة "أ". الا ان التجمع الصناعي البريطاني رفض هذا المبدأ، لأنه يقوض اسس نظام تعليمي يحترمه ارباب العمل. والاسوء انه قد يلهي الشباب في هذا العمر الحساس عن امور لها الاولوية. كذلك ابدت بعض المدارس الخاصة امتعاضها من نظام "البكالوريا المتعددة" ودعت الى ترسيخ فكرة المستوى "أ" من خلال "امتحانات اكثر وأصعب". ودخل "المنهاج الوطني" الى المدارس الابتدائية والثانوية بين 1989 و1996 في ظل الادارة المحافظة، وكان الزامياً في كل مدارس انكلترا وويلز وايرلندا الشمالية، باستثناء اسكوتلندا. وترافق المنهاج مع امتحانات رسمية، وتضمن مواد الزامية للتلامذة من عمر 4 الى 16 عاماً هي اللغة الانكليزية والرياضيات والعلوم والتكنولوجيا والمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات والتاريخ والجغرافيا والموسيقى والفنون والرياضة البدنية. وأدخلت في المرحلة الثانوية اللغة الاجنبية ومادة المواطنية في العام 2003، وهي لا تزال موضع نقاش وأخذ ورد حول كيفية تدريسها. ويفرض القانون التعليم الديني في كل المراحل الدراسية والتوعية الجنسية، الا انه يبقى من حق الاهل سحب اولادهم من هذه الصفوف. ومنذ العام 2002 اصبح في امكان التلامذة بين 14 و16 عاماً التخلي عن صفوف الرسم والتكنولوجيا واللغات الاجنبية، وهو ما اثار اعتراض سفراء فرنسا واسبانيا والمانيا، الذين اعتبروا ان تعلم لغة اجنبية ضروري في هذه السن. ويتخوف المراقبون من ان يؤدي المنهاج الوطني في المدارس الابتدائية الى نظام دراسي شديد للغاية. فمع التركيز الشديد على المواد العلمية والسعي الى الحصول على علامات مرتفعة فيها، يلوح خطر اهمال المواد الاخرى كالرسم والموسيقى، وهي مواد يتفق الاهل والمدرسون على انها اسياسة في تكوين اولادهم. كذلك يمضي الاولاد وقتاً اقل في ممارسة الرياضة، ما ينتج مضاعفات صحية، ابرزها السمنة الزائدة. وحذر مسؤول مكتب المعايير دايفيد بلان من أن المناهج "صارمة جداً" وتركز على مادتي الرياضيات واللغة الانكليزية. وأكد أن من الضروري ان تكون مروحة المواد المهمة "واسعة ومتنوعة"، قائلاً: "اولادنا لا يستحقون مناهج بهذه القسوة".