عادت أخيراً فرقة "رم" الموسيقية الأردنية إلى تقديم أمسياتها المحلية، بعد انقطاع عنها دام نحو عام، في حفلة أقيمت مساء أول من أمس على "مسرح الأوديون" القريب من المدرج الروماني وسط عمان. والفرقة التي تأسست عام 1998 امتداد لفرقة "بترا" الموسيقية الأردنية، وتعد الوحيدة تقريباً التي استطاعت ترسيخ اسمها في مجال الموسيقى الصرفة محلياً، وهو مجال لم يدخل معتركه أحد... ربما. أما طارق الناصر قائد الفرقة التي تكونت أمس من واحد وعشرين عازفاً، فهو من الموسيقيين الأردنيين القلائل الذين استطاعوا وضع بصمة لهم على نطاق إقليمي أوسع، إذ ألف موسيقى تصويرية لأكثر من مسلسل درامي عربي وسوري مثل "الجوارح" و"يوميات مدير عام" و"أخوة التراب" وسواها، وقدم مشاركات كثيرة مع فرقته في غير مهرجان عالمي، تراوحت بين لبنان وإيطاليا، على مدار الأعوام الستة التي تشكل عمر هذه الفرقة الموسيقية. ربما يستقي الناصر موسيقاه من المكان الأردني، بعيداً من ذلك الغزل المكرر بالوطن. فهو لم يختر تلك المناطق الخضر أو المناطق المائية كمكان جميل في الأردن يستقي منه عالمه الموسيقي، بقدر ما هو متأثر بذلك المناخ الصحراوي الناشف وفضائه الصوتي المقارب للصدى. حتى اسم الفرقة الذي أخذ من منطقة "وادي رم" القريب من مدينة البتراء الأثرية ذو علاقة بالمكان الصحراوي. فذلك الوادي الواقع إلى الجنوب من المملكة يتميز بجباله الوردية المتناثرة وسط رمال الصحراء، وكأنه تلك الارتفاعات والانخفاضات في درجات السلم الموسيقي عند ألحان الناصر وفرقته، على أن هذا الصمت الموحي بالموسيقى لا يعيق الناصر عن تأليف أغاني وتلحينها، أو تلحين مقاطع شعرية لشعراء عرب مثل اللبناني حسن العبد الله. فحتى الصحراء مكان جيد للكلام، وإن ذهب في كثير من الأحيان أدراج الرياح. قد يبدو نزوع الناصر وفرقته نحو العالم الموسيقي بعيداً من رغبات الشباب الأردني المتعطش إلى عالم الأغاني أكثر، لكنه في واقع الأمر يبدو جاذباً لأولئك الباحثين عن التميز حتى في نوعية فنانيهم المفضلين وما يقدمه لهم هؤلاء. فالحاضرون إلى المدرج الصغير لا يبدون متناسقين مع رواد منطقة وسط البلد الشعبية. لذلك لا بد لك من الاستغراب ولو لهنيهة عن سبب مجيء "هؤلاء" إلى هذه المنطقة. لكن موسيقى الناصر تبدو جواباً مفحماً، بخاصة عند دخول المعزوفات التي تعتمد على الصوت البشري في تلوينها. قد لا يبدو هذا المدرج الصغير وسط عمان مكاناً ملائماً لتجمع كهذا، لكنه أحد أفضل الأماكن في العاصمة لمتابعة سهرات غنائية وموسيقية قليلة أصلاً. فجو المدرج قريب من أجواء مهرجان جرش، وحجمه الصغير لا يشعرك بأن عدد الحضور قليل. المهم في النهاية أن يستمع الجمهور إلى موسيقى مختلفة وبعيدة من هذه الأجواء التي لا تبقي المجال لسماع شيء "آخر". يذكر أن فرقة "رم" ستشارك في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي يفتتح بعد أيام بتقديم حفلتين، بعدما اختيرت من جامعة الدول العربية سفيراً للموسيقى العربية في المعرض الذي تحل الدول العربية عليه ضيف شرف.