تدخل منافسات مونديال كرة القدم المقررة من 31 أيار مايو الى 30 حزيران يونيو المقبلين في كوريا الجنوبيةواليابان عالماً مختلفاً من الانفعالات والاحاسيس وأساليب التعامل مع روح الاثارة الكبيرة فيها لم تتوافر في أي من النسخات ال16 السابقة. ويفرض ذلك واقع الاحتكاك بطباع شعبين غارقين في التقاليد ومقيدين بردود فعل محددة تجاه العالم الخارجي، ما يجعل هذا الاستحقاق مناسبة فريدة لتبادل اكتشاف هوية الآخر بين منتخبات الدول ال32 المشاركة كلها. ونلمح في مقدم مظاهر العالم المختلف في اليابان تحديدًا تشكيل السيدات نسبة 60 في المئة من المشجعين، ما يغيّر كلياً هوية اللعبة الشعبية الاولى في العالم لجهة اقترانها بخشونة المشجعين من فئة الرجال ذوي العصبية المطلقة، التي تجسدت غالبًا في الملاعب العالمية عبر انتشار "الهوليغنز"، الذين أسهموا في تشويه صورة اللعبة وإبعادها أحياناً عن روح التحدي الشريف. واللافت أن ملجأ المشجعين من فئة الرجال من أجل تكريس حماستهم للعبة وصولاً الى التصرفات الخشنة الخارجة عن إطار الاخلاق تمثّل في ألعاب الفيديو الخاصة بهذه الرياضة، حيث أوجد عنصر الخيال التفاعل الاكبر بعيدًا من الملاعب الصاخبة التي لا يملك فيها المتفرج مقومات التحكم بأساليب اللعب ونتائج المباريات. وإذ تسود مدرّجات ملاعب المباريات والتدريب على السواء رؤوس السيدات المزيّنة بالألوان كلها، ووجوههن المبهرجة، إلا أن غالبيتهم لا تملكن أي معرفة بقواعد اللعبة، ما يعزز صورة انفعالهن الشديد مع رموزها من المدربين، وفي مقدمهم بالطبع "الساحر الابيض" فيليب توسييه، الذي يشرف على المنتخب، والنجوم اللاعبين من أمثال ناكاتا وأونو وسواهما. ويخضع الانفعال لمعايير تحديد درجة الرجولة في هذه الرموز انطلاقاً من قاعدة التقويم الاكثر بساطة حول الاقوى والاضعف من دون التطرق الى تعقيدات القدرات الفنية والادوار التي يضطلع بها اللاعبون على أرض الملعب. وهنا يمكن القول إن احتضان اليابان استحقاق المونديال سيجعل قاعدة التقويم بالنسبة إلى المشجعات المحليات أكثر اتساعًا، وبالتالي سيزيد اهتمامهن بمتابعة المباريات ميدانيًا، وهو ما ظهر جليًا من خلال محاولة 15 مليون سيدة شراء بطاقات المباريات لحظة طرحها في الاسواق قبل أشهر عدة. في المقابل، لا تواكب الكوريات الجنوبيات مظاهر الحماسة الكبيرة للمنافسات. ولا يتمتع مدرب منتخبهن الهولندي غوس هيدنك بالتالي بشعبية نظيره تروسييه في اليابان، والتي تبلغ حد جعل الاخير أسطورة حقيقية حيث يتدافع المئات أثناء خروجه صباحاً من محطة المترو، وتنتشر صوره العملاقة في العاصمة طوكيو. ولا بد من الاشارة إلى أن هيدنك حاول عبثًا استمالة الكوريين جميعهم الى شخصه في الفترة الاخيرة، تمهيدًا لزيادة اهتمامهم بالمنافسات عمومًا عبر تكرار تفاؤله بمسيرة المنتخب، وتأكيد ثقته بخياراته التكتيكية من أجل تعويض نقص خبرة اللاعبين. وهو تلقى ضربة موجعة إثر التجربة الفاشلة للمنتخب في مسابقة كأس القارات العام الماضي، حين مُني بهزيمة ثقيلة أمام فرنسا صفر-5. وعلى رغم النظرة التشاؤمية الى واقع الاهتمام الكوري الضئيل بالمنافسات، إلا أنها تحمل في طياتها بذور مظاهر العالم المختلف الذي ستعانيه المنتخبات المشاركة بدءًا من أيار المقبل. ويتمثل ذلك تحديدًا في أسلوب تشجيع كوكبة أنصار المنتخب الكوري والمرتكز على نمط التهليل المستمر في المباريات احتفاءً بمتعة التواجد في المدرجات والاستمتاع بالعروض الفنية المقدمة على أرض الملعب بغض النظر عن النتائج. وهو يستكمل بالايقاع ذاته سواءً أكان المنتخب متقدماً 4-صفر، أو متخلفاً صفر-5. ويخلو هذا التشجيع من أي عبارة نابية توجّه الى لاعب أو حكم او إداري، أو اعتراضات غاضبة، ما يعكس ميزة روح الاخلاق العالية فيه. ونذكر من مظاهر العالم المختلف في البلدين المضيفين الروائع الهندسية للملاعب العشرين المشيدة بالتساوي فيهما، ما سيوفر حافزًا إضافيًا لاستقطاب المشاهدين عبر شبكات التلفزيون العالمية، نتج تحديداً عن التحديّات الكبيرة التي رفعت بين اللجنتين المنظمتين حول توفير مستلزمات الاستضافة الاكثر تكاملاً. عقبات "اجتماعية" وسيختلف عالم المنافسات أيضًا على النجوم العالميين لجهة عدم احاطتهم بأضواء الشهرة الكبيرة، نظرًا الى قلة معرفة اليابانيين والكوريين الجنوبيين بهم، باستثناء الفرنسي زين الدين زيدان والانكليزي دايفيد بيكهام. ولا يُستبعد بالتالي أن يواجه اللاعبون مشكلات في الاحتكاك بالمواطنين خارج الملاعب، علمًا أن الاخيرين اعتادوا أخذ حذرهم من الاجانب عمومًا، في حين يجهش الاطفال بالبكاء غالبًا لدى رؤيتهم إياهم. وربما عانى اللاعبون والقيمون على المنتخبات أيضًا من مشكلة عدم التأقلم مع ازدحام السير الحاد، والتكلفة الباهظة للتنقلات في التاكسي، والتي يمكن أن تبلغ 30 دولارًا لمسافة 30 كيلومترًا. ومن المشكلات المتوقعة أيضًا عدم إجادة قراءة تعليمات الطرقات المكتوبة بالاحرف اليابانية والكورية فقط، واستحالة استعمال بطاقات الائتمان، باعتبار أن الاجهزة الخاصة بها تعتمد مفاتيح تحكّم باللغتين المحليتين، وعدم استعمال الرقم أربعة في المصاعد كونه يجلب النحس. وعلى رغم هذه العقبات "الاجتماعية" يُستبعد انغلاق اللاعبين ومرافقيهم في حجرات معسكراتهم وفنادقهم، فالجميع متعطش لاكتشاف نمط حياة البلدين، اللذين يعمل غالبية سكانهما 49 ساعة أسبوعيًا، وتذوق طبقيهما الرئيسين "الكيم شي" "والبولغوغي".