سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يشارك في الإعداد لمؤسسة جديدة في إطار جامعة الآغا خان . عبده الفيلالي الأنصاري ل"الحياة": المعهد الجديد سيكون في لندن وسيدرس المسائل التي تواجه المسلمين من منطلق علمي
ألقى مدير مؤسسة الملك عبدالعزيز للدراسات الاسلامية في الدار البيضاء، المفكر المغربي البروفسور عبده الفيلالي الأنصاري، قبل أيام محاضرة في لندن عنوانها "ثقافة المجتمع المدني في المنطقة المغاربية" وذلك في اطار سلسلة المحاضرات التي تنظمها "مؤسسة الدراسات الاسماعيلية" حول المجتمعات الاسلامية المعاصرة. وتوجه الأنصاري بعد ذلك الى جنيف للمشاركة في اجتماعات لجنة تحكيم "جائزة الأغا خان للعمارة الاسلامية" التي ستعلن جوائزها في الخريف المقبل، كما يعمل حالياً على مشروع معهد جديد تابع لجامعة الآغا خان من المقرر ان يفتتح السنة المقبلة في العاصمة البريطانية. "الحياة" التقت الانصاري وحاورته حول هذه المواضيع: أنتم تعملون على مشروع معهد جديد يهدف إلى تناول القضايا المعاصرة من منطلقات مختلفة، فما هي أبعاده؟ - هذا المشروع ستكون له أهمية كبرى بالنسبة الى المسلمين وغير المسلمين، وهو مشروع انشاء معهد جديد يدرس المسائل التي تطرح نفسها علينا اليوم - سواء كمسلمين أو غير مسلمين - من منطلق علمي متفتح يأخذ في الاعتبار المكتسبات البشرية في ميدان أدوات البحث العلمي والمفاهيم الفلسفية والفكرية الأساسية، ويذهب الى التاريخ للتعاطي مع موارد وأسس الافكار والمؤسسات والمسلسلات التاريخية التي طبعت مجتمعات المسلمين. والواقع ان فكرة المعهد تقوم على مقاربة جديدة لعدد من المشكلات الاساسية المعاصرة، وترمي الى المساهمة بشكل ايجابي في تطوير النقاش والمعرفة حول هذه المسائل بشكل يسمح لنا بأن نتفاهم في ما بيننا كمسلمين، وكذلك بين المسلمين وغيرهم. وإلى أين وصلتم في هذا المشروع؟ - التصور الكامل موجود الآن، وهو قيد الانجاز الذي لا أظنه سيكون بعيداً. فالبحث حالياً جار عن مقر في لندن، وكذلك العمل على اختيار مدير له وطاقم وظيفي وتعليمي محترف. وماذا عن تركيبته الوظيفية، هل ستكون من المسلمين فقط؟ - لا، بل ستكون مفتوحة. أهم شيء في الاختيار هو أولوية النظرة العلمية والكفاية بالنسبة الى أي اعتبار آخر. فنحن نريد لهذا المعهد أن يتناول هذه المشكلات والمسائل من منظور جديد فيه الكفاية أولاً وفيه الجانب الاخلاقي ايضاً الى جانب الاحساس بأن هذه المسائل تهمنا كبشر وانها اساسية وليست فقط موضوعاً للبحث المجرد، بل هي أمور تحدد مسار مجتمعاتنا كلها ومستقبلها. ما هي الأدوات التي ستستخدمونها لتحقيق هذه الغايات: محاضرات، كتب، وما شابه؟ - هناك أدوات جديدة مثل استعمال التقنيات الحديثة كالانترنت مثلاً لتعميم المعرفة والاتصال بين عالم البحث العلمي والجمهور الواسع، وهذا شيء مهم جداً إذ ما زال هناك نوع من الانفصام بين الاعمال العلمية الكبرى المكتوبة بلغات عدة وبين الرأي العام. هناك ايضاً وسائل اخرى منها ربط الاتصال بين المسلمين وغير المسلمين المنتشرين في بقاع واسعة. فعلى سبيل المثال، ان ما يجري في ايران غير مدروس وغير معروف بشكل كاف عندنا في المنطقة المغاربية. اذاً هناك حاجة الى ربط الاتصال بين فئات مختلفة من الدارسين والباحثين والمفكرين من دون اي اعتبار للغة أو الاقتصاد أو أي اعتبار آخر، بهدف اقامة حوار من نوع جديد وبناء مسلسل تراكمي جديد. هل تعتبر هذا المعهد جزءاً من حوار الحضارات المطروح حالياً، ام انه منهج آخر مختلف؟ - المعهد يحاول الوصول الى النتائج نفسها بوسائل أفضل. حوار الحضارات فكرة مبنية على أساس ان الحضارات هي اشياء منفصلة وكأنها عوالم لا يعرف احدها الآخر، وانما هي تحتك وتتصادم فقط. فكرة المعهد هي انجاز حوار بين مجتمعات وثقافات مختلفة، حوار حي وبناء وفق تسلسل تراكمي. أين تضع هذا المعهد في سياق مؤسسات الأغا خان المتنوعة صندوق التنمية، جائزة العمارة، المدن التراثية، الجامعة؟ - هذا المعهد سيكون جزءاً من جامعة الآغا خان الموجودة في كراتشي، اي انه سيكون معهداً جامعياً في لندن تابعاً للجامعة الأم في باكستان. وهو سيطبق برنامجاً تربوياً تعليمياً على مستوى جامعي رفيع، وسنحاول اعتماد المعايير الجامعية ذات المستوى العالمي. والمعهد سيضع مناهج جديدة للتربية والتعليم في هذه المجالات، إضافة الى طاقم من الاساتذة والاكاديميين والباحثين. واظن ان انطلاقة المعهد ستكون في بداية السنة المقبلة، ومن المفترض ان يجري خلال السنوات الثلاث الأولى وضع أسس نظام تربوي متكامل لهذا المعهد الجامعي. جائزة العمارة... قريباً ستتوجهون إلى جنيف للمشاركة في اجتماعات لجنة تحكيم جائزة الآغا خان للعمارة الإسلامية، فإلى أين وصلتم في هذا المجال؟ - عقدنا حتى الآن جلستي عمل: الأولى تتولى عملية الفرز الأولي، أي اختيار مجموعة من المشاريع التي يبدو ان لها أهلية لأن تحوز على الجائزة، وتطلب اللجنة معطيات اضافية عن كل من هذه المشاريع. وفي جلسة العمل الثانية نستمع الى الاجوبة على ما طلبته اللجنة في جلستها الأولى. ونحن الآن على أبواب القرار الذي سيتخذ لتحديد الفائزين في أواخر الأسبوع المقبل. ما هو تقويمك للمشاريع المشاركة في الدورة الحالية؟ - سيكون من الصعب جداً الوصول الى نتيجة، لأن عدد المشاريع الجيدة المشاركة في المسابقة كبير. وهذا أمر استثنائي اعترف به المنظمون انفسهم، فهم يرون ان هناك كماً ضخماً من المشاريع المشتركة في هذه الدورة ومن ضمنها أفكار جديدة لم يسبق ان طرحت في السابق، ولذلك فإن الخيار سيكون صعباً جداً. تشارك للمرة الأولى في لجنة تحكيم جائزة الآغا خان للعمارة الاسلامية، فكيف تصف هذه التجربة؟ - كانت تجربة مضنية لأنها تتضمن بذل جهود كبيرة ومتابعة شاملة، ولكنها في الوقت نفسه غنية لأنني تعلمت منها الشيء الكثير. المجتمع المدني والمجتمع الأهلي القيتم محاضرة في لندن عن المجتمع المدني في المغرب العربي الكبير، فهل يمكن ايجازها؟ - موضوع المحاضرة هو المجتمع المدني في المنطقة المغاربية العربية، وقد انطلقت في ذلك من نظريتين متعارضتين تعارضاً تاماً، الأولى لأرنست غيلنر والأخرى لوجيه كوثراني المؤرخ اللبناني المعاصر. غيلنر يقول إنه في أي مجتمع وجد الاسلام، هناك استحالة تامة لوجود مجتمع مدني لأن المجتمع المدني مبني على فكرة ان المجتمع هو الذي يقرر مصيره وهو الذي يؤسس لنفسه ويقنن ويرتب وينظم، بينما بالنسبة الى المجتمعات التي يتحكم فيها الاسلام سواء في الافكار أو في القوانين والشرائع، فإن هذه الاحكام كلها تأتي من الله، أي أنها شرائع سماوية. أي أن هناك تعارضاً تاماً: المجتمع المدني وجد في أوروبا ثم أخذ ينتشر في كل بقاع العالم ما عدا المجتمعات التي يوجد فيها الاسلام. لكن وجيه كوثراني يقدم نظرة جديدة في ما يتعلق بالمجتمع المدني، وهذه المقولة نشرت أولاً في جريدة "الحياة" قبل ان تصدر في كتاب، فقد لاحظ أولاً وجود مقولة ان المجتمعات القديمة كانت محكومة بما سماه الدولة السلطانية، وان مؤسسة هذه الدولة هي كل شيء، بينما اذا نظرنا الى الواقع الآن لوجدنا ان المؤرخين المعاصرين يظهرون ان الدولة السلطانية كانت مؤسسة ضعيفة نسبياً أي انها أقل قوة مما كنا نتصوره، وان المجتمع كان محكوماً بعدد من المؤسسات التي انبثقت منه مثل مؤسسة الأوقاف التي لم تكن مجرد إدارة لأملاك دينية، بل كانت تقوم بدور مهم في تسيير المرافق العامة في المدن. وبالتالي كان هناك، كما سماه كوثراني، المجتمع الاهلي الذي يحتضن مؤسسات وتنظيمات تسمح له بأخذ زمام المبادرة، بينما كان الحكم وجوداً سطحياً لا ينفذ الى ثنايا المجتمع. ولذلك فإن تجربة المسلمين في هذا المجال تجعلهم قادرين على انشاء مجتمع مدني. هاتان النظريتان هما اللتان تناولتهما في محاضرتي، فقد عرضت لما هو عليه الواقع وقلت انه اذا نظرنا الى ما حدث في المغرب العربي فسنلاحظ انه منذ الاستقلال برزت الدولة الحديثة وهي مختلفة جداً عن الدولة السلطانية، لأنها تتحكم بالتراب الوطني بشكل مكثف وكذلك بالسكان. والأهم من كل ذلك انها كانت دولة ذات أهداف محددة تقوم على تحديث المجتمع وتحقيق النمو الاقتصادي وتغيير الأوضاع ليس على المستوى المادي أو المستوى الثقافي فحسب، وانما تتناول المجتمع بشكل قوي وتريد ان تفرض عليه برنامجاً للتنمية والتقدم، تماماً كما حاول مصطفى كمال اتاتورك في تركيا، اي ان تجبر المجتمع على السير في اتجاه معين. لكن هذه الدولة توقفت من دون ان تصل الى غايتها، ولم يحدث لها ما حدث لدول جنوب أوروبا مثل اسبانيا التي انجزت برنامجها في اقامة البنى التحتية وتحديث المجتمع وتطوير الاقتصاد. فالدولة الحديثة في المنطقة المغاربية توقفت في منتصف الطريق بسبب مجيء العولمة، لأنها لم تعد قادرة على المضي في برامجها نظراً الى تراجع الامكانات المالية. والذي يحدث الآن ان هذه الدولة أخذت تنسحب من ميادين الصحة والتربية الوطنية وغير ذلك. وهذا الواقع فتح فضاء للعمل الاجتماعي مما أتاح المجال لظهور جمعيات كثيرة تنشط في اعمال كان من المفترض ان تتولاها الدولة. والواقع ان تغيير المجتمع الآن اصبح في يد جماعات تنشط في اطار جمعيات ما يسمى بالمجتمع الاهلي، اي ان المجتمع المدني لم يأت من الباب بل جاء من النافذة. من هي القوى التي ستغطي هذا الفراغ أو الفضاء الذي اشرتم اليه؟ - ان أول من توجه الى هذا المجال هم الجماعات اليسارية التقدمية سابقاً، لكنهم الآن تنازلوا عن حلم الشيوعية والاشتراكية أو تغيير المجتمع بالطرق السياسية، وراحوا ينشطون في المجتمع المدني من خلال انشاء جمعيات متنوعة تدافع عن حقوق النساء والاطفال وحقوق الانسان والبيئة والمناطق الريفية الخ. ولكن أطلت على الساحة ايضاً قوى اخرى، الى جانب النخب الحداثية التي اشرنا اليها اعلاه، هي قوى اصولية ربما تعود في أصولها الى البادية أو الريف أو الطبقات غير الميسورة في المدن. وهذه النخب تستخدم كذلك وسائل المجتمع المدني والعمل الجماعي للتحرك داخل المجتمع وتأطيره وفق نظرة اصولية. ويوجد الآن تنافس بين النخب، كما يقول عابد الجابري، من اجل استقطاب المجتمع. وهكذا فإن تراجع الدولة وبروز هذه القوى المتنافسة ربما سيدخلنا في مسلسل جديد هو التناوب، ليس بالمعنى السياسي الضيق كما بين الاحزاب في بريطانيا على سبيل المثال، وانما نوع من التناوب أو الصراع الذي قد يؤدي لاحقاً الى الانتقال الديموقراطي. لكن هل تعتقد بأن هذا التناوب يمكن ان يؤدي الى مرحلة صدامية؟ - لقد وصل بالفعل الى مرحلة صدامية كما حدث في الجزائر. وهناك تخوف بالنسبة الى تونس والمغرب. ولكن هناك ايضاً امكانات في ان يتحول الى مواجهة سياسية من خلال احزاب - بالمعنى التقليدي - تتنافس على السلطة وتتداول الحكم في ما بينها. وربما كانت الحالة الصدامية مرحلة موقتة، وسيأتي وقت يدرك الناس ان هناك وسائل اخرى اكثر نجاعة من القتال.