في قاعة العرش في قلعة حلب التاريخية، وبرعاية الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد وفي حضور رئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى ميرو، قام الزعيم الروحي ال49 للشيعة الاسماعيليين الأمير كريم آغا خان مساء امس، بتوزيع مكافآت الدورة الثامنة من جائزة "الآغا خان" للعمارة. وتعتبر جائزة "الآغا خان" الاكبر في العالم إذ تبلغ قيمتها500 ألف دولار أميركي تُوزع كل ثلاث سنوات منذ العام 1977 على تسعة مشاريع عمرانية يرشحها 800 مندوب ل"مؤسسة الآغا خان"، وتختارها لجنة تحكيمية يترأسها الأمير آغا خان. ويشترط في الجائزة ان تكون مصممة لاستخدامها من جانب المجتمعات والجاليات الاسلامية ولو بصورة جزئية. وذهبت الجائزة الخاصة الى المعماري السري لانكي جيوفري باوا "اعترافاً بالاسهامات التي قدمها طوال حياته في مجال العمارة"، اما المشاريع التسعة التي نالت الجائزة فهي "حياة جديدة في مبان قديمة" مواقع مختلفة في ايران و"قرية ايت اكتل" عبادو، المغرب و"المعماريون الحفاة" تيلوينا، الهند و"مدرسة كاهيري ايلا الزراعية لتربية الدواجن" كوليابيه، غينيا و"متحف النوبة" مصر و"قرية الاطفال" العقبة، الاردن و"مركز اولبيا الاجتماعي" انطاليا، تركيا و"باغ فردوسي" طهران و"فندق داتاي" بولاو لانغكاوي، ماليزيا. ولا تقتصر هذه الجوائز على "التميز في الفن المعماري" فحسب بل "ان محورها الرئيس الانسان" كما يقول الأمير آغا خان موضحاً "ان مشاريع المؤسسة ستعمل على الاهتمام بالانسان القاطن في المكان التاريخي قبل الاهتمام بالمكان وترميمه، فالأحياء القديمة في حلب ليست مباني تاريخية فحسب، بل هي الانسان القاطن فيها وطراز معيشته واسلوب حياته، لأنه يشكل جزءاً اساسياً من المكان التاريخي الذي يسكنه". وعلى هذا الاساس فإن بعض المشاريع التي حازت الجائزة "تشجع المجتمعات المحرومة على رفع الانتاجية وتحسين البيئة المشيدة والاشتراك في الوصول الى وسائل الاتصال الحديثة" وهنا يبرز مثال "قرية اية كتل" التي حققها جهد مشترك من اشخاص افادوا من الاقتصاد العصري واشخاص آخرين لم يغادروا بيئتهم الريفية ويعرض المشروع طريقاً لقلب اتجاه الهجرة من القرى الى المدن، كما ان مشروع "المعماريين الحفاة" في تيلونيا في الهند يشكل مثالاً "لاشخاص افادوا من برنامج يرفع من شأن التقاليد ويحترم معارف المجتمع الريفي ليستطيع السكان غير المتعلمين نظامياً ان يصمموا المباني اللازمة لهم وان يقوموا ببنائها فعلاً". وهناك مشاريع عدة تتجاوب مع الاحتياجات التربوية ابتداء من ضرورة فهم حضارة قديمة كما في "متحف النوبة" او مع الحاجة الى التعليم الفني في مجال تربية الدواجن كما في مدرسة "كاهيري ايلا الزراعية". واختارت اللجنة مشاريع تجاوبت مع متطلبات السوق الاقتصادية مثل السياحة في "فندق داتاي". إضافة الى اختيارها مشاريع تضمن مستقبل المباني التاريخية الموجودة داخل المدن كما في حال "حياة جديدة في مبان قديمة". وتدير الجائزة لجنة توجيهية يرأسها الآغا خان واعضاؤها هم العالمة الاثرية العراقية سلمى الراضي والمعماري الهندي تشارلز كوريا والمعماري والمؤرخ الاميركي كينيث فرامبتون والمعماري الاميركي فرانك غيري والمعمارية الانكليزية زها حديد والمؤرخ الاسباني عالم الآثار فرانس مونريال وأستاذ تاريخ الاديان الانكليزي عظين ناجي والمعماري السعودي علي الشعيبي والامين العام للجائزة سها اوزكان. ويختار الحاصلون على الجائزة بواسطة هيئة تحكيم مستقلة تعينها اللجنة التوجيهية لكل دورة من دورات الجائزة التي تمنح كل ثلاثة اعوام. وجائزة الآغا خان هي جزء من نشاط مؤسسة "الآغا خان" للثقافة التي تتولى تنسيق الانشطة الثقافية. ولدى المؤسسة برنامج ينفذ انشطة ثقافية وأنشطة إحياء في كل من سورية ومصر وزنجبار وشمال باكستان والبوسنة. وكانت مؤسسة "الآغا خان" بدأت منذ العام 1998بترميم ثلاثة مشاريع في سورية هي قلعة حلب وقلعة مصياف في طرطوس وقلعة صلاح الدين في اللاذقية. وقال مدير قلعة حلب فوزي شعبوق ل"الحياة" ان سورية سبق لها ان فازت بالجائزة مرتين، الاولى عن ترميم قصر العظم في دمشق والثانية عن عمارة رئيف مهنا في درعا. وأوضح ان "مؤسسة آغا خان" تعمل حالياً مع "جمعية العاديات" غير الحكومية في أعمال ترميم قلعة حلب في الاجزاء الخطرة منها على ان تمتد اعمال الترميم الى المناطق الاثرية المحيطة بالقلعة وفق خطة عمل متكاملة وذلك بالاستعانة بلجنة دولية تضم خبرات سورية الى جانب الاجنبية. وتعتبر قلعة حلب أكبر قلعة في العالم بحسب كتاب غينيس للأرقام القياسية ولم يحدد زمن بنائها تماماً، لكن عثر فيها على آثار تعود الى بداية الألف الاول الميلادي، وبلغت اوج ازدهارها في عهد سيف الدولة الحمداني منتصف القرن العاشر الميلادي حين غدت منارة للعلم والأدب زمن المتنبي وأبي فراس والفارابي. يذكر ان الامير كريم آغا خان 65 عاماً هو الامام التاسع والاربعون للشيعة الاسماعيلية وكان تولى الامامة عام 1957 وراثة عن جده سلطان محمد شاه آغا خان وهو في العشرين من عمره. ويتوقف الآغا خان يوم الجمعة المقبل في محافظة حماه وسط سورية حيث ستجرى له احتفالات في مدينة السلمية التي تضم العدد الاكبر من الاسماعيليين في سورية. علماً ان مؤسسات الآغا خان الثلاث الثقافية و"التنمية الاجتماعية" و"التطوير الاقتصادي" تنجز مشاريع تنموية عدة في سورية بينها مشاريع ترميم في المواقع التاريخية والاثرية.