منذ زهاء أربعة أعوام يقدّم زاهي وهبي على شاشة تلفزيون "المستقبل" برنامجه الأسبوعي "خلّيك بالبيت" مستضيفاً أبرز الشخصيات السياسية والفكرية والفنية من الدول العربية. ومذ ذاك، ينجح وهبي في استقطاب المشاهدين عرباً ولبنانيين، وتسميرهم أمام الشاشة كل ثلثاء. دخل عالم التلفزيون آتياً في دنيا الصحافة والأدب والشعر. فهو مثقّف وناقد صحافي بدأ الكتابة في صحيفة "الحقيقة" ف"النداء" ف"النهار" وله اليوم مقالة اسبوعية في الملحق الثقافي ل"السفير" وأخرى شهرية في مجلة "الحسناء". يضم رصيده الشعري دواوين ثلاثة: "حطّاب الحيرة"، "صادقوا قمراً" و"في مهبّ النساء"، وقريباً تصدر له رواية يقصّ فيها معاناته في المعتقل الاسرائيلي عاما ونصف العام وهي "سيرة جيل بأكمله، فالشعر يعجز أحياناً عن نقل تجربة معينة بشموليتها ويعطي اضاءات عنها كالبرق. لكنه لا ينقلها بحذافيرها". وعنده أن "دور الشعر في زمن المادة والعولمة أضحى أكثر أهمية لأنه خميرة الروح، وكلّما ازدادت معدنية العيش والتقنيات الحديثة في الحياة اليومية للانسان، تضاعفت حاجته الى فسحة لمخاطبة الروح والتعمق في سراديب النفس الانسانية ودهاليزها". وإذا كان النجاح وليد المعاناة، فإن سرّ نجاح وهبي الألم الذي عايشه منذ طفولته كطفل وحيد عاش في كنف والدته مفتقداً حميمية الأسرة لظروف خاصة، معانياً "صقيع الوحدة"، مروراً بمراهقة "معذّبة وشقية" في قرية عيناتا الحدودية التي تحررت أخيراً، وذائقاً مرارة الهجرة القسرية "من البيت والبلدة وأمكنة الزحلام الأولى"، وصولاً الى انطلاقته في عالم الصحافة والإعلام والشعر. احتمل وهبي هذه الأوجاع بصبر، وها هو اليوم يفلسفها قائلاً "أحياناً كثيرة يكتب الانسان بألمه وليس بقلمه. وحبر الألم شهيّ أكثر من أي حبر آخر. في تجربتي الطويلة مع المهنة والحياة عانيت آلاماً كثيرة، لذا أطلق على مهنة الإعلام تسمية محنة الإعلام". ويوضح: "أنا من الأشخاص الذين حفروا طريقهم بالأظافر ومشوا على دروب الشوك حتى وجدوا مطرحاً لهم تحت الشمس، لذا أعتبر الألم ضرورياً للحياة كي ندرك معناها ونعرف لذة العيش والفرح والنجاح، فلولا درب الجلجلة لما كانت القيامة". يتحكّم وهبي بوقته في صورة ممتازة متخطياً صعوبة المتابعة اليومية التي تتطلبها الصحافة والاعلام والكتابة الأدبية. "في المرحلة الأولى التهمني التلفزيون بعض الشيء، لكنني سرعان ما التقطت أنفاسي ورتّبت أموري في شكل أعطي وقتاً للكتابة وللقراءة ووقتاً للشعر وللتلفزيون، ولحسن الحظ ان ارتباطي الدائم بالصحافة المكتوبة يسعفني كثيراً، كذلك مشاركاتي الدائمة في الأمسيات الشعرية واستضافتي بين الحين والآخر شعراء وكتّاباً سواء في "خليك بالبيت" أو في "قرأت لكم" الفقرة الصباحية التي تقدم ثلاث مرات أسبوعياً". ثقافة مقدم البرامج يعلّق وهبي أهمية قصوى على ثقافة المقدّم وتعمقه في الموضوع الذي يطرحه ويناقشه، ويفسّر استمرار "خليك بالبيت" وتجدده الدائم ب"الإعداد الجيد، والحفاظ على مستوى معين في اختيار الضيوف وعدم التكرار في الاستضافة، والجمع بين الصيغتين الثقافية والشعبية وعدم الغرق في صيغة نخبوية جافة لا تستقطب سوى المثقفين وهواة النوع، الى عدم الانجراف في صيغة شعبية ومحاولة استرضاء المشاهدين بأي ثمن، بل اعتماد أسلوب السهل الممتنع في طرح الأسئلة". ويرفض وهبي أن يكون المقدّم "مجرّد ببغاء يطرح الأسئلة التي تكتب له، فيصبح مجرّد آلة لطرح الأسئلة تشبه آلة عصير البندوة أو آلة برش الجزر". ويرى أن عليه "أن يكون معدّاً ومحاوراً قادراً على استنباط أسئلة من أجوبة الضيف وطرح موضوعات مثيرة للجدل واتخاذه موقفاً حيث يجب، وتمثيله وجهة النظر الغائبة في الحوار فيكون ضمير الغائب وليس ضميراً غائباً، بمعنى أن يكتفي بالتصفيق وطرح أسئلة عامة يمكن طرحها على أي شخص". يرى زاهي وهبي الى برامج الفضائيات العربية بعين الصحافي الناقد، وعلى رغم تمتعها "بمستوى معيّن"، فإن "برامج الترفيه والتسلية تطغى على سواها، صحيح أن التلفزيون هو كشكول منوع، ولكن ينبغي أن يضطلع في عالمنا العربي بدور تنويري تثقيفي ونهضوي بغية إعلاء شأن المجتمع العربي المحكوم بكثير من الممنوعات والمحرّمات. على التلفزيون ألا يكون مجرد وسيلة تسلية وترفيه أو صندوق فرجة، بل أن يؤدي دوراً محرضاً ومنشطاً للوعي بغية الارتقاء بمجتمعنا العربي". ويتخذ وهبي موقفاً معارضاً، لأسلوب الحوار التصادمي الذي لا يتوخى سوى الاثارة عبر الفوضى، "أعتقد أن الغوغائية لا تقود الى نتيجة. أنا ضد الاثارة المجانية، بل أؤيدها حين يكون الموضوع مثيراً. ينبغي اتّباع الرصانة، بحسب الموضوع والظرف والضيف والقضية. واجمالاً أنا مع النقاش الهادئ والهادف ومع طرح كل الأسئلة الجريئة والاستفزازية والاستنباطية، ولكن بأسلوب راق ومحترم يفيد منه المحاور والضيف والمشاهد في آن، عوضاً عن هذه العواصف والتمثيليات، خصوصاً أننا نعرف أن بعض المحطات تدفع أموالاً لبعض الضيوف كي يمثلوا حال إثارة أو يخوضوا نقاشاً صاروخياً لا غاية ترجى منه". دور الصحافة ويرى وهبي أن الصحافة تؤدي دوراً رئيسياً في توجيه الاعلام، قائلاً "ينبغي أن يكون الناقد الصحافي مواكباً العمل التلفزيوني ومسهماً في تطويره وترشيده وتصويبه حين يخطئ، لكن الكثير من النقد التلفزيوني، ولسوء الحظ، غارق أيضاً في منطق العلاقات العامة الذي يحكم معظم النقد العربي على المستويات كافة، وغارق في منطق المجاملات أو التجريح بعيداً من الموضوعية، لأسباب عدة. ويعتبر نفسه "محظوظاً بمدى اهتمام الصحافة اللبنانية والعربية ببرنامجي سواء كان نقدها ايجابياً أم سلبياً، لأن مجرّد النقد هو في مصلحة البرنامج في شكل عام. لكن أنا لا أحبذ النقد الشخصي، وهنا أودّ فتح حوار مع الأستاذ عبدالله الجفري الذي يكتب عن برنامجي في أحيان كثيرة في شكل ظالم. يذكرني بما حدث مرة حين طلبت استضافته لأنني أؤمن بمكانته الصحافية في العالم العربي، لكني، ويا للأسف، اضطررت الى تأجيل الموعد الى أسابيع لاحقة فاعتبر الأمر مهانة. ومذ ذاك راح يخصص لي فقرة أو أكثر كل شهر أو اثنين يضمنها ما يمكن اعتباره تجريحاً، أنا أرحب بالنقد الموضوعي والبنّاء شرط ألا يستند الى اعتبارات شخصية". ويختم زاهي وهبي حديثه مشدداً على أهمية الحوار في العالم العربي: "نحن نحتاج الى حوار في عالمنا العربي، وينبغي أن نوفر هامشاً للحرية. هذه هي مهمة المثقفين والاعلاميين والعاملين في الشأن العام، عليهم المكافحة لإيجاد فسحات للحوار والاعتراف بالآخر. من المؤسف أن يسود عالمنا منطق الإلغاء، خصوصاً في الأوساط الثقافية والاعلامية، الكوكب يتسع لجميع الناس ومن المهم الاعتراف بالآخر مهما اختلف عنا، لأن الحياة حلوة بتنوعها واختلافاتها وتناقضاتها. القيمة الحقيقية لنا تكون بالتحاور من ضمن هذا الاختلاف، وان نختلف من ضمن الحوار، وان لم نعترف الا بمن يشبهوننا تحوّلنا كوكباً أشبه بكوكب القرود!".