ماذا لو كانت قمة "كاراكاس" القمة الأخيرة التي تجمع زعماء "أوبك" بصفتهم الممسكين بزمام الطاقة في العالم؟ ومن ملامح الأزمة الراهنة في النفط أن حقول الدول المنتجة، بما في ذلك أميركا نفسها، تعمل بأقصى طاقتها، ويصعب على "أوبك" تجاوز رقم انتاج 300 مليون برميل في اليوم، هذا اذا استطاعت الوصول الى هذا المستوى، في المستقبل المنظور... ويؤشر الأمر الى ارتفاع الطلب على النفط، بدءاً من "جيش" ال500 مليون حافلة التي تذرع الأرض يومياً، ومروراً بالتغيّرات الاقتصادية البنيوية التي أحدثتها العولمة. ويرى البعض الأزمة في الضرائب المرتفعة أوروبياً على النفط ومشتقاته، وقد باتت تشكل نسبة تتفاوت بين نصف و5/4 من سعر الاستهلاك. ويلمح آخرون الى استهداف التعافي الاقتصادي لليابان ودول جنوب شرقي آسيا، وتشير حفنة من الخبراء الى عناصر سياسية واستراتيجية... الخ. لكن الآراء تتفق على الارتفاع المتواصل والمتسارع من النفط، كأنما العالم في نهم الى الطاقة. ويمكن حصر وجوه انفاق الطاقة النفطية في أربعة وجوه هي: الصناعة والمواصلات والاتصالات والاستخدام "المديني" مثل الإنارة والتدفئة والتبريد. وفي مؤتمر "هاي فوروم - 2000"، الذي عقد في مدينة ميونيخ الألمانية من 18 الى 22 أيلول سبتمبر الماضي وناقش الطاقة الهيدروجينية بصفتها بديلاً من النفط، ظهرت بدائل عملية ومتحققة يمكنها أن تحل محل البترول في كل وجوه الاستخدام، ما عدا الصناعات الكبرى راهناً. وعلى سبيل المثال، تقدر خلايا الوقود Fuel Cells على إمداد البيوت والتجمعات السكنية الصغيرة بالطاقة الكهربائية. وتعمل خلايا الوقود عبر إدماج غاز الهيدروجين مع الأوكسيجين، ما يولد كهرباء وحرارة مع ماء، أي أن الهيدروجين "يحترق" داخل خلايا الوقود بالأوكسيجين الموجود في الهواء. ويأتي الهيدروجين الى خلايا الوقود إما في شكله الصافي كغاز معبأ في قوارير هايدرايد Hydride، وإما على هيئة سوائل مشبّعة بالهيدروجين مثل الميثانول من الغاز الطبيعي والغازولين من النفط. وتحتاج السوائل المشبّعة بالهيدروجين الى "إعادة تهيئة" Reformation تقوم بها آلة خاصة. وتعطي إعادة التهيئة عوادم، مثل ثاني أوكسيد الكاربون، لكنها تمثل ما نسبته 20 في المئة أو أقل مما تعطيه عملية احتراق البنزين. وتستخدم خلايا الوقود في الحافلات والسيارات الفردية، بحسب النماذج التي عرضتها شركات انتاج السيارات في "هاي فوروم - 2000". وتبدو خلايا الوقود كأنها الحل العملي المتيسر لتحقيق ما تصبو اليه المفوضية الأوروبية الى حدود 25 في المئة من المستوى القائم. وشكلت خلايا الوقود مدخلاً الى الحديث مع الخبيرة البيئية سميرة بشير التي حضرت "هاي فوروم - 2000". أ.م. ربما لم تقدم المهندسة سميرة بشير الفرنسية والجزائرية الأصل من الجيل الثاني ورقة بحث الى "الملتقى الأول..." Hyforum-2000 لكن حضورها شكل اسهاماً متواضعاً في إبراز النبرة النسوية داخل المؤتمر الذي طغت عليه ذكورة يصعب أن تخطئها العين. جاءت الى المؤتمر بعد مضي أقل من أربعة أشهر على تعيينها مسؤولة لبرنامج "المؤسسة الوطنية الفرنسية للبيئة والمخاطر الصناعية" عن الطاقة الهيدروجينية عموماً، وتقويم خلايا الوقود خصوصاً ولأن النبرة البيئية باتت متماهية مع الانتصار لقضية المرأة، بدا حضورها مزدوج الأثر في ظل الغياب العربي الثقيل عن "الملتقى الأول لطاقة الهيدروجين - 2000". وبقامة شابة وعينين متفحصتين، حددت سميرة بشير وضع فرنسا في انتاج "خلايا الوقود" Fuel Cells، أحد أهم مصادر الطاقة البديلة من النفط، بأنه أقل تقدماً من ألمانيا أو الولاياتالمتحدة، إذ تندر في فرنسا الشركات المنتجة ل"خلايا الوقود"، التي تعطي الكهرباء في عملية معاكسة للتفريد المائي Water Electrophoresis بواسطة استخدام الهيدروجين، مع اهتمام الحكومة والصناعة بالآثار البيئية المترتبة على انتاج خلايا الوقود واستعمالها واستهلاكها. معايير بيئية للطاقة البديلة تلاحظ بشير أهمية أن تكون خلايا الوقود مصدراً يعتمد بثقة في الامداد المتواصل بالتيار الكهربائي. وتنبه الى أن عدداً كبيراً من نماذج الحافلات التي تعمل بالطاقة البديلة، يستخدم خلايا الوقود مصدراً ذا صدقية للكهرباء. وفي فرنسا رابطة تضم الهيئات والمؤسسات المهتمة بحفز استخدام خلايا الوقود، والتي يُرجح انتشارها سريعاً فيها. وفي كل الظروف، يؤدي استخدام تلك الخلايا الى خفض العوادم وغازات البيت الزجاج بنسبة كبيرة. وعلى رغم أنها لم تدخل مرحلة الانتاج الصناعي الموسّع، وهي باتت قريبة جداً، تركت خلايا الوقود المصنّعة في ألمانياوالولاياتالمتحدة انطباعاً ايجابياً لدى المهندسة بشير. وفي "هاي فوروم - 2000"، لاحظت بشير غياب الشركات النفطية، مع استثناء تلك القلة منها التي صارت ضالعة في انتاج أشكال الطاقة البديلة، وكذلك الغياب الكلي لمجموعة الدول المصدّرة للنفط "أوبك" والدول العربية. وعلى عكس ما ذهب اليه المحاضر الأميركي أوتكان أوزبك من أن الغياب النفطي سببه تهديد الطاقة البديلة أموال البترودولار، قالت بشير بضرورة قيام حوار فاعل بين منتجي مختلف أشكال الطاقة، حتى شركات النفط ودوله. وأعربت عن دهشتها العميقة لغياب الدول العربية عن مؤتمر ربما أدى دوراً أساسياً في تحديد مستقبل اقتصادياتها ومعاشها. وعادت الى تجربة الجزائر، حيث كان للإنخفاض الكبير في أسعار النفط والغاز الطبيعي دور في تأجيج الصراعات الداخلية للوطن الذي تعتبره عمقاً ثرياً لهويتها الفرنسية. الماء النادر والبيئة القابلة للنضوب علت في ملتقى "هاي فوروم" نبرة خطابية رنانة، لامست حدود التبشير، كما هو مألوف في خطابات "العولمة السعيدة"، ورأت في تفكيك الماء للحصول على الهيدروجين مصدراً لا ينضب معينه من الطاقة المتجددة. كيف سمعت أذنا خبيرة البيئة تلك الأناشيد الحماسية؟ لم تخف بشير قلقها الكبير من ذلك الخطاب، خصوصاً أن الدرس الأساسي المستفاد من الخبرة يدحض القول بمصادر لا تنضب في البيئة. ومن المعروف أن الخطل الذي وقعت فيه، من دون تنبه بالطبع، صناعة السيارات والمحركات، هو النظر الى الهواء كمصدر غير قابل للاستنفاد في تبديد مخلفات حرق الوقود. ولاحقاً بينت وقائع التلوث خطأ مثل هذا المذهب... ولاحظت بشير الجانب المائي الخطر والحساس في شأن الهيدروجين المستخرج من الماء، خصوصاً لجهة انتاجه في مناطق الشمس والماء، كمثل الدول العربية. وأوضحت بشير أن لدى هذه الدول كمّاً هائلاً من المشكلات مع الماء، ومشكلات وتوترات ومشاريع في شأن الماء. وفي أوروبا والبلدان الصناعية، هناك أيضاً قلق حيال الماء، والحاجة اليه في ارتفاع مطرد في موازاة التطور في أنماط الحياة. وبينت المهندسة بشير أن التشريعات المتعلقة بالطاقة الهيدروجينية واستخداماتها، يجب أن تلاحظ "البعد المائي"، خصوصاً أن لائحة "أيزو 40000" ISO 40000 التي تتعامل مع البيئة، أخذت فعلاً بهذا البعد. ورأت أن مختلف الدول المعنية بالطاقة الهيدروجينية، استهلاكاً وانتاجاً، يجب أن تراعي المسألة المائية في تشريعاتها.