انقض لاعب على لاعب. هاجم الجمهور الملعب. شتم المدرب ادارياً. ضربت مصارعة، او اختها، حكماً. شهر حارس مسدساً. اطلق شرطي غازاً مسيلاً للدموع. حطّم مشجعون الكراسي. تطايرت المقاعد. تعرّض المتبارون الى قصف بالقناني. سقط عدد من الجرحى. ا ضطر رجال الأمن الى التدخل. هذه نماذج عن اخبار تحملها الينا الدورة العربية الجارية وقائعها في عمان. وهي تدل على ان هناك من يرفض الخسارة، لا بل التعادل، بأي شكل من الأشكال. وهذه مفاجأة كان يمكنها ان تكون سارة لولا ان الرياضة، تعريفاً. غالب ومغلوب، ولولا اننا على مقربة، في فلسطينالمحتلة، من أبشع الخسارات اطلاقاً. تمر الأيام وتمتد الدورة مستعيدة جوانب سيئة مما حصل في تلك التي سبقتها. ويبدو ان مرور الزمن زاد الاحقاد والضغائن فبات العرب، في مناسبة من هذا النوع، امام مرآة مروّعة عن احوالهم وأوضاعهم. لم يعد التباري مسرباً مهذباً لتنفيس الاحتقانات، وهو كان كذلك على الدوام وحتى في اكثر البلدان تقدماً. اصبح خالياً من اي تهذيب ومتحولاً الى ما يشبه العنف الخالص. ويحصل ذلك تكذيباً للرأي الذي يمجّد الرياضة بقوله انها فن ضبط الشحنات العنيفة، واخضاعها لقوانين وأنظمة، وارتضاء الكلمة الفصل لحَكَم لا يعلو صوت فوق صوته. وشاءت الصدف ان تستضيف قطر بطولة العالم في كرة اليد. وكان ان شاركت اسرائيل فيها وقاطعتها دول عربية. ولم يفت البعض ان يلاحظ ان همهمة ارتفعت تتمنى الموت للاعب اسرائيلي اصيب في المباراة ضد تونس. لقد جرى الاكتفاء بذلك او اضيف اليه عدم الوقوف عند عزف النشيد الاسرائيلي. غير ان ما حصل في عمان قدّم وجهاً آخر اذ تبين انه ليس اسهل، عندما يتواجه العرب فيما بينهم، من تحويل كل انواع الرياضة الى حفلات مصارعة حرة. فالعنف العربي - العربي يتحول، في مواجهة الاسرائيلي، الى دعاء. ليست هذه بالطبع دعوة الى استحضار ميونيخ في الدوحة ولكنها، على الأقل، ملاحظة يستفاد منها انه كان في الامكان التشجيع، وحتى تبادل الشتائم، من دون هذه السهولة الفائقة في … التصعيد! يمكن القول ان حفنة من الرياضيين والمشجعين لا تصلح عينة لدراسة احوال العلاقات العربية - العربية. ولكن عندما تتطابق هذه الحفنة مع تضاريس الانقسامات والخلافات السياسية بين الأنظمة فان في الأمر مشكلة مزدوجة. اولاً لأنها تصبح ذا معنى يتجاوزها، وثانياً لأنها تدل على قدر هائل من الامتثال او من الانحياز الطوعي لسياسات محددة. لقد كشف الرياضيون والمشجعون، ربما، وعلى طريقتهم الفجة، سر العجز عن عقد قمة عربية او عن تنفيذ اي قرار يتخذه اي اجتماع عربي على اي مستوى كان. وبما ان سلوكهم الاجمالي كان سيكون مختلفاً لو كانوا جميعاً في دورة عالمية فهذا يوحي بالمضمون الجديد الذي تتخذه الرابطة العربية: في اطارها الجامع فقط يمكن للغرائز ان تتفلّت وذلك نتيجة الشعور المؤكد بالتقارب والاحساس، ولو الهلامي، بانتماء واحد. لم تكن السلطات الأردنية مسؤولة طبعاً عما حصل. فهي كرست جهداً أمنياً كبيراً لضبط الأمور. وهو كبير الى حد يدفع الى التساؤل حول قدرتها على تجريد الحملة التي قامت بها اول من امس ضد حركة "حماس". الا اذا كان اقتراب الدورة من نهايتها ايذاناً ببدء دورة من نوع جديد