زحفت "الصفيحة" الافريقية نحو الشمال الشرقي، و"الصفيحة" العربية نحو الشمال الغربي. وزاحمت "الصفيحتان" "صفيحة" الأناضول وتداخلت معها، بحثاً عن "توازن" وتفاهم واستقرار، ونتج عن ذلك "زلزال" كبير أخل بالتوازن في مجتمعات بشرية وأزعج استقرارها وسلامها، وأورثها موتاً وآلاماً وهلعاً. الزلزال التركي يحكي الكثير عن مشاكل الاضطراب، والبحث عن التوازن والاستقرار في أعماق الأرض. وهو يشير الى ان هضبة الأناضول التركية لا تعيش بمعزل عن الصفائح الجيولوجية العربية والافريقية، وفي ما وراء ذلك. كأن الذي يحدث في أعماق الأرض يشابه، الى حد كبير، الذي يحدث فوقها. هوية تركيا ممزقة بين أوروبا وآسيا، بين الإسلام والعلمانية، بين العالم الأول والعالم الثالث، وبين الفقر والغنى، وبين "البرنيطة" والطربوش. ولا تستطيع تركيا، وإن أرادت، أن تطلّق التاريخ والجغرافيا أو تنفصل عنهما. ولا تستطيع، كما أظهر الزلزال، ان تنسى الجيولوجيا، أو تغفل عن أن جذورها التي تضرب في أعماق الأرض، تعتمد على "صفائح" عربية وافريقية و"جنوبية" متزاحمة، متشاكلة، متداخلة، تبحث عن الوئام، وتسعى، في حركة جدلية دائمة، نحو التعاون والتفاهم. وزلزال تركيا يذكرها ايضاً بأنها تعيش "عقلية" العالم الثالث، وتمارس أسلوبه، في التعامل مع الزلازل والأزمات والكوارث. تركيا تعيش على شرخ أرضي معروف، وهي موعودة بزلزالها منذ وقت طويل. ولكن الكارثة أظهرت أنها أوكلت مهمة الاستعداد لذلك الى زمن "المهلبية" اللذيذ. الشعوب تتعامل مع زلازلها بالطريقة التي تعيش بها حياتها اليومية العادية، وتتخذ قراراتها المعتادة. الذين لا يطبقون ولا يفرضون تعليمات "السلامة" في بناء بيوتهم، ويتركون فساد الإدارة وانعدام الكفاءة يعبثان بحياة مواطنيهم، لا يحق لهم ان يتوقعوا عطفاً أو رفقاً من "الزلازل". ولا نتوقع منهم ان يكونوا منظمين فعالين في التعامل مع الانقاض أو في إنقاذ الأرواح. والذين لا يتقنون أصول الحوار الاجتماعي والسياسي في حياتهم لن يتمكنوا من استيعاب الصدمات الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية التي تنزل بهم، ولن يستطيعوا تفعيل "المؤسسات" الاجتماعية والحضارية للتعامل مع الكوارث والأزمات. أظهر التناول التركي للزلزال ان ارتباطها بالعالم الثالث أكثر وضوحاً، فوق الأرض، من اختلاط "صفائحها" الجيولوجية مع "الصفائح" العربية والافريقية، تحت الأرض.