هل يمكن لأحد ان يصدّق ان ربع قرن قد مضى منذ أصدر مارسيل خليفة اسطوانته الاولى "وعود من العاصفة"؟ أي ان خمسة وعشرين عاماً بالتمام والكمال، مرّت على ولادة تلك "الظاهرة" التي عرفت بسرعة كيف تملأ طول العالم العربي وعرضه صخباً وألحاناً وغناء جماعياً، فتعيد اختراع ما سمي يومها ب"الاغنية السياسية" وتجتذب الى فن الغناء العربي الاصيل جمهوراً كان مشتتاً بين عشرات الاذواق والتيارات؟ لولا ان التواريخ معروفة، ولولا ان الشيب بدأ يغزو - بشكل جدي هذه المرة - لحية مارسيل خليفة "اشهر لحية في العالم العربي" على حد تعبير ناقد فني وشعره، لكان في الامكان القول دائماً ان اغنيته هي "الاغنية الشبابية". فالحال ان اغنيات مارسيل القديمة خصوصاً وألحانه، وأساليبه في الأداء، وارتباطه بالقضايا التي يعبّر عنها، والنصوص الشعرية التي نهل منها ولا سيما منها النصوص التي تحمل توقيع محمود درويش، كل هذا لا يزال يبدو حتى اليوم، طازجاً وكأنه يعيش سنواته الاولى. وفي يقيننا ان ما صنع هذه "الطزاجة" لمارسيل خليفة، قبل فنه وابتكاراته وارتباطه الفني لديه بالسياسي، هو جمهوره. فأغنيات مارسيل، بسبب الظرف السياسي العام اولاً، وبعد ذلك بسبب التجديد الفني الذي سار فيه على خطى سيد درويش ومحمد عبدالوهاب والأخوين رحباني، عرفت - هذه الاغنيات - كيف تكتسب لنفسها جمهوراً عريضاً، شاباً، متحمساً، منتشراً في شتى الانحاء العربية وفي المهاجر. وهذا الجمهور تلقى فن مارسيل خليفة على الرحب والسعة، وأوسع له مكانة في حياته. واليوم بعد 25 سنة على البدايات الطيبة، لا يزال جمهور مارسيل خليفة وفياً له متابعاً لأعماله التي يحبها، وربما ايضاً للاعمال التي "يحاول مارسيل ان يفرضها على هذا الجمهور بين الحين والآخر". وفي هذا السياق لا شك ان حب الجمهور لمارسيل وصل الى حد التسامح معه، حتى حين يظلمه مارسيل. فالواقع ان مارسيل اعتاد ان يظلم جمهوره عبر رغبته الهائلة "التعليمية" - و"الديكتاتورية" كما قد يقول البعض - في ضبط هذا الجمهور او - وهذه المرة حسب تعبير مارسيل نفسه - "تعويده على ان يستمع الى الموسيقى والغناء بهدوء وصمت". والمشكلة - على رغم حسن نوايا مارسيل خليفة - تكمن دائماً في ان اغنياته وخلفياتها السياسية تدعو الجماهير الى المشاركة، والى التعبير عن نفسه كجزء من اللعبة التبادلية بين المؤدي والمتفرجين. وهذا التعبير لا يمكنه الا ان يكون عفوياً، ساحقاً، شرساً ومشاكساً. اما مارسيل فإنه يريد من جمهوره ان ينضبط. لذا يقترح عليه ان يتخلى عن عفويته، عن فرحه، بالمشاركة. وهذا الأمر يصل بصاحب "اجمل الامهات" و"احمد العربي" و"جدل" الى حد التوقف احياناً عن الأداء، اذا ما "زادها" الجمهور حبتين، ليقترح، هكذا وبكل بساطة، ان يبدأ التصفيق والمشاركة بعد 12 دقيقة مثلاً! ما نقوله هنا ليس تصويراً "كاريكاتورياً" لما قد يحدث في حفلة من حفلات مارسيل، بل هو ما حدث ويحدث، بالفعل ومنذ بدأ مارسيل حفلاته ذات الحضور الكثيف. وهو ما اعتاد ان يشكو منه جمهور مارسيل في كل مرة اسرع فيها هذا الجمهور يسمع ويفرح ويشارك، فإذا بسيد الاحتفال غير راغب بالمشاركة، الا بمقدار يحدده هو ويوقته ويضبطه لحظة بلحظة. ترى افلم يسأم مارسيل هذا الاسلوب حتي اليوم؟ في احتفالنا بذكرى مرور ربع قرن على ولادة ظاهرة مارسيل خليفة هل كثير ان نطلب منه اخيراً، ان يحرر الجمهور، جمهوره، من القيود التي يحب ان يفرضها و... بكثرة!؟ "عين"