للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية وجه ملك السويد خطاباً سياسياً إلى شعبه عبر وسائل الإعلام في مطلع شباط فبراير 1992. كان ذلك شيئاً استثنائياً لأن الدستور يحظر على الملك القيام بأي نشاط سياسي إلا في حالات الضرورة القصوى. ومثلما كانت الحرب العالمية الثانية سبباً لخروج الملك عن القاعدة، فإن الهجمات العنصرية على المواطنين المهاجرين والتي بدأت عام 1988 وبلغت ذروتها عام 1992 وذهب ضحيتها أكثر من عشرين شخصاً، كانت سبباً كافياً لخروج الملك عن القاعدة مرة ثانية ومناشدة الشعب نبذ الأفكار الهدامة والمحافظة على الوحدة الوطنية. في محاذاة هذا وموازاته، حدث سجال عنيف وعميق لم تعرف له السويد مثيلاً منذ الحرب العظمى، حول قضايا الهجرة والعنصرية ومستقبل المجتمع في ضوء التطورات الشاملة التي أدخلتها الهجرة. ولم يتوقف السجال والنقاش حتى الآن وإن هدأت حدتهما نوعاً ما، ولا زال يشهد آراء جديدة كل يوم من الأكاديميين والخبراء والمعلقين الصحافيين. والملاحظة الأهم هنا هي ان ثمة فجوة واسعة وتناقضاً بين طبيعة الآراء الأكاديمية والآراء الصحافية. فبينما تنظر الأولى إلى الهجرة والمهاجرين بايجابية، تنظر الثانية بسلبية. وتنعكس كل منهما على المعالجات التي تطرحها. فعالمة الاجتماع د. بيرغيتا لوفاندر رصدت المادة الاخبارية في القناتين الأولى والثانية للتلفزيون خلال سنوات 1990-1992 وتوصلت إلى نتيجة محددة هي أن أخبار التلفزيون "تنفخ في نار العنصرية" لأنها تميل إلى تقديم صورة ايجابية للعنصريين. وترى ان القناتين التلفزيونيتين تقدمان أنباء الاحتكاك والتوتر بين العنصريين والمهاجرين كأنها شجار عارض في الشارع بين طرفين يتحملان قدراً واحداً من المسؤولية، وليس باعتبار المشكلة أساساً تكمن في أن العنصرية تهدد المجتمع والنظام الديموقراطي، وليس باعتبار المهاجرين مدافعين عن حقوقهم وحريتهم بصورة شرعية. وأشارت إلى أن محرري هذه المادة في التلفزيون يفتقرون في الغالب للدراية العميقة بطبيعة الحركة العنصرية وخطورتها. أما الأكاديمي المتخصص بالاعلاميات د. هوكان هفيتفيلت، فدرس المادة الاخبارية نفسها في القنوات الأولى والثانية والرابعة خلال الفترة بين 1990-1995، وتوصل إلى أنها متحيزة بشكل واضح ضد المسلمين وبحيث لا تذكر هذه المفردة إلا مقرونة بالارهاب. ولاحظ أنه حين يرد خبر عن حوادث العنف في الجزائر يربط تلقائياً بالجماعات الإسلامية. أما حين يرد خبر عن عملية ارهابية نفذها الجيش الايرلندي السري مثلاً، فلا تتم تسمية المنفذين بالكاثوليك، بل يكتفي بذكر اسم الجيش IRA مجرداً. ويرى هذا الباحث ان برامج التلفزيون الأخرى أكثر موضوعية، لكن نشرات الأخبار أكثر تأثيراً وانتشاراً. أما الكاتب يان جويلو، أشهر اسم أدبي وصحافي في السويد، فقد نافح دائماً عن المسلمين داخل السويد وخارجها وسلط الأضواء على السقطات الفاضحة لوسائل الاعلام في بلاده وهي تغطي أنباء العالمين العربي والإسلامي. وأكد مراراً على فكرة ان الرأي العام لا يكترث بأنباء القتلى والضحايا إذا كانوا عرباً أو مسلمين أو غير أوروبيين. وكان مفكر آخر أشار إلى الملاحظة نفسها، ونوه إلى ما كتبه الصحافي السويدي ايريك هرستاديوس ابان حرب الخليج عام 1991 "لو ان مئة ألف عربي قتلوا لما انتابني أي شعور غير عادي. أما بالنسبة لقوات الحلفاء الغربيين فالأمر مختلف لأني أشعر بالتعاطف معهم ومع أسرهم. إن العرب يبعثون الخوف في نفسي على كل حال". ويعتقد يان جويلو بأن المجتمع السويدي تأثر بوسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً CNN، وان صورة الإسلام كعدو عالمي جديد للغرب قد انتقلت إلى السويديين. وسبق جميع هؤلاء، وكيل الجمهور ضد التمييز السابق بيتر نوبل، باتهام الصحافة بقسط كبير من المسؤولية عن تشويه صورة المهاجرين عموماً، والمسلمين خصوصاً. بل انه حذر من ردود أفعال هؤلاء على جرائم العنصرية فيما لو استمرت. أما نظرة الاكاديميين والخبراء إلى قضايا الهجرة وآثارها على السويد فايجابية عموماً. فالبروفسور كينيث ريتزين المتخصص بالأديان، اتهم مواطنيه بالازدواجية لأن لديهم أحسن القوانين في أوروبا، بينما يتصرفون بطريقة معاكسة تماماً. وقارن بين معاملتهم للمهاجرين ومعاملتهم للأقليات الدينية اليهودية والكاثوليكية في القرن الماضي. وهاجم أيضاً الدعوات المتزايدة لتقليص المساعدات والخدمات التي تقدمها الدولة والتشديد على المهاجرين. وقال إن المطلوب هو عكس ذلك، لأن التشديد والتقتير حاصل. والمهاجرون لا يتمتعون بالحرية الكافية ولا بالمساواة التامة مع المواطنين. وأشار إلى أن الجالية المسلمة بالذات تتعرض لردود أفعال عدائية وازدرائية حين يمارسون شعائرهم وطقوسهم كارتداء الحجاب أو الصلاة في أماكن العمل والدراسة أو الاحتفال بمناسباتهم. تهمة الازدواجية هذه تؤكدها أيضاً كاتبة وناشطة سياسية مخضرمة تدعى انجريد سيجيشتت فيبري في كتاب لها عن معاناة المهاجرين في السويد. وقالت إن الخرافات أقوى من الحقيقة أحياناً، فما زال الكثيرون يتصورون السويد بلداً مثالياً تصان فيه الحقوق ويتمتع بنظام ديموقراطي رائع، بينما الواقع غير هذا، حيث تنتهك روح الديموقراطية بحجة احترام القواعد القانونية. وبرزت على الناحية المقابلة أصوات أكاديمية عنصرية أعربت عن مشاعر القلق التي تنتاب بعض الفائت السويدية من أخطار الهجرة المتعاظمة وعملت على تضخيمها ومفاقمتها. ربما كان أوضح من يمثلها الدكتورة كايسا ايكهولم فريدمان الاستاذة المساعدة في علم الأعراق في جامعة لوند، التي كتبت العام الماضي مقالاً في صحيفة "واغينز نيهتر" واسعة الانتشار زعمت فيه ان السويديين يساورهم قلق متزايد في شأن بلدهم. لكن لا أحد يجرؤ على الحديث علانية عن أسباب المشاكل الخطيرة كالهجرة الجماعية التي "ستجلب الكارثة" على حد تعبيرها. أما الخبير الأبرز في هذا الميدان فهو المفكر والديبلوماسي البارز انجمار كارلسون الذي وضع خلاصة أفكاره عن قضايا الهجرة ولا سيما هجرة المسلمين للسويد وأوروبا في كتاب حظي بنقاش واسع وعميق قلما حظي به كتاب آخر في الأعوام الفائتة وحصل على جائزة أفضل كتاب سويدي عام 1994. ويفند كارلسون في كتابه "الإسلام وأوروبا" المزاعم التي تروج لوجود خطر إسلامي على الغرب. ويطالب السويديين والأوروبيين بتوطين الإسلام ومعاملته كدين محلي، لا لأن المهاجرين أصبحوا عنصراً من عناصر الكيان الأوروبي فقط، بل لأنه كان منذ القرن السابع ركناً أساسياً من أركان الثقافة الأوروبية ثم النهضة والحضارة الحالية. ويطالب بتقبل المهاجرين المسلمين وغير المسلمين والاعتراف بحقوقهم الدينية والثقافية وادخال الإسلام في برامج التعليم جنباً إلى جنب مع المسيحية واليهودية، حتى يكون ديناً أوروبياً لا ديناً شرقياً، وحتى تكون أوروبا متعددة الديانات والثقافات والأعراق. ويرى أن النموذج الذي يجب أن يسعى الاتحاد الأوروبي إلى استلهامه في بناء البيت الأوروبي الكبير هو نموذج الأندلس، نموذج قرطبة بالتحديد حيث تعايش الإسلام والمسيحية واليهودية باحترام ومساواة وتفاعل لمئات السنين.