أحيا "بيت الشعر في المغرب" في مدينة الدار البيضاء يوم الشعر في المغرب. وافتتح باحتفال خاص ب"ديوان الشعر المغربي" وعرضت الدواوين الشعرية المغربية ووقّع بعض الشعراء الإصدارات الجديدة. وقرأ الشاعر الفنلندي بانتي هولابا كلمة في المناسبة حملت عنوان: "الصمت الداخلي"، وقرئت بالعربية والروسية قصيدة الشاعر الروسي بوشكين الذي تم الاتفاق على تخصيص عام 1999 للاحتفاء به في ذكراه وقرئت كذلك قصيدة الشاعر الألماني غوته لمناسبة الذكرى ال250 لوفاته، باللغتين العربية والألمانية. وتخلل اللقاء الشعري نغمات موسيقية من خلال عزف على الناي للفنان رشيد زروال، وقراءات شعرية لشعراء مغاربة من بينهم علال الحجام وحسن المفتي وحسن نجمي والزهرة المنصوري وعاهد سعيد ومحمد الطوبي ورشيد اسافو ومحمد بوجبيري ورشيد المومني وحسن الوزاني ونورالدين الزويتني. ووجه يوم الشعر في المغرب نداء من الدار البيضاء من أجل رد الاعتبار الى الشعر الذي يمثل "مصدر القيم الكبرى المؤسسة لحضارتنا ومصدر الأسئلة الأساسية". وأوضح النداء أن موجة العمق الشعري تريد اثارة العالم وانقاذ الشعراء من قدر يسعى الى جعلهم "هؤلاء الأبناء الأكثر وداعة"، وعبّر النداء في المقابل عن ارتياحه لاستعادة مناطق مختلفة من العالم الوعي ب"سلطة الشعر التحررية ومعاودة اكتشاف الشعر كأساس قوي للتعبير عن الوجود والثقافة". ويترجم النداء هذه اليقظة من خلال الاحتفاءات المتواصلة وغير المسبوقة بعدد من الأحداث المرتبطة بالشعر، في اشارة الى الاحتفال الذي تم العام الماضي بمئوية وفاة الشاعر الفرنسي مالارميه، والاحتفاء هذا العام بالشاعر الألماني غوته، والشاعر الروسي بوشكين ما يعني أن "لا جدوى من التنكر لواجب الشاعر وعمله الإلهي". وتعهد بيت الشعر القيام بمبادرات جديدة تلبي تطلعات الشعراء المغاربة، وفي هذا الصدد، أعلن عن تخصيص أول كل سبت من الشهر للشعر وأطلق عليه "السبت الشعري"، والمباشرة في إصدار مجلة "بيت الشعر". هنا كلمة الشاعر الفنلندي بانتي هولابا: عن الصمت الداخلي يُؤْثِر الشاعر أن يكتب / يتكلم على الشعر عبر قصيدة. ليس الشعر مرتبطاً بقصيدة معينة مكتوبة أو مقروءة. إنه يلمع كالشمس على كريستالة ملساء لكنه يخفي كينونته الداخلية بعيداً عن الأنظار تماماً كالحب، كالجمال. متحسراً على الصعوبة القصوى للحديث عن الشعر باللغة اليومية صادفتُ استجواباً لمدير مدرسة التجارة، من ضمن ما قال: "مشكلة المعلوميات أنها لا تعالج إلا معارف مُعبَّرٍ عنها شفوياً أو كتابياً". وأضاف ان "أفكار الناس تحكمها معرفة صامتة يصعب التعبير عنها". في العلاقة مع الآخرين، يجب على الناس ان يتذكروا هذه المعرفة، الصامتة الكائنة لدى كل واحد، لأن حياتنا تخضع لها. "اللعنة"! قلت في نفسي كان علي أن أُلبس هذه الفكرة كلماتٍ. لأنها فكرتي على رغم انها لم تأتني من قبل. إنها شديدة الألفة لدي. ربما انتُزِعَت مني وأُهديت لمدير مدرسة التجارة. ربما قرأها أو سَمِعها من شخص آخر أو أتته حُلُماً. الأفكار تسبحُ في الهواء والصدفة هي من يقرر عند من تُسجّل. على أية حال، أفهم الآن بشكل أدق أين نحتاج الى الشعر، على ماذا يتكلم الشعر، ولأية أسباب لا يمكن للحاسوب أن يكون شاعراً، ذلك، رغم أن النظريات المبسطة حول التطور تصف الكائنات الحية، الإنسان، إضافة الى الكائنات الأخرى، على أنها آلات ذكية غايتها الوحيدة هي في آخر المطاف البقاء والتكاثر، نعرف ولكن هل نعرف حقاً؟ أن ذلك ليس إلا حقيقة جزئية أو ليس حقيقة على الإطلاق. في صمتنا الداخلي الذي قد يكون صاخباً نسبياً في بعض الأحيان، تتفاعل تأثيرات قوى متضادة، حيث تنسف محاولات تدمير الذات ميول البقاء والتكاثر. كثيراً ما يكون فقط الخوف من الموت الشيء الوحيد الذي يبقينا على قيد الحياة. كل التأويلات الواضحة لعالمنا الداخلي لمعرفتنا الصامتة هي حتماً زائفة. من حين لآخر - نادراً - ما أقرأ قصيدة تبهرني بحقيقتها صدقها لا أستطيع أن أوزع ذلك الإنطباع على كلمات معزولة، على أبيات، على صور أو على إيقاع القصيدة، ربما هي في مجملها بسيطة وبدون محسِّنات. لكنني وفي اللحظة التي أبدأ فيها تفسيرها، أفاجأ بأن الأساسي لم يقل بعد. أستنتج أن قصيدة مماثلة تُعَبِّرُ عن الحقيقة المعرفة الصامتة التي أيضاً لا تتوفر على صيغة دقيقة لتسميتها. أتخيل أن مؤلف القصيدة أهداني، إضافة الى تجربة جمالية دليلاً على تشابهنا. لسنا وحيدين، لا هو ولا أنا. قصائدي نفسها ليست ظاهرياً، صامتة بشكل خاص. أغلبها ليس كذلك. "أنا" الشاعرِ ضاجَّة بالأنانية. كأنه ليس فقط الشخصية الأساسية لعالمه الخاص، ولكن لكل مجريات العالم. أود مع ذلك، أن أتمكن من تبليغ انطباع كون هذه الشخصية واعية بنقص النسبية الذي يمزقها. في عمق كينونتها الصاخبة ينتشر صمت عميق، بحر من المعرفة الصامتة التي لم تبتكرها هي ذاتها، لم تخلقها بالسحر ولكن تلقتها، بشكل ما، هبة موروثة عن كورس للأجناس الحية بأصوات متعددة صامتة، عن رؤية من الأعلى، وقبل كل شيء عن جنسها البشري ذاته، عن وسطها الثقافي عينه، ولكن في العمق وبعيداً للغاية، عن اللحظات الأولى للمادة. عن طريق الصمت، أعتقد أني ربطت اتصالاً مع الذين يصمتون بحكمة، بالشكل ذاته مع الذين، في بداية لقائنا يتكلمون لغة الصراخ بفرح وبِعُسر، لكن داخل تجاويف أفكارهم يقطن ذات الصمت الذي أتحدث عنه. أصل الى هذا الإعتراف: بالنسبة لي التجربة الجمالية الناتجة عن القصيدة الشعر ترتبط من جديد بقوتها في التواصل. الى هذا، بدقة، أنتهي. بانتي هولابا ترجمة: بيت الشعر