الكتاب: عاصمة مصر حتى نهاية العصر الفاطمي : القاهرة والفسطاط - دراسة في إعادة تخطيطها الكاتب: دكتور أيمن فؤاد الناشر: المعهد الألماني للأبحاث الشرقية - بيروت - 1998 يحمل هذا الكتاب، الصادر باللغة الفرنسية، الرقم 48 في سلسلة "نصوص ودراسات بيروتية" المتخصصة في تاريخ وآداب الشرق العربي والإسلامي، ويتضمن دراسة التخطيط العمراني للفسطاط والقاهرة، اللتين كونتا عاصمة مصر في العصر الفاطمي، ووصف منشآتهما الدينية والمدنية ذات الطابع الاجتماعي، وذلك في إطار إعادة التشكيل الطبوغرافي لتلك العاصمة. ومع الاعتراف بصعوبة كتابة تاريخ عمراني معمق لمدينة القاهرة، خصوصاً إذا تعلق بفترة تأسيس المدينة، وذلك لاندثار معظم المنشآت التي اقيمت في هذه الفترة، سواء بفعل عوامل الزمن أو بسبب أعمال الأيوبيين خلفاء الفاطميين، الذين لم يتركوا من آثارهم سوى منشآتهم الدينية والحربية فقط، فإن المولف اعتمد الى جانب دراسة الآثار الباقية، على دراسة الآثار المندثرة التي وصفتها المصادر القديمة، والتي لم يُحسن - في رأيه - استخدامها والاستفادة منها حتى الآن، لا سيما مؤلفات المقريزي وابن دقماق والقلقشندي وابي المحاسن، الأمر الذي تسبب في ندرة المؤلفات التي تناولت حاضرة مصر الإسلامية زمن الفاطميين. يتحدد الإطار الزمني للكتاب بين 358-568ه / 969-1171م، واقتضت الدراسة الرجوع قليلاً الى الوراء لتكوين فكرة دقيقة عن تأسيس وتطور عواصم مصر الإسلامية السابقة على القاهرة، وهي الفسطاط والعسكر والقطائع، التي انصهرت في مدينة واحدة عشية الفتح الفاطمي لمصر، وعرفت باسم "مصر الفسطاط". وبعد إنشاء مدينة القاهرة الفاطمية، انقسكمت العاصمة واصبحت تعيش في ازدواجية من طراز فريد، فكانت القاهرة مركز الحكم مدينة عسكرية محصنّة ومخصصّة للخلفاء الفاطميين والخاصة من أفراد الحاشية وقادة الجيش، بينما استمرت الفسطاط في أداء رسالتها كمركز حضري وعاصمة فعلية تضج بالحياة وترتادها عامة الشعب، وعامرة بالأسواق والمنشآت الدينية والمدنية. وقد استمرت هذه الازدواجية لعقود طويلة، أعقبها امتداد تدريجي للعمران جعلهما يتصلان وينصهران كلية في مدينة واحدة كبرى نحو أواسط القرن السادس الهجري. قسمّ المؤلف الكتاب الى خمسة أقسام، تناول في القسم الأول نمو عاصمة مصر الإسلامية قبل العصر الفاطمي 19 - 358ه والتي بدأت بالفسطاط عند نقطة التقاء مصر السفلى ومصر العليا في نقطة استراتيجية تشرف على الوجهين القبلي والبحري، متبعة في ذلك التقاليد المحلية للبلاد. ونمت المدينة دائماً في اتجاه الشمال الشرقي، وكان موقع أول عاصمة لمصر الإسلامية محمياً من اتجاهات ثلاثة، هضبة المقطم في الشرق، والنيل في الغرب، والتقاء الهضبة والنيل في الجنوب، ولم يكن هذا الموقع مفتوحاً سوى في اتجاه الشمال، وهو الاتجاه الذي توسعت عبره العاصمة، وأقيمت فيه لاحقاً مدن العسكر والقطائع والقاهرة. وتناول القسم الثاني سياسة الفاطميين في مصر بعد انتقالهم الى الشرق لمواجهة العباسيين، وإدخالهم الإصلاحات الدينية والاقتصادية والاجتماعية التي فرضها القائد جوهر الصقلي، والتي تدل على أن الفاطميين أقاموا في مصر أكثر الادارات مركزية من حيث التسلسل الهرمي في الإسلام، وأنهم نجحوا في الاستفادة من كل الفئات الاجتماعية والدينية والعرقية التي شكلت الشعب المصري. أما القسم الثالث فتناول تاريخ القاهرة في ظل النظام الفاطمي المدني، الذي انتهى بوصول أمير الجيوش بدر الجمالي الى السلطة سنة 466ه. ويؤكد المؤلف أن جوهر وسيده المعز، لم تكن لديهما النية في بداية الأمر لتأسيس مدينة بمعنى الكلمة، فلم تكن القاهرة سوى مقر خليفي يسكنه الخاصة، والمركز الإداري والعسكري للنظام الفاطمي، ومركز النشاط الايديولوجي والثقافي للعقيدة الاسماعيلية، بينما ظلت الفسطاط الحاضرة الحقيقية لمصر، حيث يسكن عامة الشعب، والمركز التجاري والاجتماعي والصناعي للبلاد. وأفاض المؤلف في هذا القسم في وصف المدينة المّحصنة كما شيدها جوهر الصقلي، بدراسة لمصطلح "الحارة" الذي يحدد الأحياء المختلفة للمدينة الفاطمية، وبتحديد لظواهرها المباشرة وقت تأسيسها. وأفرد المؤلف دراسة خاصة للجامع الأزهر، بوصفه أول المساجد الجامعة في المدينة الفاطمية، كما عرض دراسة مفصلة للقصر الفاطمي الكبير والقصر الغربي، ثم تناول امتداد المدينة في ما وراء الاسوار الشمالية والجنوبية، وتأسيس جامع الحاكم، وإنشاء أحياء جديدة خارج بابي الفتوح وزويلة وفي الجانب الغربي للخليج. خُصص القسم الرابع من الكتاب لدراسة تاريخ القاهرة في ظل النظام الفاطمي العسكري منذ استيلاء بدر الجمالي على الحكم وحتى زوال الاسرة الفاطمية، والذي شهد مشروع بدر الجمالي في توسيع أسوار القاهرة وتحصينها بين سنتي 480 - 485 ه. ويؤكد المؤلف أن الفاطميين لم يضيفوا أية منشآت مهمة في القاهرة بعد ذلك المشروع، لتعرض مصر لمرحلة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحادة، وكان للشدة العظمى في زمن المستنصر أثر بالغ على الحياة في العاصمة، وأدت هذه الأزمات الى خراب العديد من احياء الفسطاط، وفقدت القاهرة مكانتها كمدينة رسمية بعد أن أباح بدر الجمالي للناس "وكل من وصلت قدرته الى عمارة، بأن يعمر ما شاء في القاهرة، مما خلا من فسطاط مصر ومات أهله". ولم تعرف هذه المنطقة الرخاء مرة أخرى إلا بعد ستين عاماً في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله ووزارة المأمون البطائحي، فظهرت أحياء من جديد جنوب باب زويلة، ونمت حارة الحسينية خارج باب الفتوح في الشمال، وكان التوسع نشيطاً "حتى أن والي القاهرة كان يحتاج الى مناوبة أحد أعوانه لحفظ الأمن هناك". وخصص المؤلف في نهاية هذا القسم دراسة عن الاصلاح السني في مصر، الذي بدأ مع الوزراء السُنة للخلفاء الفاطميين المتأخرين، مثل رضوان بن ولخشي والعادل بن السّلار، وهو الإصلاح الذي تم استكماله عقب وصول صلاح الدين الى السلطة. أما القسم الخامس والأخير فتناول التنظيمات الإدارية والبلدية للعاصمة، وأوضح المؤلف خلاله أن المدن الإسلامية على العموم لم تتبع نظاماً معيناً في تسمية موظفيها المسؤولين عن البلديات، فكان الخليفة أو الحاكم يقوم بتعيين جميع موظفي المدينة الإسلامية، بينما كانت الخدمات والمرافق مثل تزويد المدينة بمياه الشرب والنقل الداخلي والصحة العامة، متروكة لعناية مهن متخصصة من دون أي تدخل من السلطات. وفي نهاية الكتاب يعطي المؤلف ثبتاً وافياً بمراجع كل أثر أو حادثة تاريخية ذكرت في الكتاب، مستخدماً مصطلحات ذلك العصر مع ترجمتها الفرنسية