مصراتة (ليبيا) - أ ف ب - تدل المعارك العنيفة التي تدور رحاها منذ شهرين في مدينة مصراتة الكبيرة المتمردة (200 كلم شرق طرابلس) على الأهمية الاستراتيجية التي تكتسيها باعتبارها العمود الفقري في اقتصاد البلاد. كما أن هذه المدينة تفخر بتقاليدها العريقة في مجال المقاومة. ووقعت اشتباكات عنيفة الجمعة قرب مطار المدينة بعدما حاولت دبابات من قوات القذافي اقتحامها. وقد دحر الثوار الجيش الليبي يوم الإثنين من المدينة البالغ عدد سكانها نصف مليون نسمة والتي تعتبر الأغنى في ليبيا، بعد أسابيع من المعارك الطاحنة. واعتبر كريم بيتار من مركز الدراسات والعلاقات الدولية في باريس ان «موقعها وبناها التحتية تجعل من مصراتة مدينة استراتيجية بامتياز سواء في المجال الاقتصادي أو اللوجستي لا سيما إذا استمر القتال». وكانت المدينة قبل تعرضها إلى دمار كبير تتمتع بصناعة متطورة (الحديد والصلب والنسيج والجلد ومصفاة) وتعد طبقة متوسطة كبيرة والعديد من الطلاب. وأوضح بيتار أن الميناء «الذي بناه الإيطاليون مطلع القرن الماضي يعتبر على الصعيد اللوجستي عصباً اقتصادياً أساسياً». ولفت الباحث إلى أن مصراتة «تقع بين طرابلس وسرت، مسقط رأس القذافي، وعلى أقل من ساعتين من طرابلس وقد يهدد سقوطها القذافي نهائياً بشكل اكيد». وقال أحد أعيان طرابلس طالباً عدم كشف هويته خوفاً من الانتقام «يمكن القول ببساطة انه إذا سقطت مصراتة فإن الثوار سيصبحون على مشارف طرابلس». واعتبر انه سيكون حينئذ من السهل على الثوار ارسال أسلحة وتعزيزات بحراً تحت حماية حلف الاطلسي قبل الزحف على العاصمة. ولذلك، كما قالت استاذة العلوم السياسية في بنغازي عبير أمنينة، فإن «القذافي يبذل كل ما في وسعه كي لا تسقط مصراتة (تماماً في يد الثوار)». وبين الزعيم الليبي وسكان مصراتة عداوة قديمة تعود إلى ما قبل ثورة المدينة في 19 شباط (فبراير) عندما اطلقت القوات الحكومية نيران مدافعها المضادة للطيران على المتظاهرين. ولخص كريم بيتار بالقول إن «سكان مصراته معروفون بروحهم القتالية»، مؤكداً «انهم قاوموا الايطاليين منذ 1911» تاريخ وصولهم الى ليبيا. واشتهر قائد محلي خلال تلك الانتفاضة الاولى في الاوساط الشعبية والفلاحين يدعى رمضان السويحلي الذي ما زال السكان يتذكرونه بتأثر. وروى الباحث الفرنسي «انه تسبب في ارق الايطاليين وكان يسيطر تقريباً على كل المنطقة احياناً بدعم العثمانيين». وتابع بيتار ان «في الوقت نفسه وفي الخمسينات اندلعت حركات تمرد في مصراتة احتجاجاً على انتخابات مزورة ما دفع بالنظام الملكي الى حظر الاحزاب السياسية».