ربما تحمل الدعوات التركية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، بعد الضربات الصاروخية الأميركية على إحدى قواعده الجوية قدراً من المبالغة في تقدير إقبال واشنطن على التوغل في شكل أعمق في الحرب السورية، كما أنها تهدد التقارب الهش بين أنقرةوروسيا. وبعد ساعات من الضربات الصاروخية، وصف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الخطوة بأنها «إيجابية وملموسة ضد جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد»، وقال إن المجتمع الدولي يجب أن يفعل المزيد. وبدا أول هجوم أميركي مباشر على الحكومة السورية في الحرب الدائرة منذ ست سنوات وكأنه يثبت صحة دعوات يطلقها اردوغان منذ أمد للإطاحة بالأسد. وهو يأتي في لحظة مواتية له فيما يواصل حملاته الانتخابية قبل استفتاء على تعديلات دستورية لزيادة سلطات الرئيس. لكنه يسلط الضوء أيضاً على عدم اتضاح السياسة التركية حيال سورية، بينما تحاول أنقرة توثيق علاقاتها بموسكو الداعم الرئيسي للأسد وبواشنطن حليفتها في حلف شمال الأطلسي والتي كانت عازفة من قبل عن مواجهة الرئيس السوري في شكل مباشر. وقال آرون ستاين وهو زميل في مركز «أتلانتك كاونسل» البحثي: «أعتقد أن اردوغان يمكنه أن يصوّر هذا على أنه فوز، لكن الحال ليست هكذا في الواقع. الضربة الأميركية منفردة ومحدودة». وتابع قائلاً: «تركيا لا يمكنها إحداث تغيير للنظام مع وجود روسيا في سورية، كما لا تستطيع الولاياتالمتحدة ذلك. الضربات (الأميركية) هي تكتيك من دون استراتيجية وهو ما يترك تركيا بين رحى حليفتها القوية الوحيدة... الولاياتالمتحدة... وروسيا». والسياسة التركية في سورية مشوشة. فالأسد لا يزال على رأس السلطة، على الرغم من إصرار تركيا الطويل على الإطاحة به. والمقاتلون الأكراد الذين تراهم قوة معادية يحققون مكاسب بدعم أميركي، كما أنها مستهدفة في شكل متزايد من تنظيم «داعش» عبر الحدود. وبدا أخيراً أن تركيا قبلت بدور انتقالي للأسد وهي تحاول التأقلم مع الحقائق على الأرض وتحاول إعادة بناء روابطها مع موسكو التي تأذت في شكل كبير بعد إسقاط أنقرة طائرة حربية روسية في 2015، مما أثار خلافاً ديبلوماسياً أفقدها تعاملات تجارية وسياحية ببلايين الدولارات. وقال متين جورجان وهو ضابط سابق في الجيش التركي ومحلل في مركز اسطنبول للسياسة: «هناك صراع نفوذ بين روسياوالولاياتالمتحدة في شأن مستقبل سورية، وتركيا تتعثر من الحين للآخر بين الاثنتين». وتابع: «في بعض الأحيان، نؤيد واشنطن بقوة وفي أحيان أخرى نساند موسكو. وقد ينتهي ذلك بأن تبدو تركيا في صورة لاعب مواقفه ليست متسقة وغير متوقعة ومن ثم لا يعول عليه». استياء «أوضح بكثير» استهدفت الضربات الصاروخية الأميركية قاعدة جوية، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه انطلق منها هجوم فتاك بأسلحة كيماوية على محافظة إدلب قرب الحدود التركية. وفي تجمع انتخابي في إقليم هاتاي بجنوب تركيا الذي يحاذي إدلب السورية، حض اردوغان المجتمع الدولي على فعل المزيد. وقال عن الخطوة العسكرية الأميركية: «هل هي كافية؟ لا أراها كافية. حان الوقت لاتخاذ خطوات جادة لحماية الشعب السوري البريء». وكان وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو أكثر صراحة وقال إنه يجب الإطاحة بحكومة الأسد فوراً. وقال للصحافيين: «إذا لم يكن يريد الرحيل وإذا لم تكن هناك حكومة انتقالية وإذا واصل ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، فينبغي اتخاذ الخطوات الضرورية للإطاحة به». ويضع ذلك تركيا على خلاف مباشر مع روسيا، بعد أقل من أربعة أشهر من توسط البلدين في وقف لإطلاق النار في سورية وعقد محادثات سلام في آستانة عاصمة كازاخستان. ودانت موسكو، التي لديها مستشارون عسكريون على الأرض دعماً لقوات الأسد، الخطوة العسكرية الأميركية وقالت إنها غير مشروعة. وقال مسؤول تركي بارز: «على الرغم من التصريحات المختلفة من تركياوروسيا في شأن الضربة الأميركية، ما زالت هناك قناة اتصال بيننا وجهود حل الأزمة السورية ستستمر»، متعهداً بمواصلة محادثات آستانة. وقال مسؤول ثان إن استياء تركيا من روسيا «أصبح أوضح بكثير» بعد الضربات الصاروخية الأميركية، لكنه قال أيضاً إنها لا تريد شراكتها مع موسكو أن تتضرر. «لا خيارات جيدة» قال جان أجون الخبير بمؤسسة (إس.إي.تي.إيه) البحثية في أنقرة إن مواقف روسياوتركيا حيال سورية تتباعد منذ فترة، مشيراً إلى استعداد موسكو للعمل مع المسلحين الأكراد في سورية وفشلها في منع انتهاكات قوات الأسد لوقف النار. وأضاف: «الهجوم الكيماوي في إدلب وصمت روسيا ومحاولاتها الدفاع عن النظام السوري كانت القشة التي قصمت ظهر البعير... هذا سيوتّر علاقات تركيا مع روسيا وإيران، لكن العامل الفاصل في النهاية سيكون مدى الحسم الذي ستتصرف به الولاياتالمتحدة». وعلى الرغم من تأييدها السريع للخطوة العسكرية الأميركية، فقد وقفت أنقرة على طرفي نقيض مع واشنطن في ملفات أخرى في السياسة السورية. ومما أثار غضبها على وجه الخصوص دعم الولاياتالمتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية السورية التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية وامتداداً لمسلحين أكراد على أراضيها. وقبل شهر واحد، كانت أنقرة تستبعد التوصل إلى حل وسط مع واشنطن، في شأن مشاركة وحدات حماية الشعب في هجوم مزمع على الرقة معقل «داعش» في سورية. ووحدات حماية الشعب عنصر رئيسي في تحالف قوات سورية الديموقراطية الذي يتلقى دعما أميركياً عسكرياً. وقال اردوغان إن تركيا، التي تستضيف طائرات للتحالف بقيادة الولاياتالمتحدة في قاعدة إنجيرليك الجوية بالجنوب، ستكون مستعدة لدعم مزيد من الإجراءات العسكرية الأميركية في سورية. لكن ماهية هذا الدور لم تتضح بعد. وقال ستاين الزميل في «أتلانتك كاونسل»: «لا أتوقع أن يكون هناك دور لتركيا عدا استمرارها في استضافة أصول هجومية للتحالف في إنجيرليك»، مشيراً إلى أن تلك الأصول تستخدم في الأساس لدعم قوات سورية الديموقراطية وليس لمحاربة الأسد. وأضاف: «تركيا تقف في الموقع نفسه الذي كانت فيه في السادس من نيسان(أبريل) 2017 (اليوم السابق للضربة الأميركية)... لاعباً أساسياً في شمال سورية حتى وإن لم تكن هناك خيارات جيدة للتصعيد».