اقتصادات واعدة    وزارة الحرس الوطني⁩ تطلق البطاقة الرقمية لبرنامج "واجب" لأسر الشهداء والمصابين    المملكة: إقامة الدولة الفلسطينية أولوية وشرط أساسي للسلم الإقليمي والدولي    رئيس الوزراء الفلسطيني: المملكة كان لها دور أساسي في تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني    إجراء مراسم قرعة بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ في الرياض    ولي العهد يلتقي رئيسة جمهورية كوسوفا    أكثر من 54 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال شهر ربيع الآخر 1447ه    تداول يغلق مرتفعا 26 نقطة    «الجيوسياسية» تدعم أسعار النفط مؤقتًا    المعافا يقدّم التعازي لأسرتي العر والبوري في القمري    نائب أمير الشرقية يطّلع على جهود "انتماء وطني"    التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب يستقبل وفدًا من جامعة الدفاع الوطني    اكتشاف يفسر لغز المطر الشمسي    القيادة تعزّي ملك تايلند    53% من صادرات المنتجات البحرية لمصر وعمان    برعاية وزير الداخلية.. افتتاح بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ    كأس الملك .. الأهلي يتغلب على الباطن بثلاثية ويتأهل لربع النهائي    كأس الملك .. الخلود يفوز على النجمة ويتأهل لربع النهائي    اليوسف يلتقي عددًا من المستفيدين ويستمع لمتطلباتهم    «الشورى» يطالب بمعالجة تحديات إدارة وتنمية الأصول العقارية للقُصّر    التواصل الحضاري يسلط الضوء على واقع ذوي التوحّد    "موهبة" تشارك في مؤتمر "الطفولة تزدهر 2030"    "عفت" تشارك في مهرجان البحر الأحمر بأفلام قصيرة    أمير عسير يدشّن ملتقى التميّز المؤسسي في التعليم الجامعي    2600 نحال يقودون تربية النحل بمدن عسير    "تجمع القصيم" يستعرض برامجه النوعية في ملتقى الصحة    إسرائيل بين تحولات الجنوب وتصاعد التوترات مع لبنان    الخليج يكسب التعاون ويتأهل لربع نهائي كأس الملك    الأميرة نجود بنت هذلول تتابع تطوير أعمال تنظيم وتمكين الباعة الجائلين بالشرقية    نائب أمير مكة يتسلم تقريرًا عن استحداث تخصصات تطبيقية بجامعة جدة    "التخصصي" يوقّع أربع اتفاقيات لتعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية التخصصية    عملية جراحية ناجحه للإ علامي أحمد دبيش    السعودية: مواقفنا راسخة وثابتة تجاه فلسطين وشعبها    وزير الصحة يزور ركن تجمع الرياض الصحي الأول ويطّلع على أبرز مبادراته في ملتقى الصحة العالمي 2025    رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يغادر المدينة المنورة    الكاراتيه ينهي بطولته المفتوحة    أكثر من 11.7 مليون عمرة خلال ربيع الآخر    إنطلاق الملتقى العلمي الخامس تحت عنوان "تهامة عسير في التاريخ والآثار "بمحايل عسير    القيادة تهنئ رئيس النمسا ورئيسة إيرلندا    القمة العالمية للبروبتك.. السعودية مركز الاستثمار والابتكار العقاري    قتلى وجرحى في كييف واعتراض طائرة متجهة نحو موسكو.. حرب المسيرات تتصاعد بين روسيا وأوكرانيا    قيمة الدعابة في الإدارة    الصحن الذي تكثر عليه الملاعق    بين الماضي والحاضر.. الجميل والأجمل!!    السعودية ترحب وتثمن جهود إنهاء النزاع الحدودي.. اتفاق لوقف إطلاق النار بين تايلند وكمبوديا    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    تركي يدفع 240 دولاراً لإعالة قطتي طليقته    الدروس الخصوصية.. مهنة بلا نظام    «التعليم»: لا تقليص للإدارات التعليمية    هيئة «الشورى» تحيل تقارير أداء جهات حكومية للمجلس    إثراء تجارب رواد الأعمال    علماء يطورون علاجاً للصلع في 20 يوماً    رصد سديم "الجبار" في سماء رفحاء بمنظر فلكي بديع    8 حصص للفنون المسرحية    المعجب يشكر القيادة لتشكيل مجلس النيابة العامة    116 دقيقة متوسط زمن العمرة في ربيع الآخر    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفاجآت «الكتالوغ المسبب» للفنان محمود سعيد
نشر في الحياة يوم 28 - 02 - 2017

هذا عمل ثان غير مسبوق في الفن التشكيلي العربي في أقل من ستة أشهر: نشر «كتالوغ مسببCATALOGUE RAISONNE» لفنان تشكيلي عربي هو محمود سعيد (1897 - 1964). كان العمل الأول معرض الحركة السوريالية في مصر الذي أقامته في القاهرة مؤسسة الشارقة للفنون بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية. طبعت دار «سكيرا» الإيطالية المختصّة بكتب الفن الفاخرة، 1800 نسخة لمجلدين كبيرين من 900 صفحة يضمان هذا الكتالوغ، وتقيم له دار كريستيز في دبي حفلة تدشينه ضمن المعرض العالمي «آرت دبي» في 16 آذار (مارس)، وتقوم دار «تيمس أند هدسون» بتوزيعه عالمياً. وقف وراء إصدار هذا الكتالوغ مقتني الأعمال الفنية وخبيرها الدكتور حسام رشوان؛ أستاذ الكمبيوتر في جامعة الإسكندرية؛ بالتعاون مع مؤرخة الفن وناقدته الفرنسية فاليري ديديه هاس، وهي صاحبة مبادرة إعداد الكتالوغ.
بداية يجب أن نعرف ما هو الكتالوغ المسبب؟ شرح ياسر عمر أمين المختصّ بالملكية الفكرية والجوانب القانونية للفن في دراسته المنشورة في الكتالوغ، الشروط الواجب توافرها في الكتالوغ المسبب وهي باختصار: نشر صورة لكل عمل فني معروف للفنان ومواصفاته بالتفصيل، نشر خط سير كل عمل فني مُذ خرج من الفنان وحتى المقتني الحالي له، ذكر جميع المعارض التي اشتركت فيها كل لوحة. ثم نشر جميع الأدبيات التي شاركت فيها صورة كل لوحة. تخيل! من كتالوغات لمعارضه أو معارض شارك فيها وكتب ودوريات ورسائل علمية وغيرها داخل مصر وخارجها. فضلاً عن نشر الوثائق والصور الفوتوغرافية المتاحة والمتعلقة بالفنان. يجب أن يصاحب الكتاب موقع على الإنترنت ليتابع المتغيرات والاكتشافات الجديدة التي تحدث لأعمال هذا الفنان. بالفعل بعد طباعة هذا الكتالوغ، تم اكتشاف اسكتش من الزيت رسمه محمود سعيد لوالده محمد باشا واسكتشين بالقلم الرصاص سيظهران على هذا الموقع مع ما قد يستجد. أكثر من أربع سنوات قضاها حسام رشوان وفاليري ديديه في الإعداد لهذا الكتالوغ في صمت ليخرج مدوياً حافراً اسمه في تاريخ الفن التشكيلي العربي. عمل مؤسسة دولية كبيرة قام به شخصان! لم يمنحاه فقط وقتهما الكامل، بل منحاه أيضاً من أموالهما. ويكفي أن نعرف باختصار شديد ما فعلاه: أعدا قائمة بكل مكان في العالم فيه لوحة مهما كان حجمها لمحمود سعيد أو مادة مكتوبة مهما كانت عنه أو بخط يده أو صورة فوتوغرافية تتعلق به أو بأفراد أسرته. تتبعا مسار كل عمل فني له مُذ رسمه وحتى الآن وكلفا عدداً من أفضل المصورين الفوتوغرافيين في العالم تصوير الأعمال الفنية بجودة فائقة وعلى نفقتهما الشخصية. شيء مذهل بالفعل. بخاصة إذا عرفنا أين هي أعمال محمود سعيد حالياً. هناك بالطبع متحفه في الإسكندرية ومتحف الفن الحديث والمتحف الزراعي ومتحف الجزيرة المغلق منذ ربع قرن في القاهرة، ولدى عدد من مقتني أعماله في مصر ومنهم حسام رشوان نفسه، وكل هذا سهل. أما الصعب فهو تصوير أعماله خارج مصر: في مقتنيات خاصة مثل ميشال أورلوف في موسكو، وهو ابن الأميرة فادية بنت الملك السابق فاروق، ونيفين سري في نيويورك وشارل تيراس في فرنسا، وهو للمناسبة مؤسس إدارة الفنون الجميلة التي أصبحت حالياً قطاع الفنون التشكيلية في مصر، وغيرهم في أستراليا وكندا. أيضاً في بعض السفارات المصرية مثلما في استكهولم وواشنطن والفاتيكان وباريس.
بعد ذلك، بحث الدكتور حسام والسيدة فاليري عن ممولين لطباعة الكتالوغ بكلفة تبلغ 180 ألف دولار. هناك من رفض المشاركة في التمويل، لكن هناك من قبِلَ. بفضل هؤلاء المتبرعين تمت طباعة الكتالوغ، وكلهم من مقتني لوحات محمود سعيد: رمزي دلول، ياسر زكي هاشم، أحفاد محمود سعيد، حسام رشوان، شيرويت شافعي، فاتن مصطفى، هاشم منتصر، فضلاً عن دار كريستي للمزادات التي دفعت 25 ألف دولار مقدماً مقابل شرائها عدداً من نسخ الكتالوغ وحق إقامة حفلة الإصدار. هكذا، حمل حسام رشوان وفاليري ديديه مادة الكتالوغ المصورة والمكتوبة والمخطوطة إلى ميلانو حيث المطبعة وتابعا عملية التصميم الفني للكتالوغ إلى أن تمت طباعته. تبقى بعض الأسرار أو المفاجآت التي كشف عنها هذا الكتالوغ المسبب، والتي نوضحها هنا للمرة الأولى ومن دون ترتيب: أنه وعلى رغم أن محمود سعيد هو الفنان التشكيلي العربي الأكثر شهرة والأغلى سعراً، فإنه غير معروف على المستوى العالمي. بمعنى أنه ليس هناك متحف خارج مصر يقتني لوحات له باستثناء متحف قطر للفنون وهو متحف حديث. كما أن إجمالي ما رسمه محمود سعيد في حياته 380 عملاً فقط، فهل يفسر ذلك عدم تفرغه للرسم وانشغاله بعمله في القضاء؟
كان من أهم أسباب إصدار هذا الكتالوغ أنه ليس هناك، ونحن في بدايات القرن الواحد والعشرين، كتاب معتبر باللغة الإنكليزية عن الفن المصري الحديث أو عن أهم فنانيه، باستثناء كتاب الفنانة ليليان كرنوك المهاجرة في كندا والصادر منذ سنوات طويلة وهو كتاب غير كامل، علماً أن مثل هذه الكتب يعتبر مرجعاً مهماً لدور مزادات الفن العالمية وفي تجارة الفن عموماً. هذا الكتالوغ صحَّح معلومات خاطئة انتشرت حول بعض لوحات محمود سعيد مثل اسم لوحة أو تزويرها أو اختفائها. فقد انتشر اسم «بنت البلد» على إحدى لوحاته التي تصور سيدة عارية الصدر حتى في رسائل علمية، بينما أثناء تصوير هذه اللوحة وجدوا أن محمود سعيد كتب اسمها بخط يده على ظهرها وهو «توحيدة».
كما أكدت المعلومات المنشورة في الكتالوغ صحة البلاغ الذي تقدم به الباحث المتفرد في الشؤون القانونية للفن ياسر عمر أمين، إلى النائب العام حول اختفاء لوحة محمود سعيد «قبرص بعد العاصفة» من متحف الفن المصري الحديث. هذه اللوحة تمت إعارتها من المتحف إلى معرض في أوروغواي وعادت إلى مقر وفد مصر في الأمم المتحدة عام 1960. توقف خط سير اللوحة عندذاك. بينما ظهرت اللوحة في القاهرة وتم تصويرها في كانون الثاني (يناير) 2013! ثم اختفت من مصر بعد ذلك. كما كشف الكتالوغ المسبب عن قيام محمود سعيد بعمل نسخة ثانية أصلية موقَّعة منه لبعض لوحاته مثل لوحة «ذات العيون الخضراء»، توجد نسخة منها ضمن مقتنيات السفارة المصرية في واشنطن معارة من متحف الفن الحديث في القاهرة والنسخة الأخرى لدى شارل تيراس في فرنسا الذي قام بعرضها في مزاد كريستي في تشرين الأول (أكتوبر) 2007. كذلك اللوحة المشهورة «بنات بحري» وهي في مكتب وزير الخارجية المصري وتوجد نسخة أخرى أصلية موقعة من الفنان ومؤرخة بخط يده عام 1940 من مقتنيات رجل الأعمال أحمد عز حالياً. وفي الكتالوغ خط سير هذه اللوحة بالتفصيل تدعمه المستندات. يكشف الكتالوغ عن معلمة محمود سعيد الأولى في الرسم وهي الفنانة إيميليا كازونانو التي قامت بتعليم عدد من المصريين والأجانب فن الرسم في الإسكندرية في بدايات القرن العشرين، ونشر الكتالوغ صورة لها. الأهم من ذلك، أن الكتالوغ يقدم صوراً لكل أعمال محمود سعيد منذ بدايته وحتى نهايته. أي أنه بمثابة متحف متكامل لأعماله لا يتيسر حتى في متحفه بالإسكندرية.
ومن هذا المتحف المصور نكتشف أن محمود سعيد، الذي لم يتعلم الرسم أكاديمياً، كان فناناً عادياً في بدايته. كان يصور المناظر الطبيعية. وبالتدريج، كان يزداد خبرة وتمكناً في ظل موهبة واضحة، حتى أخذ يتميز بقوة عندما بدأ يرسم صوراً لأشخاص، بخاصة النساء، خصوصاً من الحياة الشعبية السكندرية، وصوراً شخصية لنفسه، ولوحات لمجاميع من الناس في حالات دينية خاصة مثلما في لوحات الدراويش والذكر والصلاة ذات الهندسة الداخلية القوية. أي أن محمود سعيد أخذ في التميز بقوة مع رسم الأشخاص. إذاك ظهرت طاقات روحية وحسية معاً في لوحاته أوحت بسر خاص وجاذبية في كل لوحة، ما دفع السورياليين المصريين إلى أن يعتبروه من أساتذتهم ويعرضوا له لوحة «ذات الجدائل الذهبية» في أول معرض جماعي ينظمونه عام 1940 باسم «الفن الحر»، وكان آخر معرض سوريالي يشارك فيه.
أخيراً، أرجو أن يكون كتالوغ محمود سعيد «المسبب» حافزاً لمبادرات أخرى لتكراره مع فنانين عرب آخرين يستحقون مثله عن جدارة، ويكون بوابتهم لما يعرف ب «العالمية» التي يستحقونها أيضاً، وأن تدعم الحكومات العربية هذه المبادرات، فهذا جزء من واجباتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.