للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية، يدخل اليوم رئيس حكومة سابق هو إيهود أولمرت، السجن الفعلي بعد إدانته في قضايا فساد ورشاوى، لينضم إلى قائمة طويلة من سياسيين سبقوه إلى السجن، أبرزهم رئيس الدولة السابق موشيه قصاب الذي ما زال يقضي محكومية السجن لست سنوات ثمناً لتحرشاته الجنسية الكثيرة بموظفات عملن تحت إمرته، إضافة إلى وزراء نافذين، خصوصاً من حزب «شاس» الديني الشرقي. وأوجزت مقدمة برامج في الإذاعة العامة الشعور الذي ينتاب الإسرائيليين اليوم بالقول: «من جهة لنا أن نفخر بأن الجميع متساوون أمام القانون، لكن من جهة ثانية هذا يوم حزين، نشعر فيه بعارٍ واختناق عندما نرى رئيس حكومة يجلس وراء القضبان». ورد زميلها المقدم مقتبساً مقولة توراتية عن وضع أولمرت: «من أعلى شرفٍ إلى أسفل درَك». ويدخل أولمرت السجن حيث يمكث 19 شهراً (يمكن خصم ثلثها في حال كان سلوكه جيداً) بعد أن قامت سلطة السجون والمؤسسة الأمنية بتجهيز قسم خاص لاستقباله في سجن «معسياهو» ليكون بعيداً من السجناء الجنائيين العاديين خشية تعرضه لابتزاز، هو الذي يحمل في جعبته كل أسرار الدولة العبرية. وحتى سقوطه في الفساد، اعتُبر أولمرت واحداً من «أذكى» السياسيين الذين عرفتهم إسرائيل، فهو الذي ترعرع في حزب «ليكود»، واعتُبر أحد «أمراء اليمين»، ودخل الكنيست وهو في الثامنة والعشرين من عمره، وتدرج في مناصب وزارية مختلفة. ولاحقاً، نجح في هزم «الرئيس الميتولوجي»، بحسب تعريف الإسرائيليين، للبلدية الإسرائيلية في القدس تيدي كوليك، فجلس على كرسيه مدة 11 عاماً، عاد بعدها إلى الكنيست، حيث رعاه رئيس الحكومة السابق آريئيل شارون، وغادر معه «ليكود» بداعي تطرف مواقف الحزب، منتقلاً إلى حزب «كديما» الجديد (اختفى عن الساحة العام الماضي). وعيّنه شارون قائماً بأعمال رئيس الوزراء ليحل محله بعد أشهر قليلة حين غط شارون في غيبوبة. وفي انتخابات عام 2006، نجح أولمرت على رأس حزب «كديما» في الفوز في الانتخابات وتشكيل حكومة برئاسته. وبقي في منصبه ثلاث سنوات اضطر بعدها إلى تبكير الانتخابات في أعقاب تراكم شبهات ضلوعه في الفساد المالي. ولم يحظَ أولمرت، منذ مغادرته «ليكود» وحتى توليه الحكم، بشعبية كبيرة، إذ أخذ عليه الإسرائيليون أنه «باذخ لا يشبع، ويدخن السيكار ويشرب أفخر أنواع الويسكي ومتعالٍ». وهاجمه أنصار «ليكود» واليمين على «خيانته» الحزب، وتحوله من صقر سياسي ينادي ب «أرض إسرائيل الكاملة» إلى يميني معتدل يؤمن بالتسوية السياسية. وتراجعت شعبيته بشكل حاد وبلغت الحضيض بعد الحرب التي شنها على لبنان صيف عام 2006، التي يعتبر الإسرائيليون نتائجها فشلاً عسكرياً، بعد أن أشارت لجنة التحقيق الرسمية (لجنة فينوغراد) إلى أن أولمرت أخفق في قراراته شن الحرب، و «إن تحلى بالمسؤولية في كل ما يتعلق بوقف الحرب». ورافق هذا الفشل الكشف المتتالي عن «فضائح رشاوى» تلقاها حين كان رئيساً للبلدية ووزيراً للصناعة والتجارة في حكومة شارون. ومع صدور الأحكام، لم يخفِ خصوم أولمرت شماتتهم بما آل إليه وضعه.