خطاب ولي العهد خارطة طريق للمستقبل الاقتصادي    استكشاف فرص الاستثمار بين السعودية والهند بقطاع الأحجار الكريمة والمجوهرات    ولي عهد الكويت يستقبل الأمير عبدالعزيز بن سعود    أمير القصيم يطلع على برنامج الخرائط الإلكترونية وانجازات جمعية التنمية الاجتماعية الأهلية بالشماسية    أمير منطقة جازان يستقبل أبناء قاضي التمييز بجازان سابقًا    رابطة أندية الدرجة الأولى للمحترفين تطلق مبادرة "الهوية المناطقية"    مؤتمر حائل لأمراض القلب : منصة علمية لتعزيز التقدم الطبي في أمراض القلب    نائب أمير الشرقية يستقبل أمير الفوج الحادي عشر ومدير فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    مؤتمر موني 20/20 الشرق الأوسط غدا في الرياض    ضمن فعاليات موسم الرياض 2025.. الملاكم الأمريكي تيرينس كروفورد بطلًا للعالم    الوفد الكشفي السعودي يزور الحديقة النباتية في بوجور ضمن فعاليات الجامبوري العالمي    «عقارAQAR» راعٍ رئيسي في القمة العالمية للبروبتيك 2025 بالرياض    الصحة القابضة والتجمعات يفعّلون الحملة الوطنيّة للإسعافات الأولية.. ويُدربّون أكثر من 434 ألف    لودي يعلق على طلب فسخ عقده مع الهلال    3 أسباب للحوادث المرورية في منطقة الرياض    أمطار رعدية متوسطة على عدد من المناطق    كوريا الجنوبية تُسجل أول إصابة بإنفلونزا الطيور هذا العام    استشهاد 4 فلسطينيين جراء استهداف الاحتلال الإسرائيلي خيام نازحين غرب مدينة غزة    رحيل من ضيّع في الإعلام عمره.. ولم يضيّع ذكراه    استخدام المنصات الرقمية يغير سلوك الأطفال    كلمات ولي العهد تسطر بمداد من مسك    مرحبا بمن جاء يحمل زادي إلى الآخرة    الزميل سعود العتيبي في ذمة الله    وزير الخارجية القطري يلتقي قائد القيادة المركزية الأمريكية    مركز الدرعية لفنون المستقبل يفتتح "استمرارية 25"    إمام المسجد النبوي: الفوز الأبدي يأتي بتحقيق العبودية لله    قطبا مانشستر لمداواة جراحهما.. وليفربول يواجه بيرنلي    الخليج يتغلب على الفيحاء بثلاثية    بيض ديناصور بعمر 86 مليونا    القوات الجوية تستعد للتألق في اليوم الوطني    الجيش اللبناني يتسلم الأسلحة من عين الحلوة    مفاوضات إيرانية جدية مع الأوروبيين    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الزامل    أفراح الطويرقي والجميعة بزفاف عبدالله    دغيس مديراً لفرع البيئة    النجوم الكويتية تكرم الحربي وقادة كشافة بمكة    أشاد بالمرونة والتنوع.. صندوق النقد: الاقتصاد السعودي يتقدم بثبات في مسار رؤية 2030    إنفاذاً لتوجيه سمو ولي العهد بالتوازن العقاري.. إطلاق منصة لطلبات الأراضي السكنية في الرياض    شغف الموروث    إعادة النظر في أزمة منتصف العمر    أسعار مرتفعة تعيق شغف فتيات جدة بتعلم الموسيقى    مثقفون وإعلاميون يحتفون بالسريحي وبروايته الجداوية    احتفل باليوم العالمي ..«الأحمر»: رفع الوعي بالإسعافات ينقذ الأرواح    ترشيح المشاريع المتميزة للمراحل التنافسية.. «موهبة» تمدد التسجيل في أولمبياد إبداع    ماسك يقلب الطاولة على موظفيه    مدرب القادسية: أمنيتي أن أصل بالقادسية لمستويات الهلال الفنية.. وإنزاغي غاضب من التعادل    30 هدفًا في افتتاح دوري يلو.. والعلا يتصدر    باراسيتامول دواء شائع بمخاطر خفية    الأرق يهدد كبار السن    ألزهايمر يهاجم في الثلاثينيات    3.2% زيادة بمتوسط أجور القطاع الخاص    نائب أمير منطقة مكة يقدم التعازي للفريق محمد الحربي في وفاة والدته    المرء أسير الإحسان    في رثاء عبدالعزيز أبو ملحه    العناية بشؤون الحرمين: 121 دقيقة متوسط زمن أداء العمرة    الإرث بين الحق والتحدي    خطاب يستحضر التاريخ: السعودية ونهضة عالمية برؤية 2030    هبات تورث خصاماً صامتاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موضوعة المقاومة في الظروف الاقليمية الجديدة
نشر في الحياة يوم 30 - 04 - 2010

مالت أزمة صواريخ «سكود» الى تهدئة ملتبسة بعد ضجة اعلامية وديبلوماسية وصلت في بعض فصولها الى تهديد اميركي لسورية بأن الخيارالعسكري وارد وراهن فيما لو ثبت أنها زودَّت «حزب الله» بها بعد قول اسرائيل انها تعتبر الحزب جزءاً من الجيش السوري. واعتبرت دمشق ان الأمر كذبة تحاول اسرائيل التمهيد من خلالها لشن عدوان كان وزير الخارجية السوري اعلن قبل أسابيع استعداد حكومته لمواجهته اذا ما حدث على بلاده او على جنوب لبنان ب «حرب شاملة» وبقصف مدن اسرائيل ومنشآتها قاطبة. أمَّا «حزب الله» «فنفى» الواقعة مُداورة في معرض تأكيده على استراتيجيته في زيادة قدرته وتحسين بنيته على ما جاء في تصريحات نائب امينه العام وجمهرة مسؤوليه المُجمِعَة على اعتبار القضية جزءاً من «محاولات مكشوفة وواضحة من قبل الإدارة الأميركية لممارسة ضغوط على المستوى الديبلوماسي والسياسي لمنع لبنان من امتلاك القدرات والإمكانات التي تخوله الدفاع عن نفسه في مواجهة العدوانية الإسرائيلية» وعلى أن تحديد كمية وقدرة السلاح يعني الحزب وحده.
وقد تكون الصواريخ المذكورة أو غيرها مما يماثلها في التأثير الاستراتيجي قد وصلت او انها وصلت وأُعيدت الى سورية او ان ايصالها كان مشروعاً تعذر تنفيذه بعد رد الفعل الاميركي أو هي تحضير لملف يبنى كما بُنِي ملف «اسلحة الدمار الشامل» لمُهاجمة العراق على ما ذهب اليه رئيس الوزراء اللبناني في معرض سعيه المُعلَن مع الأطراف الدولية «لمنع اي عدوان على لبنان». او انها بمجملها «كذبة كبرى ولا معنى لها» كما قال وزير الخارجية المصري في بيروت في موقف فسرَّه البعض كرسالة ايجابية الى دمشق.
لكن أياً كانت الحقيقة في قضية ال «سكود» وفي إمكان استئناف حماوتها الإعلامية - الديبلوماسية والميدانية أم لا أو استبدالها بموضوع آخر فإن عدةً ملاحظات أولية تفرض نفسها:
الاولى، أنه منذ استغلال إسرائيل «عملية تذكيرية» قام بها الحزب في تموز (يوليو) 2006 لشن عدوان واسع انتهى بتوقف الأعمال الحربية بموجب القرار الدولي 1701 وتمركز 15 الف جندي «أممي» على الحدود، شهدنا الكثير من الأزمات المُعلنة التي لم تُفضِ جميعها الى حرب، كما أن «حزب الله» كفَّ عن العمليات التذكيرية على رغم استمرار احتلال مزارع شبعا وكفرشوبا ولا زال يُرجئ الى «وقت مناسب» الثأر الذي وعد به من إسرائيل لاغتيالها قائده العسكري عماد مغنية. وهو ثأر يتردد كل مدَّة إنه قريب.
الثانية، أن التعامل مع قضية «السكود» وما قد يماثلها من أسلحة، يجري بصفتها عنواناً لقضية أكبر اسمها تعاظم التسلح النوعي والكمي ل «حزب الله» كمنظمة عسكرية سياسية مستقلة عن الدولة وباتت تمارس فيها وعليها بعد 7 ايار (مايو) 2008 نفوذاً راجحاً وترتبط في الوقت عينه بمحور إقليمي ساهم في توفير هذه الأرجحية التي لا يتحرَّج من استخدامها في استراتيجيات رسم خريطة جديدة لنسبة القوى في المنطقة. ويعكس هذا الجو تماماً تصريح وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس الأخير الذي اتهم فيه كلاً من إيران وسورية بتسليم الحزب قذائف وصواريخ من الأكثر تطوراً، إلى حد أن الحزب «يملك من القذائف والصواريخ أكثر من معظم حكومات العالم».
الثالثة، وهي مفارقة لافتة بذاتها وتتمثل في أن أول مصدر للحديث عن تعاظم تسلح «حزب الله» هو الإعلام الانتصاري للحزب نفسه وبخاصة خطابات أمينه العام التي أكثرت في الحديث عنه مقروناً بالإعلانات المتكررة عن زيادة التدريب والتنظيم وإجراء المناورات وتوعُّد اسرائيل بالمُفاجآت وآخرها إطلاق شعار تل أبيب مقابل الضاحية. وهي مواد إعلامية يستند اليها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ليُظهِّرها خطابياً كعلامات على فشل أميركا وعلى صدقية دعوته الى «إزالة إسرائيل من الوجود».
وهذه الملاحظات تُظهِر من جهة، أن هناك تبايناً بين واقعة تعاظم تسلُح الحزب وبين عملياته بما فيها «التذكيرية» والتي كانت نادرة بعد الانسحاب الاسرائيلي عام 2000 وصارت معدومة منذ حرب تموز 2006. كما تُظهِر من جهة أخرى هوة سحيقة بين الإعلام الايديولوجي الداعي الى تعميم المقاومة كما يفهمها «حزب الله»، كثقافة وكنمط عيش وانتظام سياسي وبين غياب أية مُعطيات يمكن تصنيفها ضمن نطاق ممارسة المقاومة أياً كان رأينا في جدواها وفي تناسبها مع أوضاع وشروط الاجتماع السياسي اللبناني. ومن ناحية ثالثة ثمة تباين بين تزامن الاعلام الانتصاري وزيادة التسلح وبين غياب المردود التحريري منذ عام 2000.
وكل ذلك يعني أننا كنا حتى الآن أمام وضعية يمكن وصفها في أحسن الأحوال بترتيب انتظاري ستاتيكي في العلاقة مع إسرائيل ومع المجتمع الدولي المتمثل مادياً منذ صيف 2006 بقوات اليونيفيل المُدعَّمة بالقرار 1701. ووفق «حزب الله» نفسه فإن غاية التسلح والانضمام العلني الى اللقاء الثلاثي مع سورية وايران، هي بناء توازن رعب رادع مع اسرائيل التي يجري التعامل الاعلامي بخفة مع المخاطر الاستراتيجية المُترتبة على كونها تمتلك قوة نووية ضاربة ربما بأمل تحصيل طهران قوة مماثلة في أمد قريب. ولكن التوازن هذا، وقد خبرنا مثله زمن الحرب الباردة كان وما زال يعني امتناع الحرب الشاملة من ناحية وعدم القدرة على انتاج حلول من خارج التسويات والوسائل والضغوط السياسية من ناحية ثانية. وبما يؤدي حتى في فرضية توافر هذا التوازن الى انقضاء وظيفة التحرير بالوسائل المسلحة.
بالتالي ينبغي النظر الى الأزمة الناجمة عن حصول «حزب الله» المحتمل على «السكود» من زوايا أخرى تتعدى منظور وظيفته المُفترَضة ب «المقاومة والتحرير». فإسرائيل لم تُثِر أزمة مماثلة قبل اليوم على رغم إلحاح الحزب على الإعلان تكراراً عن زيادة ترسانته عمَّا كان يملكه في حرب تموز. ولا الولايات المتحدة هددّت دمشق تهديداً مباشراً كما حدث اخيراً على رغم قِدَم واستمرارية حديث مسؤوليها عن تهريب السلاح الى الحزب عبر سورية، كما لم يُبدِيا رد فعل مماثلاً لدى تغيير اوضاع دستورية وسياسية في لبنان بتأثير استخدام السلاح. وتقبَّلت دول غربية كفرنسا، برحابة صدر تقارب الترحيب الفكرة التي راجت عن امكان ربح «حزب الله» لانتخابات 2009 ولم تعترض لاحقاً على تجاهله خسارتها وحَرْف نتائجها بتمديد مفاعيل اتفاق الدوحة. وكل ذلك يدل على أن ما يهم هذه القوى بصورة أساسية وبصرف النظر عن صداقاتها وأفضلياتها اللبنانية المُحتَملة، هو مسار الفائض الإقليمي لدور وتسليح وتحشيد الحزب. وهو فائض يتجاوز مهمتي «المقاومة والتحرير» المُعَطَلتين فعلياً على رغم استمرار استخدامهما التعبوي - الايديولوجي لإعادة تشكيل الحياة السياسية وتسييد الصمت وتفريغ الحوار الوطني من جوهره. كما يتجاوز حدود مصالح اللبنانيين ودولتهم المُعلَقة لأسباب تاريخية متعددة لكن أكثرها جوهرية في المرحلة الراهنة هو نزع حقها باحتكار العنف الشرعي.
وهذا كله يُهدِّد بتسريع ظاهرة تحويل وضعية سلاح الحزب الى سلاح من دون مقاومة وبالأحرى خارجها والى مصدر إضافي مُستدام لتوتير- وربما أكثر - بلا تحرير. الأمر الذي يزيد من دون شك صعوبة بناء إجماعات وطنية جديدة وقد يجعلها مستحيلة.
* كاتب لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.