عبدالله بن عبدالعزيز رجل نادر المثال في هذا العالم الذي نعيش فيه فهو رجل قليل الكلام، إن قال أوجز بكلمات محدودة تقول الكثير ويبقى أثرها في النفس طويلاً، ومثل هذه الكلمات الصادقة التي تخرج من القلب تدخل القلب مباشرة؛ لأن هذا هو سر عظمة هذا الرجل الكبير. وقل أن يجتمع الحزم وقوة الشكيمة والعطف في شخصية واحدة؛ فالملك الذي قال: سنلاحق الإرهابيين ونقضي عليهم، وقد قال وفعل؛ هو نفسه الذي دمعت عيناه عندما احتضن أحد أطفال الشهداء في حفلة منطقة القصيم قبل سنوات عدة. إن سر شخصية هذا الملك هو قربه من الناس وهمومهم، فعندما تشاهده فإنك تشعر بأنه أخوك أو أبوك وهو قرب حقيقي لا مصطنع بين الحاكم والمحكوم، لا يشترى بالمال ولا تستطيع كل الاستراتيجيات الإعلامية التي تستخدم عادة لتلميع صورة الزعماء أن تفعل مثله. يعتبر الكثير من خبراء السياسة أن مثل هذا القرب أحد أهم ركائز الأمن والاستقرار في الأوطان، وهي نقطة أشار إليها أحد أبرز الصحافيين الأجانب قبل سنوات عدة عندما زار المملكة، وكتب عنها كثير من الصحافيين العرب والأجانب. في كلمته في مجلس الشورى كان عبدالله بن عبدالعزيز هو ذاك الرجل، فعلى رغم كل الإنجازات الهائلة التي تمت في عهده فمن مشاريع عملاقة إلى إنشاء جامعات في كل أنحاء البلاد تجاوز عددها العشرين إلى برنامج تاريخي للابتعاث إلا أنه قال: «إن ما تحقق من إنجازات لا يلبي طموحاتنا جميعاً والتي نسعى إليها لتكون بلادنا في مصاف الدول المتقدمة». إذاً طموحه أن نكون في مصاف دول العالم الأول، ولا غرو في ذلك فهو الملك الذي سأل وزراءه - في شفافية نادرة - عن مصير بعض المشاريع، فكل ما يهمه هو هذا المواطن وأسباب رخائه، ما يجعل الناس تشعر دوماً بأن هناك من يهتم بأمر معاشها ورفاهيتها على الدوام. في معظم بلدان العالم - خصوصاً الثالث منه - ترى جعجعة بلا طحن، فالإعلام يتحدث عن إنجازات هائلة لا وجود لها على أرض الواقع، أما هنا فملك البلاد يعتبر أن كل هذه الإنجازات العظيمة التي تمت فعلاً لا تلبي الطموح ويا لها من مفارقة تستحق التوقف. بعد ذلك تحدث – رعاه الله - عن نقطة مهمة جداً، وهي أهمية الوحدة الوطنية والتأكيد على أن الوطن للجميع إذ قال: «إن وحدة هذا الوطن تفرض علينا مسؤولية جماعية في الذود عنه في زمن كثرت فيه أطماع الأعداء والحاقدين والعابثين، وهذا يستدعي منا جميعاً يقظة لا غفلة معها... فالوطن للجميع ومعيار كل منا على قدر عطائه وإخلاصه..». ولعلمه أيده الله أن الكلمة غير المحسوبة هي أكبر معاول الهدم فقد شبهها بحد السيف وأضاف – حفظه الله: «إنني أهيب بالجميع أن يدركوا ذلك، فالكلمة إذا أصبحت أداة لتصفية الحسابات والغمز واللمز وإطلاق الاتهامات جزافاً كانت معول هدم لا يستفيد منه غير الشامتين بأمتنا». ولعلنا نلاحظ هنا التأكيد على كلمة «الجميع»، ولعل هذا ردٌّ على بعض الموتورين الذين لا يتوقفون عن جعل الوطن حكراً لهم ولزمرتهم دون بقية المواطنين، إذ يثيرون التوترات والقلاقل عبر تصنيف الناس، ومن ثم يخرجون من لا يتوافق معهم من المواطنة! إنه لا يراودني شك بأن هذه الصور وغيرها كثير كانت في ذهن الملك عندما قال إن الكلمة أشد أثراً من وقع السيف. وعلى رغم كل هذا إلا أنه – رعاه الله - أكد على أهمية النقد الهادف البنّاء ولِمَ لا وهو رائد الشفافية وحرية الكلمة التي يتمتع بها الإعلام حالياً، إذ إننا نعيش عصراً لا مثيل له في تاريخ البلاد في هذا الجانب، وكأنه أراد أن يقول إنه على رغم سوء استغلال البعض لحرية الكلمة إلا أن هذا لن يثنينا عن الاستمرار في قبول النقد الهادف. وقد ختم أيده الله كلمته بالتأكيد على التزام المملكة بتبني القضايا العادلة للأمتين العربية والإسلامية، وهو دور لا ينكره أي منصف، كما أكد على أن موقف المملكة هو الإسهام في تعزيز مفاهيم السلام بين الشعوب والأمم على المستوى الدولي. وختاماً أود التأكيد على أن ما يريحني في الكتابة عن هذا الملك الإنسان هو يقيني بأنه لن يتهمني أحد بالرياء، لأنك عندما تكتب فإنك تقول الحقيقة التي يتفق عليها معظم الناس. اللهم احفظ هذا الملك الإنسان ذخراً للوطن والمواطن. [email protected] كوت: أود التأكيد على أن ما يريحني في الكتابة عن هذا الملك الإنسان هو يقيني بأنه لن يتهمني أحد بالرياء لأنك عندما تكتب فإنك تقول الحقيقة التي يتفق عليها معظم الناس.