حسم البرلمان المصري المناقشات الحامية التي دارت في أروقته أخيراً حول قانون الآثار، بموافقته على تعديلات أدخلتها لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية على المادتين الثانية والثامنة في القانون، بعدما حشد الحزب الوطني الحاكم نوابه للدفاع عن أمين التنظيم في الحزب المهندس أحمد عز، في ظل ما تردد عن نيته تضمين التعديل إضافة مادة تتيح الاتجار بالآثار داخلياً. وكان مسؤولون في المجلس الأعلى المصري للآثار الذي يترأسه وزير الثقافة فاروق حسني هاجموا مشروع تعديل القانون، على خلفية ما أشيع عن أنه «سيعيد مصر إلى عهد سرقات الآثار». ومن أبرز التعديلات التي وافق عليها البرلمان هي حظر الاتجار بالآثار، في حالات الملكية الخاصة، إلا بعد إخطار المجلس الأعلى للآثار، وفى جميع الأحوال يشترط ألا يترتب على الإخطار إخراج الأثر من البلاد بأية صورة كانت. وخضعت المادة الثامنة من القانون للتعديل لتنص على: «يحظر الاتجار بالآثار، وفي حالات الملكية الخاصة لا يجوز للمالك أو الحائز التصرف في الأثر للغير أو إغلاقه أو تركه إلا بعد إخطار المجلس الأعلى للآثار خلال 60 يوماً، وللوزير الحق في الاعتراض خلال 60 يوماً من وصول الإخطار». وأقرت المادة نفسها بعد تعديلها مدة 6 أشهر للمنقبين لكي يبلغوا عن الآثار التي يجدونها، وهي الفترة التي انتقدها الأثريون «لأنها ستفتح باب التنقيب والتهريب على مصراعيه قبل انقضاء المدة». إلا أن هناك أثريين يصرون على أن التعديل كان ينبغي أن يشمل مواد أخرى في القانون «تمكن الكثيرين من تجارة الآثار وتهريبها مثل المادة 24 و27 و37». ولوحظ أن الأمين العام للمجلس الأعلى المصري للآثار زاهي حواس تراجع خلال جلسة إقرار التعديلات في البرلمان عن تصريحات صحافية نسبت إليه وتضمنت اتهام قيادات في الحزب الوطني بالسعي إلى تسهيل الاتجار بالآثار من دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للآثار. وقال مصدر برلماني إن المجلس وافق على مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون حماية الآثار لسنة 1983، وأن التعديلات سمحت لمن يمتلك الآثار من الأفراد بالاتجار فيها داخل مصر فقط بعد الرجوع إلى المجلس الأعلى للآثار. وأكد المصدر نفسه أن هذه التعديلات تحظر إخراج الأثر من البلاد «بأية صورة كانت»، لا سيما أن القانون المصري يجرم عمليات التنقيب، التي يقوم بها الأفراد، من أجل الحصول على الآثار المدفونة في باطن الأرض. ويعتقد أن عمليات البحث عن الآثار بطريقة غير شرعية منتشرة على نطاق واسع خصوصاً في مناطق صعيد مصر التي احتضنت أشهر مدن مصر الفرعونية وعواصمها. وكان خلاف وقع بين وزير الثقافة فاروق حسني وأحمد عز حول قانون حماية الآثار خلال مناقشته، كما حدث خلاف آخر بين حسني وزاهي حواس، الذي يعد أشهر الأثريين المصريين، في شأن تعريف الأثر. وحذر من كارثة خلال العامين المقبلين بانتشار رحلات الحفر غير المشروع للتنقيب استغلالاً للقانون. ورفض تداول الآثار في الداخل بأي شكل من الأشكال. وقال حواس: «ستقع في مصر موجة سرقات للآثار، وكل المصريين في الدلتا والصعيد سينقبون أسفل بيوتهم، ليقوموا بعد ذلك بسرقة ما سيجدونه من آثار وبيعها لتجار يتولون بعد ذلك تهريبها إلى الخارج». ومن جانبه قال حسني إنه لن يتراجع مطلقاً عن رفض المتاجرة بالآثار، سواء داخل أراضي الدولة أم خارجها. لكنه رحب في الوقت نفسه بتعديل المادتين الثانية المتعلقة بتعريف الأثر، والثامنة الخاصة بحظر الاتجار في الآثار، وطالب بضرورة ألا تزيد المدة التي يحددها القانون لإبلاغ أي حائز أثر عنه، سواء كان من الأفراد أم الهيئات، على ستة أشهر. ومن جهته تساءل الأمين السابق للمجلس الأعلى للآثار الدكتور عبدالحليم نور الدين: «إن كنا لا نستطيع حماية الآثار فلماذا ننقب عنها؟»، ورفض تحديد فترة زمنية لإبلاغ المجلس الأعلى للآثار بامتلاك آثار، «لأن ذلك سيؤدي إلى التجارة فيها خلال تلك المدة المنصوص عليها في التعديل الجديد»، وطالب بتشديد الحراسة على الأماكن الأثرية في الفترة المقبلة، «لأن التنقيب سيزداد». ويرى مراقبون أن القانون، على رغم أنه يبدو محكماً، إلا أنه مليء بالثغرات، ففي المادة السابعة يقول القانون إنه في ما عدا حالات التملك والحيازة القائمة وقت العمل بهذا القانون والتي تنشأ وفقاً لأحكامه، يحظر الاتجار بالآثار أو التصرف فيها، وعلى الحائز أن يخطر المجلس خلال 6 أشهر من تاريخ العمل بالقانون، وهي مادة تقر بجواز حيازة الآثار من دون تملك، كما لا تفرض على الحائز رد الأثر، وبالتالي لا تجبر مجلس الآثار على المطالبة بردها، فهي تطالب فقط الحائز بإخطار المجلس خلال المدة الزمنية التي أقرها القانون ليسجلها المجلس، الأمر الذي يعد إقراراً أبدياً للحائز، واصفاً ذلك القانون بأنه إهدار للآثار المصرية. أما عميد الأثريين العرب الدكتور علي رضوان فأيد قانون الآثار الجديد، «لأنه يغلظ العقوبة على كل من تسول له نفسه سرقة الآثار والاتجار بها»، وأضاف قائلاً: «لا بد من أن نصفق له لأنه يحاول حماية آثارنا». واعترف رضوان بأن القانون المعمول به حالياً الصادر العام 1983 والذي شارك شخصياً في إعداده، يتضمن الكثير من الثغرات، والعقوبات التي يفرضها على من يخالفونه تافهة». كما رفض رضوان أن يكون هناك أي مجال لإقرار المتاجرة في الآثار، وقال: «الدول التي تسمح قوانينها بالاتجار بالآثار تتاجر بآثارنا، وليس آثارها». وظلت الآثار المصرية هدفًا للسطو والسرقة على مدى التاريخ، إما لقيمتها التاريخية أو المادية، فكانت القبور الفرعونية الهدف الأكبر لهذه العمليات، ما أفقد مصر الكثير من القطع الأثرية النادرة، الأمر الذي نشطت معه الجهات المسؤولة لاستعادة أي قطعة تثبت ملكيتها لمصر في أي مكان في العالم، ولهذا لم تنقطع أخبار استعادة مصر لعدد من آثارها، كما لم يقف سيل اتهام المسؤولين بالتقصير في الحفاظ على التراث. وكان آخرها اتهام الدكتور عبد الحليم نور الدين أستاذ علم المصريات رئيس المجلس الأعلى للآثار السابق الحكومات المتعاقبة بالتسبب في سرقة الآثار، بسبب ضعف الحراسة وتأخر صدور قانون جديد للآثار. وفي سياق النشاط التحذيري من ضياع الآثار المصرية، حذر عدد من أساتذة الآثار في جامعتي القاهرة والإسكندرية من تعرض كنوز الآثار المصرية التي تتجول لسنوات في مدن أوروبية وأميركية وآسيوية للسرقة، مشيرين إلى أنها كنوز لا تعوضها أية مبالغ تأمينية مهما عظم قدرها، فضلاً عن الأضرار التي قد تلحق بها خلال تجوالها وتنقلها في مدن القارات الثلاث. وعبروا عن انزعاجهم من الخطر المحدق بمعرض الفرعون الذهبي توت عنخ آمون خلال فترة تجواله التي تمتد إلى أربع سنوات (من تشرين الأول / نوفمبر 2008 وحتى كانون الاول / ديسمبر 2012)، وكذلك معرض آثار مصر الغارقة الذي بدأ تجواله في مدن أوروبا قبل ثلاث سنوات ويتم حالياً الإعداد لجولة جديدة له في اليابان وأميركا. وأشار عبد الحليم نور الدين إلى تعرض 70 مقبرة في وادي الملوك و114 هرماً بينها أهرامات الجيزة الثلاثة للسرقة. وفي الوقت نفسه فإن علماء آثار آخرين لا يستبعدون سرقة بعض القطع الأثرية من معرض الفرعون الذهبي توت عنخ آمون الذي يضم 149 قطعة أثرية من مقتنيات المتحف المصري ومعرض الآثار المصرية الغارقة الذي يضم 489 قطعة أثرية.