تخيّل أن تستيقظ مرة في الصباح الباكر؛ لتجد الصحف اليومية السعودية بصورتها الورقية، وقد عادت إلى مراكز البيع في المراكز التجارية والبقالات والمكتبات والفنادق والمطارات، كما كانت عليه قبل الإنترنت. أين ذهبت تلك الأيام الخوالي؟ هل يعود الزمن إلى الوراء؟ كيف سيقتنع جيل الألفية بقراءة هذه الأوراق؛ في ظل وجود تويتر وتيك توك وإنستغرام وسناب شات؟ الأمر يتطلّب فقط وضع اصبعك على شاشة الجوال وتمريرها من أعلى إلى أسفل لترى العالم بقضه وقضيضه بين يديك. كل من هب ودبّ أمامك على الشاشة الصغيرة. الحقيقة والزيف، وربما الثانية أكثر. أما تلك التجربة، أي شراء صحيفة ورقية وقراءتها مع قهوة الصباح، فقد كانت ترفاً لا يضاهيه ترف لجيل ما قبل الألفية الذي يكاد أن ينقرض. أي هاتين الطريقتين أكثر تأثيراً؟ عمود صحفي كتبه غازي القصيبي، على سبيل المثال لا الحصر، في الصفحة الأولى لصحيفة سعودية تقرأه للمرة الأولى عن إسرائيل، أم مقطع فيديو في تيك توك لمشهور لا يعرفه أحد ويتحدّث فيه عن ذات الموضوع؟ سيصدمك بالطبع الفارق الضخم بين الرؤيتين اللتين تنطلقان من عصرين مختلفين. الفجوة بينهما كبيرة، لكن مسألة أيهما الأفضل لم تعد مهمّة في عصر تقويضي، أصبح فيه الحياد والنسبية معيارين- إن صحّ التعبير- أساسيين في الحكم على الأشياء. أفسد الذكاء الصناعي كل شيء تقريباً. الخبر في تلك الصحيفة الورقية المعروفة مرتفع الموثوقية، ولا يمكن أن يكون مزيّفاً أو محض إشاعة، اخترعها صعلوك رقمي، أو حساب يخضع لمخابرات أجنبية تستخدم خوارزميات قاتلة للترويج والانتشار، كما هو الحال في الصحافة الرقمية، أو شبكات التواصل الاجتماعي. الذكاء الصناعي يروّج الكذبة ويصدّقها وينشرها بين هؤلاء الذين يفتقدون مهارات التفكير أو القراءة النقدية البسيطة، التي تميّز الغث من السمين. بل إن الذكاء الصناعي نفسه مسؤول عن تدهور مهارات التفكير الناقد وليس العكس كما يروّج لنا بعض دعاة الذكاء الصناعي والساعين إلى الصلاة في محرابه. في دراسة أجرتها جامعة تورنتو، وشملت 460 مشاركًا طُلِب منهم الإتيان بأفكار إبداعية توليدية في الاستخدامات المتخيّلة الإضافية لمجموعة من الأشياء، أو المواد اليومية التي يستخدمها الإنسان؛ كإطار السيارات أو مجرد بنطلون يلبسه الفرد. كانت الإجابات التي جاء بها الأفراد في المجموعة التجريبية، الذين كانوا يستخدمون الذكاء الصناعي التوليدي أقل إبداعاً وتنوّعاً من أولئك الذين لم يجرّبوا الذكاء الصناعي، أو سبق لهم أن تعرّضوا لأفكاره التوليدية. بعيداً عن الصحافة الورقية، لك أن تتخيّل حجم الكارثة الإبداعية التي ستنزل بالطلاب عندما يعتمدون الذكاء الصناعي؛ مثل تقنية الشات جي بي تي، في كتاباتهم ومحاولاتهم الوصول إلى حل المشكلات بالاعتماد عليه. وماذا عن قصيدة كتبها الذكاء الصناعي، أو قطعة موسيقية ألّفها الذكاء الصناعي، أو صورة حرّفها الذكاء الصناعي، والقائمة تطول؟ أليس قراءة غازي القصيبي في صحيفة ورقية أكثر إثارة وفائدة ومتعة ألف مرة من مشاهدة مقطع فيديو في تيك توك لصعلوك مجهول، لا يعرفه أحد؟