بالإمكان اعتبار حادثة إطلاق النار على طبيب النساء والولادة في مدينة الملك فهد الطبية بالرياض حادثة عابرة من شخص مضطرب نفسيا أو مختل عقليا لا تحتاج التوقف عندها، وكما قد يحدث في أي مكان آخر في العالم لأي سبب. ولكن إذا كانت هذه الحادثة بسبب كون الطبيب أجرى عملية ولادة لزوجته وتسببت في اعتراض الزوج على ذلك إلى حد إطلاق الرصاص على الطبيب فإننا إزاء قضية أخرى هي نتيجة حقن فكري سلبي تشويهي للعلاقة بين الطبيب والمريضة، رغم معرفتنا بحق المريضة في اختيار طبيبة لعلاجها في الظروف العادية، وحتى في الظروف الطارئة المهددة للحياة إذا قررت تحمل المسؤولية. قضية تلويث علاقة الطبيب بالمريضة بدأت قبل سنوات ليست بعيدة بعدما كانت طبيعية جدا مثل بقية مجتمعات البشر. بدأت في أساسها بتشويه طبيعة الوسط الطبي باختلاق قصص لتجاوزات أخلاقية تحدث في المنشآت الطبية تصل إلى حد كونها ظاهرة تعمها دون استثناء، ثم بدأت بالتلميح مطالبات بفصل الكوادر الصحية الرجالية عن النسائية في المستشفيات تحولت لاحقا إلى مطالبات صريحة، وتطور الأمر إلى حد المطالبة بإنشاء مرافق صحية نسائية خاصة مفصولة تماما عن المرافق الرجالية، ولو عدنا الى إرشيف الوسائل الإعلامية لوجدنا تلك المطالبات، ولوجدنا المبالغات التي نسجها بعضهم وأوصلوها إلى سماحة المفتي لتمرير مطالبهم، ولكن لأنها مطالب غير منطقية وغير قابلة للتطبيق لم يكن ممكنا الاهتمام بها. تلك المطالب لم تكن من أجل راحة المريضات أو لتوسيع قاعدة الخدمات الصحية أو لأي هدف نبيل وبريء، وإنما كجزء من أجندة الغلو والتطرف والتشدد، وطريقة جديدة لسحب المجتمع إلى دائرة الشكوك الأخلاقية، وأسلوب مبتكر في مواجهة تيار افتراضي يزعمون أنه يسعى إلى تفسخ المجتمع وانحلاله، وقد تمكنوا من إحراز بعض النجاح في تشكيك بعض أفراد المجتمع بخصوص العلاقة الإنسانية المقدسة بين الطبيب والمريضة، وذلك ما يكون قد أفرز مثل هذا الشخص الذي أطلق الرصاص على الطبيب الذي باشر توليد زوجته. نحن لا نملك دليلا قاطعا أن ذلك هو السبب، لكن الحادثة ذكرتنا بملف لقضية غير نزيهة وغير أخلاقية، ربما هذه الحادثة أحد شررها المتطاير.