الدفاع المدني ينبه من هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    ولي العهد يستقبل الأمراء وجمعاً من المواطنين في المنطقة الشرقية    ضمك يتعادل مع الفيحاء في" روشن"    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    طريقة عمل الأرز الآسيوي المقلي بصلصة الصويا صوص    تأكيد مصري وأممي على ضرورة توفير الظروف الآمنة لدخول المساعدات الإنسانية من معبر رفح إلى غزة    القبض على مقيم ووافد لترويجهما حملات حج وهمية بغرض النصب في مكة المكرمة    الأمن العام يطلق خدمة الإبلاغ عن عمليات الاحتيال المالي على البطاقات المصرفية (مدى) عبر منصة "أبشر"    كلوب يدعم إلغاء العمل بتقنية «فار» بشكله الحالي    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «هيئة النقل» تعلن رفع مستوى الجاهزية لخدمات نقل الحجاج بالحافلات    مفتي المملكة يشيد بالجهود العلمية داخل الحرمين الشريفين    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    استكمال جرعات التطعيمات لرفع مناعة الحجاج ضد الأمراض المعدية.    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    كاسترو وجيسوس.. مواجهة بالرقم "13"    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    خادم الحرمين الشريفين يصدر أمرًا ملكيًا بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    جوزيه مارتينيز حكماً لديربي النصر والهلال    تشكيل الهلال المتوقع أمام النصر    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    بوتين: هدفنا إقامة «منطقة عازلة» في خاركيف    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    تراحم الباحة " تنظم مبادة حياة بمناسبة اليوم العالمي للأسرة    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    حرس الحدود يحبط تهريب 360 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    تشافي: برشلونة يمتلك فريقاً محترفاً وملتزماً للغاية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    السعودية والأمريكية    فتياتنا من ذهب        مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    حراك شامل    الدراسة في زمن الحرب    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع    فوائد صحية للفلفل الأسود    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استقلت وأنا متربع على العرش
نشر في عكاظ يوم 01 - 08 - 2015

إذا أردت أن تلعب بالنار فعليك أن تحاور الدكتور فهد العرابي الحارثي الأديب والإعلامي والمثقف ورئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام، فكل إجاباته مرتدات تفتح آفاقا لتساؤلات أكبر.. رئيس تحرير مجلة اليمامة والوطن سابقا طالب بتجديد دماء كراسي رئاسة التحرير في الصحف السعودية، وقال صراحة: إن عروش الصحافة لا تدوم وإنه استقال ليفسح الطريق لمن هو أكثر جدارة. ودعا المؤسسات الصحفية لتجديد دمائها بعد حصولها على قدر كبير من الاستقلالية. الحارثي اعترف بفشل مشروع الحداثة في المملكة، ونفى تهمة انتمائه للإخوان وقال: إنها تصنيف لا يؤدي إلى نتيجة ولا يخدم غرضا. وأوضح أن الذي يتقدم في بلادنا هو أن تكون سعوديا عربيا مسلما وليس سعوديا سلفيا أو إخوانيا أو شيعيا.
محاور تبدأ هادئة ثم ما تلبث أن تصبح عاصفة بما يلي:
د. فهد العرابي الحارثي.. ما بين قرية المريفق حيث الولادة والنشأة ذكريات لا تنسى، وبين باريس حيث الانطلاقة العلمية والعملية والعلاقة الدائمة محطات وشواهد. كيف كانت؟ ومن وراء سفرك لجامعة السوربون وأغلب أقرانك في تلك الفترة اتجهوا لأرض العم سام؟
سألني أحد الأصدقاء في زيارتي الأخيرة قبل أيام للمريفق وقال لي: يا فهد.. هل زاد طولك أم يتهيأ لي؟ فقلت له: عندما أصل إلى المريفق يزداد طولي دائما. المريفق وادٍ يضم 13 قرية وهي بالنسبة لي الأرومة والجذوة الأصيلة في هويتي الوطنية، المريفق بالنسبة لي مسافة لا محدودة بيني وبين الكون كله، أنا كنت في باريس لكن قلبي وعقلي تركته في بلدي ووطني وخصوصا في المريفق. أنا ولدت في المريفق لكنني لم أحظ في الحياة أن أنشأ فترة الصبا والشباب فيها فقد كنت في أماكن أخرى في الطائف وغيرها، لكنني لم أنقطع عنها مطلقا.
أما باريس بالنسبة لي فهي قصة أخرى كانت تتمثل في أسماء حلمت بها وأحببتها من خلال منتجها الثقافي من أمثال طه حسين ومحمد غنيم هلال وتوفيق الحكيم وكل ذلك الجيل الذي قدم إلى الثقافة العربية من باريس، وحينما كنت أطرق باب الأدب في مراحل التعليم الأولى تعلقت بهؤلاء وتعلقت بفكرة باريس وجامعة السوربون، وظل هذا الهاجس معي إلى أن عملت معيدا في جامعة الملك سعود فشجعني على تحقيق هذا المشروع معالي الدكتور عبدالعزيز الفدا الذي كان وقتها عميدا لكلية التربية ثم انتقل وكيلا لجامعة الملك سعود ثم مديرا للجامعة، وقد تحقق هذا المشروع ولله الحمد فأصبحت المسافة ضيقة جدا بين المريفق التي تقع في جنوب شرق الطائف وباريس التي تقع في وسط أوروبا من حيث التعلق والمحبة.
يقال إنك مقيم دائم في باريس؟
أنا أملك بيتا هناك وأزورها بشكل دائم أربع أو خمس مرات في العام بخلاف موسم الصيف.
د. فهد.. لماذا لا توجد ضمن سيرتك الذاتية شهادة الماجستير تحديدا؟
نظام التعليم في فرنسا وجامعة السوربون على وجه الخصوص يختلف عن نظام التعليم في أمريكا، فهناك في فرنسا شهادة اسمها (الميتريز) التي تعادل الماجستير قد يعفى منها الطالب بناء على ما يقدمه من أبحاث، وأنا في البداية عندما ذهبت رشحت لدكتوراة التخصص وبعد مرور ثلاث سنوات ومع تطور أعمالي الأكاديمية في الجامعة بإشراف المشرف على الرسالة وهو البروفيسور شارل بيلا في بداية الأمر، رشحت لدكتوراة الدولة وهي أكبر من شهادة الدكتوراة وهذا الذي أطال مدة إقامتي في باريس لثماني سنوات، وحصلت بفضل الله على دكتوراة الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية بتقدير «مشرف جدا».
إلى أي مدى أثر الوالد والوالدة في شخصيتك وتوجهاتك؟
لكل منهما تأثير مختلف، فالوالد علمني أصول الرجولة وكيف أستطيع أن أتحاور وأتناظر مع الآخرين وعودني على عادات تدخل في ثقافة جيله وهو رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب وكذلك الوالدة، لكن الاهتمام بجانب التعليم كان من طرف الوالدة التي لها فضل كبير جدا علي من خلال دفعها الدائم لي إلى هذا المجال، وكلاهما له فضل كبير علي جدا، خصوصا أنني كنت ابنهما الوحيد فقد توفي جميع إخوتي وكانت لي أخت وتوفيت أيضا، فكان تركيزهما مكثفا على تنشئتي وكانا يتصرفان معي وكأنهما غير أميين لاسيما في ما يتعلق بالتكوين الذاتي لي من الناحية التعليمية أو من ناحية الحياة بشكل عام.
ما الرابط بين عالم الصحافة والورق وأسرة «العرابي الحارثي».. ساعد في «عكاظ»، وعبدالرحمن في «الندوة»، وفهد في «الرياض» و«اليمامة» و«الوطن».. وماذا بعد؟
أعتقد أن عامل الصدفة يمكن أن يكون عاملا حاسما في هذا الأمر، لكن أيضا هناك في ثقافة تطوير الأعمال في المملكة والعالم العربي بشكل عام ما يسمى بالمحاكاة، بمعنى أنك لو فتحت مخبزا في شارع فستجد بعد فترة أن هذا الشارع كله مخابز وأقول هذا من باب الطرافة أكثر من أي شيء آخر، والآن يوجد عدد من الأسماء في وادي المريفق يعملون في مجال الإعلام، وفيهم من مضى فيه بعيدا وفيهم من لا يزال في الطريق.
بصراحة.. لماذا تخفي تاريخ ميلادك حتى من موسوعة الويكيبيديا على الشبكة العنكبوتية؟
لأنه في الفترة الأخيرة أصبح رقما قديما ومزعجا بل ومؤذيا أيضا.
قرار الاستقالة
هل كانت قراراتك بالاستقالة من رئاسة تحرير «اليمامة» و«الوطن» عن قناعة شخصية بأنك أديت ما عليك وجاءت لحظة المغادرة؟
نعم أعتقد أنها كانت في وقتها وقدمتها وأنا على قناعة تامة بما فعلت ولست نادما على شيء من ذلك أبدا، بل على العكس فأنا أشعر بأنني أديت ما كان ينبغي أن أؤديه وأن أفكر في أنشطة أخرى، وأن أترك الفرصة لمن يكون حتى أكثر جدارة مني.
هناك من يقول إنك خرجت من رئاسة تحرير «اليمامة» نتيجة الضغوط، ما مدى صحة ذلك؟
ليس هناك أي عمل في أي مؤسسة أو منشأة ليست له متاعب ومصاعب متعددة ومتنوعة، ومنها العلاقة بين الأشخاص الذين يعملون في تلك المنشأة، حيث يشوب العلاقة بعض الاختلاف والتوتر أحيانا، وأنا لا أنكر أنه كانت هناك بعض المشاكل، لكنها لم تكن العامل الرئيسي في الاستقالة، فالمشاكل كانت موجودة من السنة الثانية لوجودي كرئيس تحرير ورغم ذلك ظللت 12 سنة في منصبي فلم تكن دافعا في الأساس لاستقالتي، بقدر ما هي قناعتي الشخصية بأنه قد آن الأوان بأن أفكر في شيء غير «اليمامة» وغير رئاسة التحرير.
ما سر الرسالة الخاصة التي جاءتك من الملك سلمان عندما كان أميرا على الرياض والتي كانت أشبه بمحاولة لثنيك عن قرارك؟
رسالة الملك سلمان اعتبرها فخرا واعتزازا لي شخصيا، وقد كان (حفظه الله) يوليني الكثير من الرعاية والاهتمام طوال فترة رئاستي لتحرير مجلة اليمامة، وهو الذي رشحني لرئاسة تحريرها، وبالتالي فعندما خرجت من المجلة أنعم علي بهذا الخطاب الذي أشرت إليه، ولو أن الملك سلمان أمرني بالبقاء لامتثلت، فأمره تاج على رأسي، لكنني فهمت من مضمون الخطاب أنه رأي للملك سلمان وأنه يمكن أن يكون لي رأي آخر، وبالتالي تصرفت على هذا الأساس.
التشبث برئاسة التحرير
هل هناك وقت معين يجب أن يترجل فيه رئيس التحرير؟
يجب أن يترجل رئيس التحرير عندما يشعر أنه أصبح متربعا على العرش، لأن عروش الصحافة لا تدوم لأحد، ومن مصلحة أي رئيس تحرير استطاع أن يحقق نجاحا ألا يعمل على تدمير هذا النجاح بيديه، ولهذا أنصحه أن يغادر وهو في وهجه وكبريائه.
هل تعتقد أن بعض رؤساء التحرير أصبح متشبثا بالكرسي أكثر من بعض الزعماء العرب؟
نعم هذا صحيح، وليس هناك مبرر للتشبث بهذا الكرسي، لا إداريا ولا تاريخيا ولا منطقيا، أن يظل هناك رؤساء تحرير متشبثون بمناصبهم وهم يعلمون أنهم أصبحوا غير قادرين على أن يقدموا شيئا جديدا على الإطلاق، عدا تعطيل الطريق أمام جيل آخر من الشباب الذي ينبغي أن يقود الحملة في الوقت الراهن.
هذا يعني أننا بحاجة «لربيع» لتجديد كراسي رئاسة التحرير؟
ليس بالضرورة أن يكون «ربيعا»، لأن الإعلام جعل منه مصطلحا ملوثا مع الأسف، لكن المؤسسات الصحفية بحاجة أن تمارس دورها في العمل على تجديد دمائها بعد أن أعطيت قدرا جيدا من الاستقلالية في التصرف بمستقبل المؤسسة، وأعتقد أنه ليس من المحظور على أي مؤسسة أن تطلب من رئيس التحرير أن يذهب إلى بيته بعد أن أدى واجبه الذي يستطيع أن يؤديه.
مجلة اليمامة
بالعودة إلى مجلة اليمامة .. يشار إلى أن الفترة التي ترأست فيها مجلة اليمامة وتبنيكم الطرح الحداثي الذي كان أشبه بمشروع استفزازي للتغيير أكثر منه طرحا فكريا خلاقا.
نحن كنا مجموعة من الشباب الذين التقوا حول مائدة «اليمامة»، في الثمانينيات من القرن الماضي، وبكل ما في هؤلاء الشباب من حماس، فقد كانوا يظنون أحيانا أنهم سيصلحون الكون، وسيعيدون إليه رشده، وسيمنحونه استقامته، وسيعيدون صياغته وتشكيله وتلوينه على طريقتهم، وذلك في مدة قصيرة، أي خلال يومين، أو ربما ساعتين! يومها كتبنا، بعض ما كتبنا، بالسكاكين والحراب، ففرح بنا الكثيرون؛ لأنهم كانوا يرون في ما نفعل وعدا جميلا، وقد غضب منا الكثيرون أيضا، وحملوا علينا، وبعضهم لم يدخروا في جعبتهم من الأسلحة والذخائر إلا وصوبوها إلى نحورنا وصدورنا!!.
بالمناسبة يقودني الحديث عن «يمامة فهد الحارثي» لموضوع الحداثة التي كنت أحد عرابيها.. هل سقطت كمشروع كما يراها السريحي وفشلت في إقناع المجتمع بفكرها الانقلابي، خصوصا بعد وفاة عابد خزندار رائد الحداثة الفرنكفونية، وانطفاء محمد العلي رائد الحداثة الشعرية؟
تاريخيا في عالم اليوم نحن نعيش عصر ما بعد الحداثة، لأن عصر الحداثة هو عصر الثورة الصناعية، أما عصر ما بعد الحداثة فهو عصر المعلوماتية اليوم، وهذا ينعكس على كل المنتجات الفكرية والثقافية والفنية وما سواها، لكن فشل الحداثة في إقناع الناس بمشروعها صحيح، وحدث هذا في مجتمعات محددة مثل المجتمع السعودي على سبيل المثال.
لماذا؟
لكون المجتمع السعودي مجتمعا محافظا أو لديه ريبة وحذر دائم من التجديد، وهذا ليس بالضرورة عيبا بقدر ما هو سمت اجتماعي وثقافي في المملكة، إضافة لتعرض المشروع الحداثي لتربص مضاد لم يكن دائما نظيفا ونزيها، ففي بعض الأحيان تتم شخصنته، وفي أحيان أخرى لا يتم بغرض الحوار والخروج بموقف منصف أو محايد أو موقف مشترك بين الأطراف المختلفة أو المتصارعة، ولكنه ينشأ بهدف القضاء تماما على الخصم والتخلص منه وإقصائه إن صح أن نسمي تلك الصراعات خصومة، وهي في بعض الأحيان كانت خصومات وعداوات مع الأسف، وهذا عزز وقوى فكرة أن الناس يقفون على مسافة من هذا الذي يجري وبعضهم اتخذ أكثر من الوقوف على مسافة، فأصبح مشتركا في الهجوم لأنه استخدم أيضا العنصر الديني في إدانة هذا التيار وإخراج بعض منتسبيه من الملة، طبعا هذه كانت مرحلة صعبة لكنني دائما أقول إنه مثلما أن هناك أناسا من الحداثيين غير مؤمنين ولديهم مواقف متطرفة في التعامل مع الموروث والتراث وتاريخ الثقافة العربية، هناك أيضا بعض المثقفين من المنتمين للحركة التقليدية يتصفون بهذه الصفات، بل ووصل بهم الأمر إلى درجة الإلحاد والزندقة، بمعنى أن الشكل والقالب الفني الذي يستخدمه المبدع هو مجرد وعاء تستطيع أن تضع فيه خمرا أو أن تضع فيه عسلا، فالمحرم هو ما بداخل الكأس وليست الكأس نفسها، وتاريخ العرب عرف شعراء ملاحدة وزنادقة دون أن يكونوا بالضرورة منتمين إلى منهج فكري معين.
لكن الغذامي يرى أن الحداثة لم تنته في بلادنا، إنما الذي انتهى فعليا وعمليا هو «الصراع العلني المركز ضد الحداثة كمصطلح وكميدان وحيد للصراع والنقاش، ثم إن الذي انتهى فعليا أيضا هو بعض الأسماء التي كانت متوهجة في الثمانينيات وتراجعت بعد ذلك وانطفأت».. ما رأيك؟
كلام الغذامي صحيح في ما يتعلق ببعض الأسماء الذين كانوا نجوم المرحلة في تلك الأيام، لكن هناك ظروفا كثيرة أدت إلى هذا.
لم تستطع أن تصمد أمام تيار المجتمع الديني؟
لا.. بل لأن المشروع نفسه فشل في تحقيق أهدافه.
ما هي الأهداف التي سعى لها المشروع الحداثي تحديدا؟
أبدا كان هدفه التجديد في الشعر والفن ولم تكن له أهداف أخرى، طبعا أنا لا أزكي كل الذين يشتغلون في الأدب والشعر، وقد يأتي أحدهم فيقول: إن فلانا من الشعراء الحداثيين قال كذا وكذا وفيه إلحاد، لكن هذا ليس معناه بالضرورة أن كل الآخرين يؤمنون بما قاله هذا أو ذاك.
صداقة المفارقة
د. فهد لماذا تولد لدى البعض انطباع بأن قناعاتك بأصدقائك تقف عند حدود المفارقة دائما.. أتيت بقينان رئيسا لتحرير «الوطن» ولم تدعمه، ومارست الصمت تجاه قضية حرمان سعيد السريحي من الدكتوراة في جامعة أم القرى؟
بالنسبة لقينان الغامدي فقد دعمته وفعلت له ما لم أفعله لأحد غيره في حياتي، أما بالنسبة لسعيد السريحي فقد كتبت وهو يعرف هذا جيدا سواء سابقا أو في تويتر أن موقفي صريح وواضح معه، وقلت وأنا أحد خريجي جامعة أم القرى إن ما حدث في موضوع سعيد السريحي معيب على الجامعة وعلى الأكاديميين الذين وقفوا ذلك الموقف، لأن الموضوع بعد أن وصل إلى ما وصل إليه ما كان ينبغي أن تتخاذل الجامعة وتتراجع عن منحه الدكتوراة، وكل المماحكات القانونية التي قيلت وتقال لصد الهجوم مع الذين وقفوا مع السريحي لا تنفي أن الرجل قدم رسالته وتم قبولها وتمت مناقشتها وأعلنت النتيجة في نهاية المناقشة وبقيت الإجراءات النظامية الأخرى وهي إجراءات إدارية لا دخل لها بموضوع الرسالة أو بقيمتها الأكاديمية.
وقيل: إن كل من خرج من مجلس الشورى من أصدقائك دخل مركز أسبار عضوا.. ماذا يعني هذا؟
بل على العكس فكل من دخل مجلس الشورى من زملائي كان على رأس العمل في مركز أسبار الدراسات والأبحاث والإعلام.
هل هذا أحد أسباب عدم تصنيف مركزكم ضمن «بنسلفانيا كليبر» المقيم الوحيد في العالم لمراكز الدراسات؟
لا.. هذا موضوع آخر لا علاقة له بسؤالك السابق، لأنه لكي تدخل في موضوع تقييم هذه المراكز لا بد أن تتقدم بضوابط التقييم بمعنى أن تكون مُقَيَّمَاً، فنحن لم نلتفت لهذا الأمر في الماضي مع الأسف، لكن هناك من شجعني بكل صدق للدخول في هذا السباق، وسنفعل ذلك بدءا من هذا العام.
تصنيف الإخوان
استغرب الكثيرون عدم ردك على الكاتب علي سعد الموسى عندما قال: إن إخوانية فهد العرابي تشبه صواريخ التنك التي تسقطها حماس على إسرائيل، وإنها جعجعة بلا طحن؟
أنا لست معنيا بالرد على كل من يكتب عن فهد سواء سلبا أو إيجابا، وليس هو الوحيد الذي قال إنني «إخونجي»، ونحن متفقون كمثقفين سعوديين على أن نبتعد عن التصنيف في كل حواراتنا، فالتصنيف من الأشياء التي ينبغي التخلص منها أو عدم اللجوء إليها لأنها لا تؤدي إلى نتيجة، فأنت لا يهمك إن كان فهد إخوانيا أو غير إخواني، وإنما يهمك الأفكار التي تصدر عن فهد أو عن غيره إذا كنت تتفق أو تختلف معها، فإطلاق مثل هذا التصنيف لا يخدم غرضا.
يقال أن «إخوانيتك» ليست بالضرورة أن تكون مع الإخوان، ولكنها ضد حكم العسكر.. فكيف نفسر هذا؟
هذا موقف معلن مني، وهو موضوع خلافي مع كثير من المثقفين العرب والسعوديين على وجه الخصوص. أنا لا مشكلة لي مع الرؤساء العسكر فشارل ديغول كان عسكريا، والكثير من زعماء العالم كانوا عسكريين، لكن ذلك لم يكن يعني أن مؤسسة الجيش كانت تحكم، فالجيش له مكانه وهو غير منصة الحكم.
أنت من المعجبين بشارل ديغول؟
بغض النظر إن كنت معجبا به أو لا، لكن شارل ديغول كان يحكم كل الفرنسيين ولا يحكم كرئيس منتمٍ إلى مؤسسة عسكرية أو إلى الجيش.
د. فهد.. كيف تقرأ مستقبل المنطقة بعد عاصفة الحزم؟
عاصفة الحزم في نظري نقطة تحول كبيرة في تاريخ المنطقة وفي مستقبلها، وينبغي أن تكون هذه العاصفة قاعدة لنؤسس عليها ما ينبغي أن تكون عليه تصرفات وسياسات وسلوكيات دول المنطقة في المستقبل تجاه التحديات التي تواجه منطقتهم، خصوصا التهديدات الإقليمية المتمثلة في إيران وما تفعله وتقوم به من تدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فالفراغات التي كانت تحدثها السياسات الخليجية والعربية في المنطقة ينبغي أن تتوقف نهائيا، لأنها استغلت استغلالا كبيرا من قبل إيران التي دخلت وملأت هذه الفراغات، بينما المفروض أن تكون جهات أخرى حاضرة في المشهد السياسي للمنطقة، مثل المملكة ومصر وغيرها من الدول الكبيرة ذات التأثير، وأعتقد أن عاصفة الحزم أيضا تؤسس لعقلية ومنهج جديد في سياسات المنطقة وفي تعاملها في ما بينها البين، بمعنى أن تجربة التحالف العربي أثبتت أن التقاء دول الخليج حول فكرة واحدة ومشروع واحد مثل عاصفة الحزم أكد أنه إحدى الوسائل المهمة للحفاظ على أمن المنطقة، وعدم توسل هذا الأمن لدى أي جهة أخرى في هذا العالم.. دول المنطقة قادرة على أن تؤمن حدودها ومجتمعاتها دون أن تكون هدفا للاستنزاف من جهات أخرى.
هل يمكن أن تمهد عاصفة الحزم لقيام الاتحاد الخليجي؟
أعتقد أن عاصفة الحزم ستكون إحدى الدعائم الرئيسية لتأسيس الاتحاد الخليجي، الذي ربما تتردد بعض الدول في الإقبال عليه أو الإيمان به، لكن بعد عاصفة الحزم أكدت الأحداث أن في اتحاد هذه الدول قوة لها في مواجهة خصومها، وفي تحقيق المشروع التنموي الكبير الذي ينبغي أن تنتظم فيه كل دول مجلس التعاون الخليجي.
ما هي الرسائل التي وجهتها عاصفة الحزم تحديدا، ولمن؟
عاصفة الحزم وجهت رسائل مهمة جدا للمتربصين بأمن الخليج، وهي بالفعل بدأت تكون نقطة تحول كبير جدا في النظر إلى مستقبل هذه المنطقة، كما وجهت رسالة أخرى قوية إلى الداخل وإلى الخارج وهي أن أمن الخليج هو مسؤولية الخليجيين، أما الرسالة الأهم فهي لإيران وفحواها أننا لن نسمح بعد اليوم بتدخلاتها في شؤوننا.
لماذا يتصاعد لدى البعض الشعور بأننا نعاني من أزمة هوية في بلادنا؟
لا أعتقد ذلك.. فالسعوديون يدركون تحديدا موقعهم من تاريخ العرب ومن تاريخ الحضارة الإسلامية، وبالتالي يرون في أنفسهم أنهم الورثة الحقيقيون للرسالة، وهم المنبع الأصلي للعروبة، ومن ثم فليست هناك أي مشكلة يمكن أن تعترض الأجيال التالية إذا ما حاولنا وكرسنا تعزيز فكرة «الخاص» في داخل هذه الأجيال، وإذا ما حصناهم من الداخل ضد الاجتياحات القادمة في الثقافة المعولمة التي أصبحت اليوم عبر الوسائل المختلفة وأنهر المعلومات المتدفقة ربما تشكل لدى بعض الشباب بعض المخاطر، لكن في المجمل أنا أعتقد ألا خطر كبيرا في المنظور الذي أمامنا اليوم.
رغم صعود رائحة المذهبية في السنوات الأخيرة؟
أخطر الصراعات في تاريخ البشرية هي الصراعات الدينية أو المذهبية، والسعوديون لا بد أن يدركوا أن أكبر مهدد للوحدة الوطنية اليوم هي الانحيازات الطائفية على وجه الخصوص، حينما تتحول هذه الانحيازات من الاعتقاد التعبدي على سبيل المثال إلى أن تكون عامل تمييز وفرقة وصراع، فهنا يجب أن تدق ناقوس الخطر وأن تقول لهؤلاء المتصارعين: إذا كنتم حريصون على صيانة وحدة وتراب هذه البلاد وإذا كنتم تنظرون إلى المستقبل بالطموح الذي أسس له المغفور الملك عبدالعزيز في بناء هذه الدولة المترامية اليوم، فينبغي أن يظل الاختلاف الطائفي في إطاره الصحيح، فكل سيلاقي ربه بما يتوجب عليه، وكل سيجد عند الله سبحانه وتعالى ما يستحق من الثواب أو العقاب، ونحن لا نستطيع أن نمحو تماما الاختلاف الطائفي الذي استمر بين الطوائف والفرق الإسلامية لقرون مديدة، وليس هذا مطلوبا اليوم على الإطلاق، لكننا نستطيع أن نعمل جاهدين كمثقفين وعلماء ومؤسسات تربوية وتعليمية على تحجيم أضرار الطائفية وتحجيم انتشارها وتوسعها لأنه لا يبنى عليها مستقبل لأمة تريد أن تواجه المستقبل وهي متراصة ومتماسكة كما ينبغي أن تكون.
في هذه الحال ما الذي يتقدم أن تكون سعوديا أو أن تكون سعوديا سلفيا أو شيعيا أو حتى إخوانيا؟
الذي يتقدم أن تكون سعوديا عربيا مسلما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.