أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    الفضلي: «منظمة المياه» تعالج التحديات وتيسر تمويل المشاريع النوعية    برعاية الملك.. انطلاق مؤتمر مستقبل الطيران في الرياض.. اليوم    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    رئيس وزراء اليونان يستقبل العيسى    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    4 نصراويين مهددون بالغياب عن «الكلاسيكو»    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    «عضو شوري» لمعهد التعليم المهني: بالبحوث والدراسات تتجاوزون التحديات    الترشح للتشكيلات الإشرافية التعليمية عبر «الإلكترونية المعتمدة»    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    جائزة الرعاية القائمة على القيمة ل«فيصل التخصصي»    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    المملكة تؤكد استعدادها مساعدة الأجهزة الإيرانية    وزير الخارجية يبحث ترتيبات زيارة ولي العهد لباكستان    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    «أسمع صوت الإسعاف».. مسؤول إيراني يكشف اللحظات الأولى لحادثة «الهليكوبتر»!    تنظيم مزاولة مهن تقييم أضرار المركبات بمراكز نظامية    جائزة الصالح نور على نور    مسابقة رمضان تقدم للفائزين هدايا قسائم شرائية    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    هاتف HUAWEI Pura 70 Ultra.. نقلة نوعية في التصوير الفوتوغرافي بالهواتف الذكية    تأجيل تطبيق إصدار بطاقة السائق إلى يوليو المقبل    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    أمير تبوك يرأس اجتماع «خيرية الملك عبدالعزيز»    «الأحوال المدنية المتنقلة» تقدم خدماتها في 42 موقعاً حول المملكة    الانتخابات بين النزاهة والفساد    تحقيقات مع فيسبوك وإنستغرام بشأن الأطفال    جهود لفك طلاسم لغة الفيلة    تأملاّت سياسية في المسألة الفلسطينية    "إنفاذ" يُشرف على 38 مزادًا لبيع 276 من العقارات والمركبات    165 ألف زائر من بريطانيا للسعودية    الاشتراك بإصدار مايو لمنتج «صح»    5.9 % إسهام القطاع العقاري في الناتج المحلي    ثقافة سعودية    كراسي تتناول القهوة    المتحف الوطني السعودي يحتفي باليوم العالمي    من يملك حقوق الملكية الفكرية ؟!    وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا    الخارجية: المملكة تتابع بقلق بالغ ما تداولته وسائل الإعلام بشأن طائرة الرئيس الإيراني    الملاكم الأوكراني أوسيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    بختام الجولة ال 32 من دوري روشن.. الهلال يرفض الهزيمة.. والأهلي يضمن نخبة آسيا والسوبر    عبر كوادر سعودية مؤهلة من 8 جهات حكومية.. «طريق مكة».. خدمات بتقنيات حديثة    بكاء الأطلال على باب الأسرة    يوم حزين لهبوط شيخ أندية الأحساء    «الخواجة» نطق.. الموسم المقبل ضبابي    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    الديوان الملكي: خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية    سقوط طائرة هليكوبتر تقل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية    السعودية تطلق منصة فورية لإدارة حركة الإحالات الطبية    انقسام قادة إسرائيل واحتدام الحرب    خادم الحرمين الشريفين يأمر بترقية 26 قاضياً ب «المظالم»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



null
نشر في عكاظ يوم 18 - 02 - 2011

كأني أسمع ضجيجا يتردد في أوساط من يهمهم أمر هذا الحوار مع السفير محمد صالح جوخدار، الذي يعتبر وثيقة تاريخية بما يحتويه من حقائق وأرقام ومواقف وآراء تنشر لأول مرة.. فالرجل الذي عرفته صناعة النفط رائدا من الرعيل الأول ومسؤولا في وزارتي الطريقي واليماني، تحدث على سجيته منتقدا قرارات مفصلية لوزراء، وكاشفا مواقف خفية لدول. قال بأن قرار إنشاء شركتي بترومين وسمارك كان خاطئا، لم يخف إعجابه وانجذابه لشخصية عبد الله الطريقي أول وزير نفط سعودي، كما لم يتردد في الإفصاح عن تأزم علاقته بالوزير أحمد زكي يماني، ما اضطره لمغادرة البيت الذي نشأ فيه. جوخدار، الذي قاد سفينة منظمة الأوبك إلى بر الأمان أمينا عاما في سنة النكسة، وصف قرار بيع البترول بسعر أقل مطلع الثمانينيات الميلادية بالقرار الخاطئ الذي يتحمله يماني، وكشف عن حرب مفاوضات طاحنة دارت رحاها بين المملكة وشركات الامتياز لمدة ثلاث سنوات؛ لإلغاء الشلن الذهبي الذي كان يدفع قبل قرار مناصفة الأرباح.. حوار فيه مفاجآت ومرتدات بدأه ضيفنا، الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، باستعادة شريط الذاكرة لتفاصيل المكان والزمان قائلا: ولدت في بيت ميسور الحال في حارة اليمن، محاطا بجد يعمل وكيلا لحجاج شرق آسيا (الفلبين، إندونيسيا، والملايو)، وعم يتبوأ منصب ثاني رئيس لبلدية جدة في عهد الملك عبد العزيز بعد علي سلامة رحمهم الله جميعا وابن خال (سراج حامد زهران) يدير القصور الملكية سابقا، وقد استفز وجود الكهرباء في بيتنا فقط صديقي وقريبي هشام ناظر (أمه بنت خالة أمي) ليقول لي: كنت أظن أنكم نصارى، لأن الكهرباء لم تكن موجودة في جدة إلا في بيوت القناصل الأجانب، كما أن الماء الذي كان يشح عند الآخرين يتوفر في بيتنا ثلاثة أنواع منه، بدءا بما يسمى الغدير الشبيه بماء البحر ونستخدمه في دورات المياه، وماء العين للاستحمام وغسل الوجه، وماء الكنداسة الذي نستخدمه للشرب بعد تبريده في الزير.. هذه الحالة من اليسر علمتني أن اقتصد في استخدام المياه وفي كل شيء، بل ترسخت ثقافة المحافظة على الموارد والمياه في سلوكي، حتى عندما ذهبت إلى أمريكا بأنهارها ومياهها النظيفة لأدرس الاقتصاد.
خطواتي الأولى خارج المملكة بدأت بالسفر إلى القاهرة في البابور التالودي عام 1944م عبر السويس، وبرفقتي عبدالعزيز عبدالله السليمان، ومعالي السيد أحمد عبدالوهاب، والأخ عبدالقادر الفضل لندرس في مدرسة الأورمان النموذجية، التي كانت قمة التعليم في العالم العربي، وأشرفت علينا إنجليزية تدعى ميلر في الفترة التي كان فيها طه حسين وزيرا للمعارف، وخرجت عليه مظاهرة في شوارع القاهرة تحمل شعار (يسقط الوزير الضرير)، فقال: أحمد الله أن جعلني ضريرا لكي لا أرى أمثالكم، ولم يطل بقاؤنا مع بعض كثيرا، فقد افترقت عن أحمد عبدالوهاب بعد المرحلة الابتدائية، فيما جاءت وفاة والد عبدالقادر الفضل لتكون سببا في عودته إلى المملكة وعدم إكماله الدراسة معنا، واستمررت مع عبدالعزيز السليمان إلى أن تخرجنا من الثانوية.
عشت في مصر بجوار اليهودي والمسيحي والقبطي، وتعاملوا معي كمسلم دون تفرقة عنصرية أو دينية، وعاملوني كإنسان، وكنت وما زلت معجبا بمصر، ويكفي لكي أشرح لك عظمتها في ذلك الوقت أنني ذهبت لأول مرة إلى العالم الغربي، فزرت باريس عام 1950م، ولم يبهرني فيها شيء كما كنت أتوقع كما بهرتني القاهرة بنظافتها وثقافتها وأدبها وفنها، بل إن أحسن أحياء القاهرة مثل جاردن سيتي والزمالك كانت أكثر عظمة، وتضاهي أجمل أحياء باريس مثل المنطقة السادسة عشرة أو منطقة نيوييه.
• لا يخفي جوخدار إعجابه الشديد بموقف عبدالناصر التاريخي، بعد عقده أول صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا، وتلقيه غضب أمريكا من التعامل مع دولة شيوعية بكل البرود، ثم قيامه بتأميم قناة السويس ردا على عنجهية فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا في عهد الرئيس إيزنهاور، وسحب أمريكا التي كانت تضرب بعصا البنك الدولي كل الالتزامات التي تعهدت بها لتمويل السد العالي، وما زلت أتذكر عناوين الصحف الأمريكية في صباح اليوم الثاني عندما كتبت بالمانشيت العريض: كيف سيسدد عبدالناصر قيمة بناء السد العالي، فكان رده عليهم بليغا، بخروجه بعد ظهر ذلك اليوم وإعلانه قرار التأميم، ومن حسن الحظ أن الشخص الذي كلفه عبدالناصر، وهو الضابط المعروف محمود يونس زميله في هيئة الأركان قبل الثورة، قد قام بإدارة قناة السويس بكفاءة باهرة شهد له بها العالم، بل إن عبدالناصر نفسه وصف عملية التأميم وصفا بليغا، يدل على مدى الحكمة التي اتبعت في تنفيذ القرار، بقوله: لم أعرف شيئا مر بهدوء كما مرت هذه العملية، فما إن فرغت من إلقاء خطابي حتى كانت العملية كلها قد نفذت، ثم لا تريدني وغيري أن نعجب بعبدالناصر.‏
قبل أن أذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تحدث أهلي مع العم محمد عبدالله رضا، الذي طلب والده شريط الكهرباء من بيتنا لكي يحتفل بزفاف ابنه، ليختار لي جامعة في لندن، وأراد الله لي خيرا، فلم تكن طبيعة الإنجليز وشدة تمسكهم بالرسميات تتناسب مع الحياة التي عشتها في مصر، والتي اعتدت فيها على البساطة وعدم التكلف، واصطدمت مع المرأة التي سكنت في منزلها في لندن، فاعترضت عليها بعمل إضراب ظاهري عن الطعام رغبة مني في وصول الخبر إلى وكيلي جون هاورد، الذي بنى أول ميناء في جدة عن طريق بيت رضا، وكانت شركته تقوم بتقديم الاستشارات الفنية والمعدات اللازمة للعين العزيزية والميناء البحري، وفي تلك الفترة قامت الثورة في مصر، فقررت العودة إلى جدة وقطع دراستي في لندن، ثم قررت الذهاب إلى أمريكا بعيدا عن برود الإنجليز ورسمياتهم المبالغ فيها، وقد كسر زملائي في الجامعة الأمريكية لوح الثلج معي مبكرا، فعندما تهندمت ولبست البذلة في أول يوم في الجامعة مازحني أحدهم بسؤالي إن كنت ذاهبا إلى الكنيسة، فوقعت على نفسي من الضحك، وعرفت حينها أي بساطة يعيشها الأمريكان الذين لم أشعر طيلة سنوات وجودي بينهم بالغربة عن بلدي.
• أمريكا التي تعرفها تغيرت كثيرا بعد 11 سبتمبر؟
هذا صحيح، لكن ما زال هناك جانب إنساني لا يغيب في تعاملهم مع الآخرين، سواء أكانوا عربا أوغيرهم، ويعرف هذه المسألة كل من ذهب إلى أمريكا قبل الحادي عشر من سبتمبر.
• استفسرت عن أسباب تغير بوصلة طالب الاقتصاد القادم بشهادة الماجستير ليختار العمل في قطاع البترول، فقال ببساطة:
قرأت قبل شهرين من عودتي إلى المملكة مقالة في صحيفة النيوزويك تمتدح موقف الوزير عبدالله الطريقي؛ لتحطيمه مبدأ مناصفة الأرباح مع الشركات الأمريكية، بالتوقيع على اتفاقية شركة الزيت العربية مع اليابان، لتحصل المملكة على 57 في المائة، وأحقية أن تدخل شريكة بنسبة 20 في المائة، يمكن أن تنخفض إلى 10 في المائة إذا أخذت الكويت الامتياز في نفس المنطقة لأنها منطقة محايدة ومشتركة.. رجل يخدم وطنه بهذه الصورة أحب أن أعمل معه، فعدت من أمريكا على طائرة طيران الشرق الأوسط في السادسة صباحا، وقد حسمت أمري، ولم تمض ساعتان على وصولي إلا وكنت في مكتب عبدالله الطريقي في الثامنة صباحا، وبدأت خطواتي الأولى في مديرية الزيت والمعادن المجاورة لمؤسسة النقد القديمة في حي الكندرة في جدة.
• انجذبت لشخصية عبدالله الطريقي لدرجة أن بعضكم قلده في ملبسه وطريقة حديثه؟
أنا انجذبت لشخصيته وأهدافه الوطنية والقومية، وكنت سعيدا بالخدمة تحت رئاسة شخص حقق شيئا تاريخيا لبلده، ولديه من الوضوح والمصارحة الشيء الكثير، وأتذكر أن هذه الاتفاقية أثارت الغيرة لدى البعض، خصوصا المقال الذي كتبه شخص اسمه (أحمس خليفة) في مجلة الأهرام الاقتصادي، عن من وصفه ب(مستر تو بيرسنت) أي سيد ال 2 في المائة، واسمه كمال أدهم، فساءني ما قرأته، فأخذت المقال وذهبت لعبدالله الطريقي فأطلعته عليه، وفوجئت به يقول لي باللهجة المصرية التي يحب التحدث بها دائما: اجلس ياريس دا كلام فاضي. لولا كمال أدهم لما استطعنا أن نحصل على الشيء اللي مو عاجبك وصحتين على قلبه فعلاقاته العامة هي التي جعلت اليابانيين يوقعون على اتفاقية الامتياز.
• عن أول مهمة كلف بها يقول الجوخدار:
جاءنا خطاب من الملك سعود رحمه الله يفيد بوصول شكاوى من أهل الهفوف وتاروت الذين كان لأرامكو دور في إنقاذهم من مرض التراخوما، بتكليفها جامعة هارفارد لعمل بحث لإيجاد تطعيم لهذا المرض بعد عمليات اكتشاف النفط، وتشكلت لجنة من عدة وزارات مختصة لدراسة احتياجاتها، فمثلت فيها وزارة البترول، وكان معي الشيخ تركي العطيشان رحمه الله، وفي تلك الفترة تأسست الهيئة المركزية للتخطيط، وترأسها د. فاروق الحسيني ومعه سعودي اسمه سعيد آدم، ومن الطريف أن أرامكو قدمت لنا إحصائية علمية قامت بها طائراتها على ارتفاع منخفض لمعرفة أنواع المنازل، وأنزلت أشخاصا ليحصوا عدد السكان، فجاءت تقديراتها بأن عدد سكان المنطقة الشرقية في بداية الستينيات الميلادية ما بين 350 و400 ألف شخص، ويبدو أن هذا الرقم لم يعجب تركي العطيشان، فقال لنا: إن هذا العدد غير صحيح، فعدد سكان الشرقية 12 مليوووون شخص هكذا قالها فعرفت وقتها أنه لم يكن يعرف ما هو المليون.
• ما سر استعانة الطريقي بكفاءات عربية، في ظل وجودكم ككفاءات سعودية في ذلك الوقت؟
كنا نعد على أصابع اليد الواحدة، فعندما التحقت بالوزارة لم يسبقني كجيل أول في الوزارة سوى هشام ناظر الذي سبقني بشهرين، ولذلك تمت الاستعانة بعدد من الكفاءات العربية، ويشهد الله أنهم من خيرة رجالات وزارة البترول آنذاك وما زلت أتذكر زميلي فاروق إبراهيم الحسيني رحمه الله الذي عملت معه سويا، فقد كان اقتصاديا هائلا.
• ما حجم التحديات التي واجهتموها لتوطين صناعة النفط السعودية؟
أنا عملت في الحكومة، ولم أكن في أرامكو، ولكن ما كان يحدث عمليا في أرامكو يؤيد كلامك.
• لم يتدخل الطريقي لإصلاح الأوضاع؟
لا.
• ولم تتغير هذه المعادلة التفاضلية حتى آلت أرامكو لنا في فترة أحمد زكي يماني؟
ليتها لم تؤل بالكامل.
• لماذا؟
للأسف أن قرار تحويل أرامكو إلى شركة سعودية 100 في المائة، بناء على الاقتراح الذي تبناه أحمد زكي يماني، أحالها إلى جهاز حكومي بكل صفاته وعيوبه، بينما كان رأيي وآخرين آنذاك أنه يجب أن نتركهم شركاء معنا، ولو بنسبة 25 في المائة ليدافعوا عن مصالحنا في الدول المستهلكة ضد ضغوط التخفيض وغيرها.
وبحثا عن خفايا المفاوضات التي كان جوخدار أحد شهودها لتعديل شروط الامتياز من أربعة شلن ذهبي عن كل طن (ما يعادل ربع دولار أمريكي على البرميل) إلى مناصفة الأرباح، قال باسما:
كانوا يضحكون علينا فعلا. وأضاف: تصور أنهم يعطوننا ربع دولار عن كل برميل من بترولنا، ثم يقومون ببيع الزيت للهند بسعر يوازي سعر برميل البترول في غرب تكساس (نحو ثلاثة دولارات ونصف)، زائدا أجور الشحن، وتعادل ثلاثة دولارات ونصفا أيضا، زائدا أجور الشحن من رأس تنورة إلى الهند، بحيث يباع البرميل الواحد الذي يخرج من رأس تنورة بقيمة 12 دولارا في الهند، فجاء عبدالله الطريقي، وقال لهم: معاملاتكم للدول المنتجة الفقيرة أدت إلى أن تؤمم إيران صناعة النفط، وأنتم كشركات لستم متضررين، بل إنكم تدفعون ضرائب للخزانة الأمريكية، وهذا يهدد كيانكم في الناس الذين يعيشون بينكم. وكان يحاضر في هذه المسألة، ويسأل المسؤولين الأمريكان: بأي حق تأخذون ضرائب على أرباح تأتي من ثروتنا وأراضينا وليس من جهدكم، كما أن طريقة تسعيركم تحرق اقتصاديات العالم والدول الفقيرة تحديدا، فكان قرار المناصفة.
• ثم نظر إلي متسائلا: أليس موقف الطريقي تاريخيا في هذا الشأن؟.. قلت له: لكن مصدقي اتخذ خطوة أكثر تقدمية بتأميمه صناعة النفط الإيرانية، مع أنه دفع ثمن ذلك بتآمر الشركات الغربية على طهران ومقاطعتها البترول الإيراني؟
فأجابني: هذا صحيح، وقراره لم يكن متسرعا، ولكن لا تنس أن تركيبة الشركات العالمية تؤهلها للتآمر، ولو كان هناك تنسيق بين الدول في تلك الفترة لما حدث هذا التآمر، ثم أكمل مستدركا: لا تنس أن هذه الشركات تشتري منا وتذهب لتدفع الضرائب في بلاد العام سام، وأزيدك من الشعر بيتا، فقد أصرت الشركات الأمريكية بعد قرار المناصفة على التمسك بخصم الربع دولار الذي كانت تدفعه عن كل برميل في الاتفاق الجديد، وظللنا معهم في مفاوضات مضنية لإلغاء هذا الشرط على مدى ثلاث سنوات كاملة، اضطررت فيها للسفر إلى فرنسا، بتكليف من مجلس الوزراء لأخذ المشورة القانونية من البروفيسور روسو (عالم القانون في جامعة السوربون) لدراسة حق الدولة في تغيير الالتزامات القانونية محافظة على مصالحها القومية، وتمت الدراسة، وجرى تنفيذها دون أن نعطيهم فرصة للتفكير في الأمر.
• ما سر ذهابك إلى فنزويلا للعمل بها لمدة عام كامل في مطلع الستينيات الميلادية؟
ذهبت برفقة هشام ناظر إلى فنزويلا في الفترة من مايو 1960م إلى مايو 1961م عندما تأسست الأوبك كمستشارين، وعملنا في الشركة الوطنية الفنزويلية لمدة عام كامل، كما عمل بالتبادل أيضا مسؤولون من فنزويلا بوزارة البترول السعودية لنفس المدة، وقارنا الأوضاع، ودرسنا كيفية إنشاء شركة وطنية الغرض الأساسي منها تحقيق الأهداف التي كنا نتوقع أن تقوم بها أرامكو، وليس فقط إنتاج البترول، بل قيام صناعة متكاملة من البحث والتنقيب والتطوير والإنتاج وتصنيع ما ينتج في جميع مراحله، والاستفادة من الغاز وغيره.
• لكن فنزويلا لم تكن تعطي امتيازات البترول بمساحات شاسعة كما كنا نفعل مع شركات الامتياز؟
هذا الموضوع تحديدا كتبت فيه مقالة في عهد الطريقي، وتحدثت فيه عن أرامكو والالتزامات الضمنية للتطوير، وأتذكر أن وزير الدولة لشؤون المالية عبدالله بن عدوان رحمه الله قرأ مقالتي، فأرسل رسالة للطريقي يطلب فيها بناء على ما كتبت مفاوضة أرامكو على وضع برنامج للتخلي عن المناطق التي تحتجزها دون استثمار حقيقي، وقد حددت في مقالتي أكثر 450 ألف كيلو متر مربع غير مستثمرة، والحقيقة أن الطريقي لم يكن مرتاحا لأسلوب ابن عدوان، فكان يطلب مني إذا أردنا شيئا من وزارة المالية أن أكتب مباشرة للملك فيصل عندما كان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء ووزيرا للمالية، فجاء إعجاب ابن عدوان بمقالتي ليقتل موضوعي عند الطريقي.
• هل كان إنشاء شركة بترومين نتاجا لهذه الزيارة؟
للأسف أن بترومين أنشئت بعد مغادرة عبدالله الطريقي عام 1963م، وقدوم أحمد زكي يماني، وقد فشلت فشلا ذريعا.
• لكن بالمقابل كانت له حسنات كثيرة؟
أعتقد أن الشيء الذي خلد اسمه كوزير هو إنشاء جامعة البترول، أما بترومين، فالحمد لله أن رجالا مثل الدكتور غازي القصيبي رحمه الله أدركوا واقع الشركة، ففكروا في فصل البترول عن البتروكيميكال، وتأسست سابك في الوقت الذي كان ينتظر هذا الدور من بترومين.
• كنت أحد عناصر القيادة والمسؤولية في نفس الشركة كنائب رئيس؟
وكنت قبلها مديرا عاما أيضا، ومن سوء الحظ أيضا أنني وقعت مع الحكومة الفرنسية امتياز مناصفة في البحر الأحمر، واكتشفنا في المناطق الشمالية القريبة من إسرائيل وجود أربعة آبار غاز، وبئر فيها بخار هائل في فرسان كان يمكن الاستفادة منها في توليد الكهرباء، ولكن الشركة انسحبت لأن الأسعار لم تكن مجزية لها في تلك الفترة، وتوقف المشروع.
• والحال كذلك ينطبق على سمارك التي جاءت بعدها ولم يطل بها الأمر؟
بالطبع، فكل ما بني على خطأ فهو خطأ.
• هناك من نسب إلى عبدالكريم قاسم فضل إنشاء منظمة أوبك؟
انعقاد اجتماع التأسيس في بغداد لا يعني أن عبدالكريم قاسم كان صاحب الفكرة، واللذان بدآ فكرة الأوبك هما عبدالله الطريقي، وبيريز الفونسو رئيس وزراء فنزويلا.
• وهناك من قال إنها أنشئت برغبة أمريكية؟
هذه أيضا غير صحيحة، فقد حوربت المنظمة، ووصفت بأنها منظمة احتكارية، وأرادوا أن يرفعوا عليها قضايا.
• توليت مسؤولية منظمة أوبك في سنة النكسة، فما الذي حققته لدول المنظمة؟
مع إغلاق قناة السويس أصبح الشحن يتم من خلال ميناء رأس الرجاء الصالح لأوروبا وأمريكا، بينما لدينا ثلاثة مصبات على البحر الأبيض المتوسط في المملكة والعراق وليبيا، ولا يمكن لنا أن نأخذ بنفس الأسعار التي كانت سائدة قبل النكسة، فقررنا أن تكون اجتماعاتنا كلها في ليبيا، فحققنا للدول سعرا مجزيا في تلك الفترة، وحاولت أن أعمل هذا الشيء في أول شهر استلمت فيه، عندما كانت دولة شقيقة تقطع خط التابلاين كلما حانت ساعة غضب، فذهبت إلى إيران وقدمت اقتراحا أن نعوض العراق إنتاجا عن الشيء الذي انقطع عنه، فيستفيدوا هم ونحن نستفيد أيضا، ولكن إيران رفضت الفكرة، وقالوا لنا: عندما أممنا وقوطعنا استفدتم أنتم من مقاطعتنا، فقلت لهم: لم تكن أوبك موجودة كمنظمة آنذاك، لكنهم رفضوا.
• ما موقفك من قرار بيع البترول في الثمانينيات بمبلغ أقل من الدول الأخرى؟
كان قرارا سخيفا، وكأن البترول الذي نبيعه وبترول تمبكتو يمكن التمييز بينهما، فكانت النتيجة أن رؤساء الشركات الذين كانوا يأتون إلينا يقفون في طوابير لأجل الحصول على برميل نفط ب 36 دولارا، فيما قيمته في الدول الأخرى بخمسين دولارا، وكأنهم لا يدرون أننا نعلم بأنهم يبيعونه لآخرين بأسعار أكبر من سعرنا بكثير، والله أعلم بما كانت تقدمه الشركات لكي تأخذ منا بهذا السعر.
• من تبنى فكرة البيع بسعر أقل؟
أحمد زكي يماني وعبدالهادي طاهر.
• يبدو أن المسافة الفكرية متباعدة بينك وبين اليماني؟
جدا.
• هل تم تسييس أوبك في ظل الضغوط الغربية عليها؟
أبدا، فهي ما زالت منظمة مختصة، وتوجهاتها تدور في إطار الحفاظ على الثروة الناضبة المشروعة لأعضائها.
• إلى أي مدى حاولت الدول الغربية شق صف منظمة أوبك قبل أن يؤسسوا وكالة الطاقة الدولية؟
دائما ما يغذون في الإيرانيين ما حدث لمصدق، وكان شاه إيران يتحدث مع شركات البترول في عيد النيروز السنوي، ويقول لهم: اتركوا العرب.
• هل لدى أوبك الآن القدرة على امتلاك أوراق الضغط على أسواق النفط وقت الأزمات؟
دول أوبك تتفاعل لأنها لم تعد الدول الوحيدة المنتجة للنفط، فقد ظهر شركاء جدد في الساحة.
• تقصد النرويج وروسيا؟
وغيرها من الدول العربية أيضا.
• هل تؤيد الدعوات التي طرحت لفتح العضوية لمصر والسودان واليمن وسوريا وعمان؟
لِم لا.
• بصراحة.. إلى أي مدى يمكننا الاعتماد على البترول كمصدر دخل رئيس؟
هذا الكلام سيظل يشغلني مثلك تماما، وما زلت أتذكر ما حدث معي عندما ذهبت إلى أمريكا بعد استشهاد الملك فيصل، ذهبت لأحاضر في أمريكا عام 1976م، فالتقيت في الفندق أحد الأمريكان، فقال لي: هلكتنا بمقولة إمكانياتنا في كل محاضرتك، ونسيت أن البترول ثروة ناضبة ثم ماذا بعد؟ وأضاف قائلا: ربنا أعطاكم الربع الخالي والشمس تسطع في بلدكم 360 يوما من ال 365 يوما على مدار السنة، فأنتم تستطيعون أن تصدروا الطاقة الشمسية إلى مراكز الاستهلاك من الآن، فنظرت إليه وضحكت ضحكة خبيثة، فقال لي: لا تضحك، فالولايات المتحدة الأمريكية لديها أقمار صناعية في الفضاء تمر بفترة فشل في أجهزة بطارياتها، فنقوم بنقل الطاقة من وحدة إلى أخرى في غياب مثل هذه الطاقة التي بين أيديكم، فشعرت لحظتها بسخافتي، وبدأت أركز معه، فتابع قائلا: لو بدأتم من الآن في الاستفادة من فائض دخلكم في شركات التقنية، ألا تعتقد أنكم بعد خمسين سنة من امتلاك سلاح التصدير إلى العالم في هذه التقنية؟ وقد تأثرت بكلامه كثيرا، فكتبت توصية وأرسلتها، مقترحا أن نوفر ثلاثة دولارات من كل برميل نفط مصدر للخارج لصالح صندوق يسمى (صندوق البحث والتطوير).
• لماذا انتقلت فجأة إلى وزارة الخارجية، وتركت وزارة البترول رغم ارتفاع أسهمك فيها؟
كانت لي مواقف في مجالس إدارة بترومين وكلية البترول غير مستساغة من قبل أحمد زكي يماني، فوجدت أنني أتقاضى راتبا بدون عمل شيء، وتزامن في تلك الفترة من عام 1973م أن أصبح البترول مهما جدا في السياسة الخارجية، وظهرت الرغبة لإدخال السيد عمر السقاف في المجلس الاقتصادي الأعلى، وتم اختياري للعمل كسفير في الدائرة الاقتصادية في وزارة الخارجية فذهبت.
• لكن لم يطل بك الحال أيضا في وزارة الخارجية؟
بصراحة، لم أرتح للعمل هناك، ووجدت أن السيد عمر السقاف أخذني لأن علاقته مع أحمد زكي يماني لم تكن جيدة، فصفيت خدماتي وتفرغت لأعمالي الخاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.