برنامج الابتعاث الذي انطلق قبل أكثر من عشر سنوات في العديد من دول العالم، وتخرج منه الآلاف من طلبتنا وطالباتنا في تخصصات عديدة، والذي يعتبر أكبر برنامج ابتعاث في تاريخ المملكة، هل ما زالت الحاجة قائمة لهذا البرنامج حتى الآن؟. عندما بدأ البرنامج كانت الجامعات الحكومية إحدى عشرة جامعة، ومحدودة المقاعد والتخصصات، ولذلك كانت الحاجة قائمة لاستيعاب الآلاف من خريجي الثانوية، الذين لا يجدون لهم مقاعد في هذه الجامعات، وبرزت فكرة برنامج الابتعاث الخارجي لعدة أسباب، منها: استيعاب هؤلاء الخريجين، وتنويع مصادر التعلم في بعض الدول المتقدمة. حاليا يوجد في المملكة 28 جامعة حكومية، وأكثر من 20 جامعة وكلية أهلية بها أفضل التخصصات الموجودة في العالم، ومتوافقة مع احتياج سوق العمل المحلي لدينا، ومنتشرة في كافة مناطق المملكة بدون استثناء، إضافة لاستيعابها كافة خريجي الثانوية. بمعنى، الحاجة التي كانت قائمة للابتعاث في السابق انتفت حاليا، كما أن وجود ما يقارب السبعين ألف خريج مبتعث، خلاف هذا العدد في طور التخرج، يعتبر رقما كبيرا، وقفزة ستساهم في بناء وتنمية البلد بهذه العقول، التي نهلت من أفضل علوم الدول المتقدمة، والتي ستنقله بدورها إلى الجيل الجديد بإذن الله. بناء على المعطيات السابقة، أعتقد أن التوسع في الابتعاث بهذا الشكل الكبير لم يعد له حاجة، ويجب تقنينه؛ ليقتصر على حاجة الجهات الحكومية في بعض التخصصات. فلو أخذنا مثلا الجامعات عندما تحتاج عشرة أو عشرين أو أكثر أو أقل تقوم بالابتعاث لهؤلاء في التخصصات التي تحتاجها، وما ينطبق على الجامعات ينطبق على بقية الدوائر الحكومية، بحيث يكون الابتعاث حسب الحاجة القائمة، وليس مفتوحا. إضافة إلى أن المبتعث بهذه الطريقة وظيفته محجوزة عندما يعود إلى أرض الوطن للعمل في تخصصه وليس بحاجة إلى البحث عن وظيفة (كما هو الوضع حاليا) ربما يجدها أو لا يجدها! مما يضطره للعمل في تخصص غير تخصصه، مما يتنافى مع أهداف الابتعاث. ويروي لي العديد من المبتعثين أنهم اضطروا للقبول بوظائف مغايرة لتخصصاتهم؛ لعدم وجود الوظيفة المناسبة لهم. مما يعني أن الكثير من المبالغ التي تم إنفاقها على تعليم المبتعثين في تخصصات معينة لم تذهب في طريقها الصحيح. ولذلك، أعتقد أن المرحلة القادمة تحتاج تقنينا للابتعاث واختيارا دقيقا للتخصصات، مع التأكيد على عمل الطالب في تخصصه بعد العودة من الدراسة.