عرفت المجرم الذي وراء معظم حوادثنا الأمنية والأخلاقية.. وحتى الداعشية كتفجير الأبرياء المصلين الأخير في نجران، وأسأل الله تعالى أن يكون الأخير. أنا هنا سأخبر عن المجرم، واتهمه، وعلى استعداد كامل أن أقوم بدور المدعي العام وأمطره بالتهم أولًا، حتى أفرغ قليلا من الغيظ الذي في قلبي عليه، ثم أبرهن وأدلل، وربما طشتُ قليلا وقلت صارخًا مزمجرًا: هدوني عليه! لا أعرف كيف سيكون القبض عليه وسجنه ولكن هذا شأن وزارة الداخلية في القبض والحبس. سيقول العدليون لي: "قف، ليس من حقك كيل التهم على مجرم إلا إن ثبت جرمه". ولكن هذا المجرم لا يهتم أصلاً بأي قانون، ثم أني الصراحة أخاف أن أتهم أي جهة رسمية أو مدنية بالتقصير بينما أعرف أن هذا المجرم لن يؤذيني، أو أنه لا يملك أصلًا أن يؤذيني. المجرم الذي أَزَاغ العقول وعبث بالأخلاق.. هو الهاتف الجوال. وأقصد الجوال الذكي الذي يحمل العالم بداخله. الجوال نجح نجاحًا مذهلا في عزل الإنسان عن الإنسان، غيّر الجوال الذكي المعاني والعواطف التي عرفها الإنسان من الخلق الأول حتى ظهوره.. ماذا عملت يا ستيف جوبز؟! في داخل البيت الرؤوس محنية بزاوية حادة على الجوال، والعيون والقلوب والعقول كلها في تركيز بؤري عليه، وكان كل العالم لم يعد موجودًا، أو أن العالم الحقيقي ليس الذي يعيشونه ويلمسونه ويدركونه بحواسهم، بل هو العالم الذي سُمي، ويا للسخرية، بالعالم الافتراضي، فإذا هو العالم اللصيق الحقيقي. وبرؤوسها محنية في المجالس والمقاهي والاستراحات، حتى شاعت بين المعلمين بفصولهم، والموظفين بمكاتبهم فضعفت أواصر العاطفة الفردية الخاصة، بل ربما تجد أحدهم يتواصل بالجوال مع آخر يبعد آلاف الأميال ويكون أكثر قربًا من رفيقه الذي تركب ركبته فوق ركبته. إن الجوال صار هو الصديق الحقيقي، والرفيق الذي لا يضاهيه رفيق، والناصح والموجه والمربي.. إنه النديم الذي لا يفارق نديمه. كل فكر هدام ومخرب يأتي بجاذبية تخديرية إدمانية عن طريق الجوال ووسيلته متعة القلوب التي تفتح بابًا رئيسًا للعقول، يدخل بدون ضوابط كما يدخل الهواء. خذ.. قرأت في كتاب أجنبي اسمه "داعش Isis" يقول المؤلف في أحد فصوله: "لو كان لداعش أن تشكر شيئا شكرًا تبجيليًا لكان هذا الشكر للجوال الذي جلب صبية المسلمين بأعداد غفيرة إلى أحضانهم، والصبايا أيضًا". هل أقول صادروا الجوالات أو امنعوها؟ لا، لا يمكن. ليس أمامنا إلا سلاح واحد نواجهه فيه، بما أنه الهاتف الذكي، وهو الذكاء. كيف نكون أذكى من الهاتف الذكي ونكون أكثر جاذبية من المخربين داخله، هو استخدامه بذاته بطرق تجذب العقول والقلوب لمبادئنا الطيبة. ولن تنفع إلا الجدية في إعمال عقولنا، وليس بالأساليب الوعظية التي ثبت ضعفها وبساطتها. لا يمكن أن يكون أشرار داعش أذكى من كل خبرائنا ومربينا ومفكرينا. وأعطيكم العنصر الأول لنجاح الخطة، وهو "الاتفاق" على "نهج "واحد وليس عشرات الطرق المتقاطعة، هذا ما تفعله داعش والمخربون الآخرون؛ النهج الواحد. هذا المقال كتب لكم.. بالهاتف الذكي!