راقني ما قد رأيته منذُ بداية هذا الشهر الكريم إلى وقتنا هذا من منظر روحاني جميل، تخشع له القلوب قبل الأبصار ألا وهو منظر إخوتي وأبناء بلدي وهم ببيتِ الله الحرام، يقفون وقت الإفطار على قدمٍ وساق بِجميع جنبات الحرم، فتجدهم بالمسعى وعند امتداد السّفرِ وعند الطواف واقفين حاملين القهوة والتمور والمياه وحتى المناديل الورقية ليُقدموها لإخوانهم المُعتمرين الصائمين. ما هذه الأخلاق الإسلامية السامية؟ الّتي تجلّت وتجسدت بِهؤلاء الرجال، والله لو أراد رسام إدراج هذا المشهد الجمالي بلوحة فنّية جميلة لعجزت ريشته عن تجسيد ذلك المنظر بكل معانيه، فهؤلاء أُناس عرفوا قيمة الصيام بأنّه ليس فقط امتناع عن الطعام بل هو أخلاق وعطاء وبذل، فوقفوا على أقدامهم لإطعام إخوانهم الصائمين وخاصة عند المسعى؛ ليُمكنوا إخوانهم من استكمال مناسكهم، حتى لا يقطعونها للبحث عن تمر أو ماء «ليفُكّوا» به ريقهم، فنسأل الله العظيم أن يطعمهم من ثمار جنته وأن يكتب لهم مثل أجر إخوانهم الصائمين، فكما ورد عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: «من أفطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجرِ الصائم شيئاً.