في مثل الحالة السعودية يمكن استبدال المثل الشهير "القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود" إلى "القرش الأبيض يمحو تراجع النفط الأسود"، وذلك في سبيل شرح الحالة التي استطاعت من خلالها الرياض تجاوز تبعات تراجعات النفط، والخروج بموازنة استطاعت من خلالها الإبقاء على مستوى الإنفاق على معدلاته اعتمادا على الاحتياطيات المالية. ومثلت التجربة التي اختطتها المملكة لنفسها أيام كان العالم يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة قبل 6 سنوات مناخا ملائما في ظل تراجع سعر البترول، وشكلت سياسة النفس الطويل والتفكير بعيد المدى عبر سياسة مالية تسير عكس الدورات الاقتصادية نقطة انطلاق نحو استراتيجيات مالية متوازنة تعتمد على الفوائض المالية المتحققة من ارتفاع الإيرادات العامة للدولة. القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود"، مثل يحكي قصة "الادخار من فائض اليوم لحاجة الغد"، وهو ما مثل استراتيجية سعودية نجحت في تجربتها الأولى، وتجاوزت محنة ال"2008" ببراعة كبيرة شهد لها العالم كافة، ومثلت نقطة انطلاق نحو استراتيجيات مالية سعودية متوازنة تعتمد على سياسة النفس الطويل والتفكير بعيد المدى عبر "سياسة مالية واضحة تسير عكس الدورات الاقتصادية، بحيث يستفاد من الفوائض المالية المتحققة من ارتفاع الإيرادات العامة للدولة في بناء احتياطات مالية وخفض الدين العام مما يعطي عمقاً وخطوط دفاع يستفاد منها وقت الحاجة، وقد تم تنفيذ هذه السياسة بنجاح كبير". الاحتياط الذي تجاوز موازنة المملكة لعام كامل ارتفع إلى 904.6 مليارات ريال بنهاية أكتوبر الماضي بمبلغ قدره 102.78 مليار ريال مقارنة بشهر سبتمبر 2014، وذلك حسبما أظهرت البيانات الشهرية لمؤسسة النقد العربي لشهر أكتوبر. وحافظ الاحتياط على قيمته بمعدل 852 مليار ريال طوال الفترة من يناير 2014 إلى أغسطس الماضي، لينخفض خلال شهر سبتمبر بحوالي 50 مليار ريال إلى 801.8 مليار ريال. وكانت المملكة قد سحبت مبلغ 50 مليار ريال من احتياطاتها لدى ساما (البنك المركزي) خلال شهر سبتمبر الماضي، وللمرة الأولى من خمسة أعوام ومنذ سبتمبر 2009. تلك السياسات أكدها أمس تصريح وزير المالية إبراهيم العساف بعد أن طال الجدل حول تأثير انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد السعودي وعلى برامج التنمية، حيث أزال أي شك أو لبس في متانة الاقتصاد الذي يعد واحدا من أقوى اقتصادات العالم عبر سياسات متوازنة تسعى إلى تأمين احتياط مالي كبير لتغطية الحاجة وقت الأزمات وكذلك تنويع مصادر الدخل، وذلك بعد أن نجت المملكة في تحييد اقتصادها عن طرقات أزمة 2008، حسبما ذكر الوزير السعودي بأن المملكة كانت من بين أقل الدول تأثرا بالأزمة المالية العالمية عام 2008 وما تبعها من تراجع في الإيرادات عام 2009 بفضل تلك السياسة التي قال إنها "ستمكن الحكومة من الاستمرار في تنفيذ مشاريع تنموية ضخمة والإنفاق على البرامج التنموية خاصةً في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، إضافة إلى تغطية الحاجات الأمنية والعسكرية، متوقعا تحقيق نمو اقتصادي إيجابي نتيجة لهذا الإنفاق والدور الحيوي للقطاع الخاص".